الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

في ذكرى اغتياله.. ماذا تحقق من "حُلم" مارتن لوثر كينج؟

مارتن لوثر كنج
مارتن لوثر كنج

يأتي يوم 4 أبريل من كل عام، حاملاً في خزانته ذكرى الرصاصات التي اخترقت قلب من نادى بالحرية عبر حلمه المنشود، لأبناء جلدته من الأفروأمريكان في العام 1968، صائحًا بثقة وإيمان بواشنطن دي سي أمام النصب التذكاري لـ"إبراهام لينكولن": "لديَّ حُلمًا".


يُعد الزعيم الأفروأمريكي مارتن لوثر كنج قائد حركة المؤتمر المسيحي الجنوبي بأتلانتا، عاصمة ولاية جورجيا، ورئيس كنيستها، من الأبواق المتمردة على العنصرية الخطرة التي هددت المجتمع الأمريكي لأكثر من قرنين.


(مارتن لوثر كنج في الهند)

تظاهر القس الصغير في وقت تمرد الحائكة الأفروأمريكية روزا باركس في حادث الحافلة الشهير، وقت رفضها للجلوس بمقاعد الملونين في ديسمبر من العام 1955، ليقبض عليها بتهمة مخالفة قوانين بلاد العم سام.


(طابع تذكاري لمارتن لوثر كنج)

نظم المارد الأسمر إثر هذا الموقف الكبير، أول مظاهرة من كنيسة أتلانتا استمرت لمدة عام وشهر، عرفت باسم "مقاطعة حافلات شركة فورد"، جنى من خلالها ثمار فوز الأفارقة الأمريكان بحق التصويت في الانتخابات عبر قرار الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور.


(كنج في النصب التذكاري لغاندي)

أعاد الزعيم الشاب للأذهان صورة الزعيم الهندي المهاتما غاندي"، باستلهامه مبدأ "السيتياجراها" أو "المقاومة السلمية" الذي أعاد للهند حريتها من بين أنياب الأسد البريطاني، ذاهبًا في العام 1959 إلى الهند مسقط رأس أستاذه الروحي لينهل من نبعه قولاً وفعلاً.


استشهد كنج على الدوام بقول السيد المسيح: "أحب أعداءك واطلب الرحمة لمن يلعنونك، وادع الله لأولئك الذين يسيئون معاملتك"، متكئًا عليه في خطواته الدقيقة المواجهة للأشواك واللعنات، وهو ما واجهه في العام 1957 حينما تعرض لمحاولة اغتيال من قِبل امرأة بيضاء غرست خنجرًا في صدره، لكن القدر أرجأ موعد رحيله، لأن لحياته بقية لم تأت بعد.


(جنازة مارتن لوثر كنج)

ظل القس الصغير يواجه ما واجهه المسيح عليه السلام بإلقاء كلمات المحبة والغفران في مواجهة البغض والكراهية بأسلحتهما البتارة، اللتان اقتربتا منه بمحاولة اغتيال جديدة بتفجير منزله في العام 1958، لتصر الأقدار بأن في جعبته ما لم يخرج للبشرية حتى الآن.


ظل على هذا الوضع سنوات عدة، حتى خرج بصيحته الشهيرة في العام 1963 أمام نصب لينكولن التذكاري بواشنطن دي سي في 29 أغسطس قائلاً: "لدي حلم بأن يومًا ما سيتساوى الأمريكان ببشراتهم المختلفة، ويكون الحكم على الإنسان عبر خُلُقه وعقله وثقافته".


(كنج يتسلم جائزة نوبل للسلام 1964)

هذه الخطبة إحتشد لها عدد كبير من الأمريكان، حاصدًا علامات الإعجاب والتأييد من البيض والسود، ومعه رفيقة كفاحه كوريتا سكوت كنج مستقبلين تأييد نجوم المجتمع الأمريكي في نبذ العنصرية عبر الحب والتسامح وذلك بوجود: النجم "سيدني بواتييه"، الكاتب "جيمس بولدوين"، النجم "شارلتون هيستون".


(غلاف مجلة التايم واختيار كنج شخصية العام)

حصل كنج عبر هذا الحدث الاحتفائي والتصالحي مع النفس والمجتمع، على شخصية "رجل العام" في العام 1964 بمجلة "التايم" الأمركية، وهو أول أفروأمريكي يحصل على هذا اللقب، علاوة على حصوله على جائزة نوبل للسلام في نفس العام، مستشهدًا بغاندي الذي أوصله لمنصة التتويج بالعاصمة النرويجية أوسلو.


(كنج مع زوجته كوريتا سكوت كنج)

جعل الزعيم فلسفة المقاطعة الاقتصادية والمالية وسيلة ضغطٍ كبير في الوصول إلى الاحتياجات والطلبات المُلحة لشعور الإنسان بآدميته، وهو ما وضعه في بوتقة الأيقونية العالمية بتتبع خطواته وأقواله المأثورة المستشهد بها حتى الآن، موضحًا في خلاصة وافية سر أزمة البشرية : "تعلمنا أن نسبح في البحار كالأسماك، وأن نحلق في السماء كالطيور، لكننا فشلنا في أن نسير سويًا كإخوة".


(ضريح مارتن لوثر كنج)

ظل كنج يحلم بما نادى به وتأمله في خطابه التاريخي، مجتهدًا صبورًا بتحويله عمليًا حتى جاء يوم 4 أبريل من العام 1968، وقت استعداده للمشاركة بمظاهرات عمال النظافة بمدينة "ممفيس"، بولاية "تينيسي" متبادلاً الحديث مع رفقائه بإستراحة "ممفيس"، عائدًا لغرفته وهو بالشرفة مبتسمًا إبتسامات الوداع الخفية، ليجد ما أسدل الستار على حياته تلك المرة برصاصات "جيمس إيرل راي" التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالية ، لرغبة الأقدار في وضع اسمه بسجلات التاريخ لمن يأتي من خلفه.


(خطاب لدي حلمًا في العام 1963)

في العام 1977 حصل كنج على ميدالية الحرية تسلمها والده، وزوجته من الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" في ذكرى حرب الاستقلال الأمريكية، وقرر الرئيس "رونالد ريجان" في العام 1983 بإصدار مرسومًا رئاسيًا باعتبار يوم 15 يناير، الموافق ذكرى ميلاده يومًا فيدراليًا في عموم البلاد كعطلة رسمية، لم يحظ بها أحد من قبل سوى جورج واشنطون (أبو الولايات المتحدة الأمريكية).

رحل كنج جسدًا، ولكن روحه حلقت في الآفاق مع حلمه المشروع الذي تحقق بوصول أول أفروأمريكي للمكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في العام 2009، وهو الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" الذي ذكر اسمه في خطاب حفل تنصيبه، مستعيدًا كلماته الشامخة التي أوصلته لقمة الدولة العظمى.