< تطبيق الشريعة.. أسرار الانتقادات العلنية المتبادلة بين ترامب وعمدة لندن
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

تطبيق الشريعة.. أسرار الانتقادات العلنية المتبادلة بين ترامب وعمدة لندن

الرئيس نيوز

في أحدث مواجهة كلامية مثيرة للجدل، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتهامات ضد مدينة لندن، زاعمًا أنها «تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية»، وربط ذلك بالسياسات التي ينتهجها عمدة لندن صادق خان، واصفًا إياه بأنه «رئيس بلدية سيّئ للغاية». 

 

جاءت تصريحات ترامب في سياق خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تناول ملف الهجرة والهوية الأوروبية، وحاول تقديم لندن كنموذج «مهدد» بالقوانين الإسلامية. هذا التصريح فجّر ردود فعل غاضبة في بريطانيا، نظرًا لما حمله من إيحاءات سياسية ودينية حساسة، وفقًا لرويترز.

 

ولم يتأخر الرد البريطاني الرسمي، إذ وصف رئيس الوزراء كير ستارمر مزاعم ترامب بأنها «هراء كامل» و«سخافة لا تُصدّق»، مؤكدًا أن فكرة تطبيق الشريعة في العاصمة البريطانية غير ممكنة قانونيًا ولا تتسق مع القيم الديمقراطية في البلاد. وأضاف ستارمر أنه يدعم العمدة خان بشكل كامل، مشيدًا بعمله في خفض معدلات الجريمة وتعزيز صورة لندن كمدينة عالمية متنوعة. كما أوضح أنه فخور بوجود عمدة مسلم على رأس هذه المدينة، معتبرًا ذلك انعكاسًا للتنوع الذي يُميز بريطانيا. بدوره، قال خان إن ترامب يعيش «مجانًا داخل رأسه» وإن تصريحاته ليست سوى دليل على عنصرية وكراهية للإسلام والنساء. 

 

وعلّق صادق خان ساخرًا على وصف ترامب له بأنه «عمدة فاشل»، مؤكّدًا أن أعداد السائحين الأمريكيين في لندن وصلت إلى مستويات قياسية، وأن العاصمة البريطانية ما زالت تتصدر التصنيفات العالمية في مجالات الثقافة والجاذبية. وجاءت هذه الردود بعد أن قال ترامب أمام الأمم المتحدة إن لندن تغيّرت للأسوأ وتريد «الذهاب إلى الشريعة»، وهو ما وصفه خان بأنه «عنصري، متحيز ضد المرأة، وكاره للإسلام». هذه التفاصيل نقلتها هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.

 

وكان عمدة لندن نفسه، قد صعّد من لهجته وهاجم ترامب مباشرة، واصفًا تصريحاته بأنها محاولة لإثارة الكراهية ضد المسلمين وتشويه سمعة مدينة معروفة تاريخيًا بتنوعها واندماجها الاجتماعي. 

 

كما شدّد صادق خان على أن لندن تستضيف واحدة من أكبر الجاليات المسلمة في أوروبا، ومع ذلك تبقى مدينة منفتحة ترحب بجميع الجنسيات والأديان، ما يجعل اتهامات ترامب انعكاسًا لخطاب سياسي معادٍ للتعايش، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.

 

لكن الغضب لم يتوقف عند خان أو ستارمر، بل امتد إلى البرلمان البريطاني، حيث اعتبر نواب حزب العمال وعدد من الشخصيات السياسية تصريحات ترامب تحريضية وتهدد النسيج الاجتماعي، وذكّروا بأن لندن تُدار بقوانين الدولة البريطانية فقط، ولا مكان فيها لتشريعات دينية، محذرين من أن مثل هذه الادعاءات تزرع بذور الانقسام والكراهية داخل المجتمع، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.

 

وكشف هذا السجال عن صراع أوسع بين خطابين سياسيين متناقضين. فمن جهة يوظّف ترامب ورقة الهوية والدين لإثارة المخاوف وكسب تعاطف التيارات اليمينية، مستهدفًا قضايا الهجرة والتعددية الدينية كعناوين للهجوم. ومن جهة أخرى يرد خان بخطاب يدافع عن قيم التعايش والتسامح، مؤكدًا أن لندن مدينة متعددة الثقافات وتظل ملتزمة بالقانون المدني، وفقًا لرويترز ووفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.

 

كما أن البعد القانوني لهذه القضية واضح؛ فبريطانيا دولة علمانية ذات نظام قانوني صارم، ولا مجال فيها لتطبيق تشريعات دينية على نطاق الدولة أو المدينة. صحيح أن هناك مجالس دينية مثل المحاكم اليهودية أو الإسلامية التي تفصل في مسائل الزواج أو النزاعات الأسرية بشكل تطوعي، لكن هذه القرارات ليست ملزمة قانونيًا، والحكومة البريطانية تؤكد أن القانون المدني هو المصدر الوحيد للتشريع. هذا التوضيح هو ما أعادت تأكيده الحكومة البريطانية على لسان وزراء العدل والأمن في مجلس العموم، وهو ما يبدد عمليًا أي حديث عن تطبيق الشريعة في لندن، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.

 

وعلى مستوى العلاقات الدولية، تعكس هذه الأزمة جانبًا من التوتر في العلاقات البريطانية الأمريكية. فبينما تحرص لندن على التعاون مع واشنطن في ملفات السياسة الخارجية والأمن، فإنها تجد نفسها في مواجهة تصريحات مثيرة للجدل من قادة أمريكيين، خصوصًا عندما تمسّ قضايا الهوية والتعايش في الداخل البريطاني، وفقًا لرويترز.