< بعد اعتراف أممي واسع بالدولة الفلسطينية.. ماذا تغير؟
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

بعد اعتراف أممي واسع بالدولة الفلسطينية.. ماذا تغير؟

الرئيس نيوز

بعد اعتراف أممي واسع بالدولة الفلسطينية، تتركز المناقشات بين الخبراء والمتخصصين حول سؤال محوري وهو: ماذا تغير فعليًا في الواقع على الأرض؟.

وشهدت الأمم المتحدة في سبتمبر 2025 موجة اعترافات متسارعة من دول غربية كبرى مثل بريطانيا، وكندا، وأستراليا، والبرتغال، وبلجيكا، ولوكسمبورج، ومالطا، وأندورا، وأخيرًا فرنسا في قمة حل الدولتين، مما رفع نسبة الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية إلى 156 من أصل 193 عضوًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفقًا لرويترز في تقرير بعنوان "قادة العالم يدعمون الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، متحدين الولايات المتحدة وإسرائيل" 

هذه الاعترافات، التي بدأت في ربيع 2024 بدول مثل إسبانيا، والنرويج، وأيرلندا، وجامايكا، وبربادوس، واستمرت في 2025 بإضافات مثل جزر البهاما وترينيداد وتوباجو، جاءت كرد فعل على الحرب المستمرة في غزة، التي خلّفت أكثر من 65 ألف قتيل، والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وتمثل تحولًا دبلوماسيًا رمزيًا يعيد إحياء رؤية حل الدولتين. لكنها لم تؤثر بعد على الواقع الميداني، حيث يستمر الاحتلال الإسرائيلي وتزايد الضم الفعلي للأراضي، كما أفادت بي بي سي في تقريرها بتاريخ 20 سبتمبر 2025 بعنوان "تستقبل الضفة الغربية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رغم مخاوف الضم الإسرائيلي"، وفقا لصحيفة ميامي هيرالد الأمريكية.

وعلى الرغم من الزخم الدبلوماسي، يظل التأثير العملي محدودًا، إذ لم يؤدِ الاعتراف إلى وقف إطلاق النار في غزة أو تجميد الاستيطان في الضفة، بل أثار ردود فعل إسرائيلية عدائية، فقد هدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالضم الفوري لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، واصفًا الاعتراف بأنه "مكافأة لحماس"، كما نقلت الجارديان في تقرير بعنوان "سياسيون إسرائيليون يردون بغضب على الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية". 

وداخل إسرائيل، امتدت الإدانة عبر الطيف السياسي، من اليمين المتطرف إلى زعيم الوسط اليساري يائير جولان، الذين اعتبروا الاعتراف "مكافأة للإرهاب"، بينما رأى آخرون أنه مجرد "إيماءة رمزية فارغة". 

في الوقت ذاته، أعربت الولايات المتحدة، عبر المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفت، عن رفضها لهذه الخطوة، معتبرة إياها "غير مفيدة"، مما يعمق الصدع مع حلفائها الغربيين مثل بريطانيا وفرنسا، التي رأت في الاعتراف خطوة ضرورية للحفاظ على إمكانية السلام، كما أشارت الواشنطن بوست في تقريرها بتاريخ 22 سبتمبر 2025 بعنوان "بريطانيا وكندا وأستراليا تعترف بفلسطين كدولة، متخلية عن الولايات المتحدة". هذا الانقسام يهدد بتعطيل اتفاقيات أبراهام، التي سعى كل من ترامب وبايدن لتوسيعها لتشمل السعودية، خاصة مع العلاقات المالية العميقة لعائلة ترامب وحلفائه في المنطقة، مما يضيف طبقة من التعقيدات الاقتصادية للصراع، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.

أما اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية، الذي أعلنه الرئيس إيمانويل ماكرون في القمة الأممية، فيكشف بوضوح عن صدع عميق داخل الاتحاد الأوروبي بشأن الحرب في الشرق الأوسط، كما أبرز تقرير في فايننشال تايمز بعنوان "اعتراف فرنسا بفلسطين يكشف خطوط الخلاف في الاتحاد الأوروبي حول حرب الشرق الأوسط". فبينما قادت فرنسا، إلى جانب إسبانيا وبلجيكا، حملة الاعتراف كخطوة لإنقاذ حل الدولتين، رفضت ألمانيا وإيطاليا الانضمام، معتبرتين أن الاعتراف يجب أن يكون نتيجة مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، مما أدى إلى أزمات داخلية مثل استقالة وزراء في هولندا وبلجيكا بسبب الخلاف حول غزة، وفقًا لتغطية الجارديان بعنوان "الاعتراف بفلسطين: المبدأ الذي ظل الاتحاد الأوروبي عالقًا فيه لعقود". هذا الانقسام، الذي يعكس توترًا بين الالتزام التاريخي بالسلام والضغوط السياسية الداخلية، يعيق أي إجراء أوروبي موحد، مثل فرض عقوبات على الاستيطان، ويضعف موقف الاتحاد أمام الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على مسؤولين فلسطينيين، كما أوضحت سي إن إن في تغطيتها للقمة.

وعلى المستوى الإسرائيلي، يواجه نتنياهو ضغوطًا داخلية متزايدة تحول دون تحقيق تهديداته بالضم الكامل، وفقًا لتحليل ألون بنكاس، الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، في تقرير الجارديان. 

ولفت بنكاس، الذي شغل منصب القنصل العام في نيويورك، إلى أن نتنياهو في 2025 يعاني من "انفصال عن الواقع" و"هوس بإعادة رسم خريطة المنطقة"، مدفوعًا بمخاوف من محاكمته بتهم الفساد والانتخابات المقبلة، مما قد يدفعه للقيام بضم جزئي للضفة الغربية على الرغم من المخاطر الدبلوماسية، بما في ذلك استعداء ترامب وحلفائه الذين لهم مصالح مالية في المنطقة. على النقيض، يرى بعض المحللين أن الاعتراف البريطاني يحمل وزنًا دبلوماسيًا وتاريخيًا خاصًا بسبب إرث وعد بلفور عام 1917، كما أشار الدبلوماسي ليئل، موضحًا أن الاعتراف يمثل "تصحيحًا للدور البريطاني التاريخي" في تأسيس إسرائيل، مما يعزز الشرعية القانونية للقضية الفلسطينية.

ويُعد الاعتراف الأممي الواسع خطوة رمزية تعزز الشرعية الدولية لفلسطين وتضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، لكنه لم يغير الواقع المعقد بعد، حيث يستمر الصراع العسكري والاستيطاني، ويظل السلام بعيدًا دون إرادة سياسية حقيقية. كما أشارت دويتشه فيله في تحليلها، قد يساعد هذا الاعتراف في تعزيز قضايا فلسطينية قانونية دولية، مثل الالتزام بموجز جنيف، لكنه يحتاج إلى دعم عملي ليكون فعالًا، وسط مخاوف من تصعيد إسرائيلي يهدد بإنهاء أي أمل في دولة فلسطينية قابلة للحياة، خاصة مع استمرار رفض الولايات المتحدة ومعظم أوروبا الغربية الاعتراف حتى الآن، مما يعقد الجهود الدولية لإحياء عملية السلام.