< من براج إلى واشنطن.. المليارديرات يحكمون العالم
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

من براج إلى واشنطن.. المليارديرات يحكمون العالم

الرئيس نيوز

في مشهد سياسي صاخب يعكس تحولات المزاج الشعبي في أوروبا، فاز رجل الأعمال والملياردير التشيكي أندريه بابيش مجددًا في انتخابات 2025، مستعيدًا مركز الصدارة بعد سنوات من الجدل حول نفوذه الاقتصادي والسياسي. 

الملياردير الذي قلب موازين براج

بابيش، الذي يمتلك واحدة من أكبر المجموعات الصناعية في أوروبا الوسطى، عاد إلى الواجهة بخطاب يمزج بين الواقعية الاقتصادية والانتقاد اللاذع للنخب التقليدية، متعهدًا بإدارة الدولة بعقلية "الشركة الناجحة" لا "المؤسسة البطيئة"، وارتفعت شعار التشيك العظمى.

ويرى مراقبون أن صعود بابيش يندرج ضمن موجة عالمية يتقدم فيها رجال الأعمال إلى المناصب العليا بعد أن فقدت الأحزاب الكلاسيكية قدرتها على إقناع الناخبين، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة. 

وفقًا لتقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، فإن فوز بابيش "يعكس نزوعًا متزايدًا لدى الأوروبيين نحو الثقة في من يملك المال والقرار أكثر من من يملك الخطابة والوعود".

الملياردير العائد إلى البيت الأبيض

أما في الولايات المتحدة، فقد عاد الملياردير دونالد ترامب إلى المسرح السياسي بقوة بعد فوزه في انتخابات 2024، في واحدة من أكثر المعارك الانتخابية إثارة في التاريخ الأمريكي الحديث.

 ترامب، الذي خاض حملته بشعار “أمريكا أولًا مجددًا”، استطاع أن يجذب قاعدة جماهيرية ضخمة رغم الحملات القانونية والسياسية التي واجهها، مقدّمًا نفسه هذه المرة بصورة أكثر انضباطًا ولكن بنفس الجرأة القديمة.

ويرى محللون أن فوز ترامب شكّل انتصارًا لمدرسة “الرئيس الملياردير” الذي يفاوض الداخل والخارج بعقلية رجل الصفقات لا رجل الدولة. 

صحيفة واشنطن بوست وصفت لحظات إعلان فوزه بأنها “عودة غير متوقعة لرجل لم يعتذر قط عن فوضاه، بل جعلها طريقًا للسلطة”. 

بينما علّقت نيويورك تايمز بأن الناخب الأمريكي "يجد في ترامب اليوم ما يشبه الملاذ من تعقيدات السياسة التقليدية، حتى وإن كان الملاذ نفسه مليئًا بالمخاطرة".

ظاهرة الرئيس الملياردير: بين المال وآليات القرار

تكرار صعود رجال الأعمال إلى الحكم لم يعد صدفة. من براج إلى واشنطن، ومن سيول إلى بوينس آيرس، يتكرر المشهد ذاته: شعوب تبحث عن وجوه قادرة على "تسيير الدولة كأنها شركة ناجحة". لكن هذه الظاهرة تثير جدلًا واسعًا بين أنصارها ومعارضيها.

الأنصار يرون أن المليارديرات يجلبون إلى السلطة عقلية الإدارة الحديثة والانضباط المالي، بعيدًا عن البيروقراطية التي تُرهق المؤسسات العامة. فهم يتحدثون لغة السوق، ويجيدون التفاوض مع القوى الكبرى، ويعرفون كيف يربحون في زمن الخسائر. 

أما المعارضون فيحذرون من خلط المال بالسلطة، ومن خطر تحوّل الدولة إلى "شركة خاصة" لا تراعي العدالة الاجتماعية ولا المصلحة العامة.

وأشارت الإيكونوميست البريطانية إلى أن “الرئيس الملياردير” قد يحقق نموًا اقتصاديًا سريعًا، لكنه غالبًا ما يثير أسئلة أخلاقية حول تضارب المصالح والشفافية.

التفاوض بعقلية الصفقة

ورغم أن كلمة "التفاوض" لا تتصدر العناوين عادة، إلا أنها تظل جوهر فلسفة الحكم لدى هؤلاء المليارديرات. فهم لا يرون في السياسة ساحة مبادئ بقدر ما يرونها سوقًا للعقود والتحالفات. 

ترامب يتفاوض على المعاهدات كما يتفاوض على أبراج مانهاتن، وبابيش يفاوض الاتحاد الأوروبي كما يفاوض شركاءه في السوق الحرة. 

هذه العقلية قد تمنح الدول أرباحًا عاجلة، لكنها أحيانًا تفقدها ثقة شركائها على المدى الطويل.

مجلة فورين بوليسي علّقت بأن "القيادة التجارية في السياسة قد تضمن صفقة ناجحة، لكنها نادرًا ما تصنع رؤية وطنية مستدامة"، وفقًا لمجلة فورين بوليسي

بين الثروة والمساءلة

ويبقى السؤال الأهم: هل الثروة ضمانة للنجاح أم عبء على الحكم؟ لكن التاريخ الحديث لا يقدم إجابة واحدة. ففي كوريا الجنوبية، أدت فضائح الفساد التي طالت بعض رؤساء الشركات إلى محاكمات قاسية، بينما في سنغافورة، تحولت عقلية الإدارة الاقتصادية إلى نموذج عالمي للفعالية والانضباط.

الاختلاف إذن ليس في الثروة، بل في كيفية استخدامها. فالملياردير الذي يرى المال وسيلة لخدمة الدولة قد يصنع معجزة اقتصادية، أما الذي يرى الدولة وسيلة لخدمة المال فقد يفتح الباب لحقبة من الاستغلال.

صحيفة الجارديان البريطانية لخّصت المسألة بعبارة دقيقة: "عندما يدخل الملياردير السياسة، فإن المال لا يغادر الغرفة أبدًا، بل يغير فقط موقع الكرسي".

من ترامب في واشنطن إلى بابيش في براج، تتشكل ملامح عصر جديد عنوانه: “المال يصنع السياسة”. 

قد يختلف هؤلاء في الأسلوب والخطاب، لكنهم يشتركون في معادلة واحدة: إدارة الدولة بمنطق الربح والخسارة. وبينما يرى البعض فيهم منقذين من البيروقراطية، يرى آخرون فيهم تهديدًا للديمقراطية نفسها.

لكن الحقيقة الأوضح أن هذا التيار لن يتراجع قريبًا، لأن الأزمات الاقتصادية المتراكمة تجعل من "رجل الأعمال" بديلًا جاهزًا عن "رجل الحزب"، ومن عقلية السوق بديلًا عن لغة المبادئ، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي.