الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

كواليس زيارة السيسى من مسقط إلى أبو ظبى

الرئيس نيوز

شيماء جلال
يجري الرئيس عبد الفتاح السيسي، محادثات في مسقط مع السلطان قابوس بن سعيد، في أول زيارة رسمية لزعيم عربي تشهدها سلطنة عمان منذ عام 2014، كما تُعد الزيارة الأولى للسيسي إلى مسقط منذ توليه مقاليد الحكم في مصر، وهو ما وصفته وسائل الإعلام العمانية بـ«قمة الحكمة».
وتناولت المباحثات تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين فى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، ومناقشة مختلف القضايا العربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وخصوصًا عملية السلام فى الشرق الأوسط ومكافحة التنظيمات الإرهابية. والعمل على توفير الامن السلام فى المنطقة.
وقال السفير بسام راضي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن الرئيس عبدالفتاح السيسي، سيبدأ زيارة إلى الإمارات، بعد انتهاء زيارتِه لسلطنة عمان.
وأكد المتحدث باسم الرئاسة، أن زيارة السيسي إلى أبوظبي، ستشهد لقاء بين الرئيس وشقيقه الشيح محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، لبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات، والتشاور بشأن آخر مستجدات الأوضاع على صعيد القضايا العربية والإقليمية والدولية.
وتأتى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى سلطنة عمان، كأولى الزيارات للسلطنة على الرغم من التوقيت السياسى الحساس ، قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية بأقل من شهر ، إلا أن الوضع الإقليمى المشتعل والمنذر بالخطر لا يحتمل التأجيل أكثر من ذلك.
القراءة فى زيارة السيسى إلى سلطنة عمان تحمل بعدين الأول يخص العلاقات المصرية العمانية، وهي علاقات قائمة على أواصر الأخوة التاريخية بين البلدين، وتدعيم العلاقات الثنائية على عدة أصعدة من بينها الصعيد الاقتصادى حيث من المقرر أن يلتقى السيسي عددا من رجال الأعمال العمانين على هامش زيارته للسلطنة.
والبعد الثاني هو عدد من الملفات السياسية على رأسها تطورات الأزمة الخليجية، والأزمة اليمنية، والجهود التي تبذلها القاهرةو سلطنة عمان لدعم التسوية السياسية في اليمن، وتطورات الأوضاع في سورية وليبيا، وملف المصالحة الفلسطينية التي ترعاها القاهرة حالياً.
وبحسب مصادر دبلوماسية فإن الزيارة لن تكون بعيدة عن استدعاء الدور المصرى كوسيط موثوق فيه لدى كافة الأطراف العربية فى تهدئة أجواء التوتر فى المنطقة، ولا يخفى حالة التوتر السائدة بين السعودية والإمارات من ناحية ومسقط من ناحية أخرى ، خاصة مع الرغبة العمانية  للحد من الأزمة الخليجية التي لم تنته حتى اليوم، والتى لم تتوقف  عن حد  تعطل مشاريع التعاون الخليجي فقط، بل أصابت منظومة مجلس التعاون بالشلل، وهددت استمرار بقائه.
الرغبة العمانية فى استدعاء الدور المصرى ظهرت فى الدعوة الرسمية التى وجهها السلطان قابوس للرئيس السيسى، وهى دعوة تلقاها السيسى بترحيب إلا أن تواتر الأحداث داخليا أدى على تأجيل الزيارة التى كان مقرر لها نوفمبر الماضى ،وهى زيارة تم تأجيلها على أثر العملية الإرهابية التى استهدفت مسجد الروضة بالعريش.
وتعلق عمان آمالا على هذا اللقاء في خلق وسائل تؤدي إلى إحلال الأمن والاستقرار من خلال الحفاظ على مصالح كل دول المنطقة.
وتأتى فى مقدمة أهداف قمة السيسى وقابوس  تهدئة التوترات القائمة وما يمكن أن تبذله القاهرة ومسقط لنزع فتيل هذه التوترات،وتقريب وجهات النظر بين الأطراف العربية، ومحاولة رأب الصدع فى البيت الخليجى، وهو ما يفسر جولة السيسى لمسقط وما يعقبها لأبوظبى.
وقد سبق جهود السيسى المباشرة جهود دبلوماسية تصب فى نفس الاتجاه من خلال جولة وزير الخارجية سامح شكرى، والتى شملت ست عواصم عربية تضمنت الأردن والبحرين و الكويت والسعودية والإمارات وعمان، فى نفس اتجاه محاولات رأب الصدع ، حيث حمل شكرى رسالة شفهية من السيسي، تضمنت تقييم مصر ورؤيتها للتطورات المتلاحقة في المنطقة وتأثيراتها على استقرار الدول العربية وشعوبها، المحادثات تضمنت تطورات الأوضاع في لبنان واليمن والعراق وسورية، والأزمة مع قطر. المحادثات التي جرت في العواصم العربية الست، أكدت أهمية التشاور والتنسيق بشأن الجهود المبذولة لاحتواء الأزمات والتصدي لها بالتعاون والتضامن العربي.

تتركز محطات الأزمة بين الرياض وأبو ظبي من جهة ومسقط من جهة أخرى في ثلاث محطات أساسية، الموقف العماني من مقاطعة وحصار قطر على خلفية اتهامات عربية موثقة بدعمها للإرهاب فى دول المنطقة والتدخل فى الشئون الداخلية للبلاد، والثانى الأزمة اليمنية، ورفض عمان للمشاركة في قوات التحالف العربي بقيادة السعودية الذي يضم 4 دول خليجية (السعودية والكويت والإمارات والبحرين (في التدخل العسكري في اليمن متمسكة بالحل السياسي، والأخير التقارب الإيراني العماني، الأمر الذي يمثل استفزاز للملكة السعودية.
وهو ما عبّر عنه أمير الكويت صراحة محذرا في كلمة له في قمة الكويت الماضي من تصدع وانهيار البيت الخليجي.
وخرجت الأزمة بين الدول الثلاث من نطاقها الدبلوماسى حد التراشق الإعلامى، والمطالبة باستبعاد عمان من مكجلس التعاون الخليجى.
زادت حدة الصدام بين الدول الثلاث في اليمن خاصة بعدما بسطت السعودية نفوذها العسكرى على محافظة المهرة اليمنية الحدودية مع سلطنة عمان،ووصول تعزيزات عسكرية سعودية للمحافظة، الأمر الذى مثل قلقا بالغا للسلطنة حيث تجمعها بالمهرة حدود واسعة وعلاقات متينة، تصل إلى حد اعتبار مسقط هذه البقعة من اليمن حديقتها الخلفية، التي تحرص على ألا تطالها شرارات التغوّل العسكري والمذهبي.
وزادت السعودية الأمر بالبدء فى إنشاء مراكز لجماعات سلفية وهابية بالمحافظة الحدودية اللصيقة بالحدود العمانية، الأمر الذى بات ينذر بالدخول فى حرب مذهبية مع الجارة التى يدين بعض سكانها بالمذهب الشيعى.
وتوجيه اتهامات سعودية لعمان مفادها وجود عمليات تهريب أسلحة لحركة انصار الله، من سلطنة عمان، عبر منافذ المهرة،وهو ما نفقته الخارجية العمانية ، وقالت الوزارة إن مثل هذه المسائل نوقشت مع عدد من دول التحالف العربى  والولايات المتحدة وبريطانيا، وتم تفنيدها والتأكد من عدم صحتها.
وأضافت أن السواحل اليمنية القريبة من السواحل العمانية لا تقع تحت نطاق أي سلطة حكومية في الجمهورية اليمنية، ولذلك فهي متاحة لاستخدام تجار السلاح.
ومن جانب أخر فإن قلقا عمانيا متناميا من  سيطرة الإمارات على الموانئ اليمنية ، وتمدد النفوذ الإماراتي نحو الجنوب الشرقي، باتجاه الحدود العمانية تحديدا، الساحل اليمني الجنوبي، بموانئه .
اليمن هى المحطة الثانية بعد الأزمة المشتعله مع قطر والتى تمثل نقطة الانفجار فى العلاقات الخليجية- الخليجية، بداية الأزمة الخليجية بدأت مع رفض مسقط الانضمام الى المسار الذى دشنته السعودية ضد قطر وانضمت اليه كل من مصر والبحرين نظرا للتدخلات القطرية فى الشئون العربية ودعمها للإرهاب فى دول المنطقة.
ولم تتخذ عمان موقفا رسميا من الجانبين في النزاع الدبلوماسي مع قطر، كما حافظت سلطنة عمان على علاقاتها مع قطر في الوقت الذي تبنت فيه مركزاً للوساطة وانضمت إلى سلسلة من المباحثات الأميركية والكويتية بهدف التفاوض على إيجاد حل للأزمة.
ومع الحصار العربى لقطر، فتحت عمان موانيها تستقبل السفن القطرية، من خلال حركة الملاحة والشحن في ميناء “صحار” العماني.
وبدأ الشرخ فى مجلس التعاون الخليجى فى الاتساع عندما قررت السعودية والإمارات  تشكيل لجنة تعاون اقتصادية وعسكرية منفصلة ووعق القرار السعودي والإماراتى بتشكيل لجنة تعاون منفصلة عن مجلس التعاون الخليجى.
خاصة بعد التوجه السعودى لتحويل المجلس إلى اتحاد وهو ما كان مقرر مناقشته فى القمة الخليلجة بالكويت وحظى بتأييد دول المجلس عدا سلطنة عمان، حيث أعلن وزير خارجيتها، يوسف بن علوي، معارضة بلاده صراحة للمرة الأولى في ديسمبر 2013، وكرر الرفض في أكثر من مناسبة، واعتبر أن “المجلس يكفي”، وليس هناك حاجة للاتحاد وأن بلاده “لن تكون عضوا فيه”.
على الجانب الآخر هددت سلطنة عمان بالانسحاب من مجلس التعاون في حال تطور إلى اتحاد، لعلمها المسبق بأن الظروف غير متواتية للتقدم نحو هذه الخطوة في ظل وجود علاقات مأزومة بين غالبية دول مجلس التعاون.
تفاقمت الأزمة مع تلويح عمان باتخاذ مسار إقليمى بديل لمجلس التعاون الخليجى فى مواجهة المحور السعودى، يمكن أن تشمل إيران، المنافس الإقليمي للمملكة العربية السعودية التي تقيم سلطنة عمان علاقات دبلوماسية معها، والهند التى لها علاقات تجارية قوية مع دول الخليج، وذلك بديلا عن عملية التكامل التى تكفلها السعودية تحت مظلة المجلس، الأمر الذى قد يؤدى إلى حالة من التفكك بين دول الخليج.
أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران وسلطنة عمان ستعمقان علاقاتهما وسط الأزمة الدبلوماسية الخليجية ، حيث قام روحانى بزيارة شملت عمان والكويت، فبراير الماضى، اى فى خضم الأزمة المشتعلة.
كما استقبل رئيس الجمهورية “حسن روحاني” ، وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بالعاصمة طهران، يوليو الماضى، و قال روحاني في لقاء مع وزير الخارجية العماني “إن إيران وعمان لديهما علاقات أخوية لسنوات ويجب أن يتم تعزيز هذه العلاقات الجيدة لتكون في وضع أفضل”.
وقال وزير خارجية عمان يوسف بن علوي، حسبما ذكر موقع الحكومة الإيرانية  “إن القادة العمانيين يعتقدون أنه يتعين تطوير علاقاتنا مع إيران”.
الملف اليمني: نقطة الالتقاء
الملف اليمنى هو أحد أبرز الملفات المطروحة على طاولة المباحثات السيسى – قابوس، وهى نقطة التقاء بين القاهرة ومسقط، وإن كانت نقطة خلاف بين الدول الخليجية الثلاث، حيث تتفق القاهرة ومسقط على ضرورة الحل السياسى للأزمة اليمنية، والحفاظ على سيادة ووحدة الأراضى اليمنية.

واختلفت طريقة تعامل السلطنة مع الملف اليمني عن باقي جيرانها، باعتبار اليمن تقع في قلب الأمن القومى العماني، حيث رعت مسقط المفاوضات التي أنتجت اتفاق “السلم والشراكة” في اليمن سابقا،وبذلت السلطنة  مساعي أخرى رسمية لإقناع الرئيس عبد ربه منصور هادي، كما أن جماعة الحوثي لم تبد اعتراضا على هذه الخطوة.
وعلى هذا المنوال تحاول سلطنة عمان  جمع أطراف يتشاركون معها وجهة النظر في قضية اليمن، وتأمل مسقط فى استمالة الموقف المصرى والذى يتفق بدوره على ضرورة دعم الحل السياسى.
وتسعى عمان إلى تطوير مبادرة تكون من الأمم المتحدة، وبدعم من جميع الأطراف والدول المجاورة، إضافة للدول المهتمة بالشأن اليمني، فيما أكد أن كل الأطراف -بما فيها عُمان- على اتصال مع الأمم المتحدة للتنسيق ومحاولة الخروج بحل سريع للأزمة اليمنية”.
ملف فلسطين: آلية دولية متعددة الأطراف تحت مظلة الأمم المتحدة لرعاية السلام
يتصدر الملف الفلسطينى صدارة أجندة المباحثالت بين الزعيمين حيث تجدد مصر تأكيدها على  الموقف المصري الثابت بشأن الحفاظ على الوضعية القانونية للقدس فى إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، وأن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والمتعلق بشأن  القدس يعمل على عدم تعقيد الوضع بالمنطقة من خلال اتخاذ إجراءات من شأنها تقويض فرص السلام فى الشرق الأوسط، ومخالفته لقواعد القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية.
وتأكيد التمسك بالسلام خيارا استراتيجيا وفق المبادرة العربية.لمخالفته قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية”.
كما تتناول المباحثات الآلية العربية المقترحة للعمل مع الأطراف الدولية الفاعلة لتأسيس آلية دولية متعددة الأطراف تحت مظلة الأمم المتحدة لرعاية عملية السلام، بما في ذلك الدعوة لعقد مؤتمر دولي لإعادة إطلاق عملية سلام ذات مصداقية ومحددة بإطار زمني، وفق ما تم الاتفاق عليه فى اجتماع وزراء الخارجية العهرب المنعقد بالجامعة العربية.
يحظى الملف السورى بنصيب من المباحثات، حيث تلتقى أيضا وجهة النظر المصرية والعمانية حول ضرورة دعم خطوات سياسية سريعة  فى الأزمة السورية، وفق خارطة طريق متفق عليها من قبل الفرقاء السوريين.
وتلتزم مسقط سياسة  تعرف دبلوماسيا ب”الحياد الإيجابى” إزاء كافة قضايا المنطقة،وتلعب مسقط دورا محوريا فى الأزمة السورية عبر وساطات عدة وتواصل مع أطراف دولية أهمها مع روسيا الاعب الأبرز فى المشهد السياسى والعسكرى ، فى محاولة لتشكيل معارضة موحدة تدخل فى مفاوضات جادة مع الحكومة السورية.
تشهد اللقاءات بحث سبل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ومواجهة التهديدات المستمرة من تنامي الفكر المتطرف وانتشار التنظيمات المتشددة وتأكيد أن مكافحة الإرهاب لا يتعين أن تعتمد فقط على المحاور الأمنية والعسكرية ولكن تشمل أيضا الأبعاد الفكرية والدينية.
ورؤية مصر للقضاء على الإرهاب تقوم على ضرورة تضافر جهود كافة القوى الدولية، وتبني إستراتيجية متعددة المستويات، تشمل تجديد الخطاب الديني وتنقيته مما يشوبه من أفكار مغلوطة، والتعامل مع كافة عناصر ظاهرة الإرهاب، بما يحول دون حصول الجماعات الإرهابية على تمويل أو تدريب أو مأوى، وكذلك دعم جهود الاستقرار في المنطقة من خلال تقوية المؤسسات الوطنية في الدول التي تشهد أزمات، وتحسين ظروفها التنموية والسياسية، بهدف ملء الفراغ الذي يتيح للإرهاب التمدد داخل المجتمعات.