الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

في يومه العالمي.. الشعر ديوان الخالدين ومكمن المبدعين

اليوم العالمي للشعر
اليوم العالمي للشعر

يوافق يوم 21 مارس من كل عام اليوم العالمي للشعر، بناءً على قرار منظمة اليونسكو في العام 1999، بتخصيص هذا اليوم لصروح القوافي والأوزان والجرس الموسيقي، المرتقي بالمشاعر والأحاسيس والمساهم في تكوين وجدان الأمم منذ العصور القديمة وحتى لحظات كتابة تلك السطور، وعلى الرغم من تعدد الأشكال الأدبية والوسائط الإلكترونية، إلا أن الشعر باق بحكمته المكتنزة، وقوافيه الموجزة في تلخيص أحوال البلاد والعباد.


(الملك أمنحوتب الرابع المعروف بإخناتون)

تعلم الإنسان منذ وجوده على الأرض استكشاف الأمور، من خلال أصوات الطيور والكائنات المختلفة، المخرجة لنغمات صوتية بمختلف الطبقات، وذلك تعبيرًا عن مكنونات الصدور دون كبتها ولفظها، وتسجيلاً لأهم اللحظات الفارقة في تاريخ الأمم كما حدث في ملحمتي "الإلياذة" الإغريقية ل"هوميروس"، و"الإنياذة" الرومانية ل"فيرجيل".


(الشاعر الروماني فيرجيل صاحب ملحمة (الإنياذة))

استخدم الملك "أمنحوتب الرابع" المعروف ب"إخناتون" الشعر، وقت حربه الشرسة مع كهنة "آمون" بالتبليع لمعبوده "آتون" بعاصمته الجديدة "أخيتاتون" بتل العمارنة، لتجميع المريدين والمحبين لديانة التوحيد الجديدة في مصر القديمة.


(الشاعر الإغريقي (هوميروس) صاحب ملحمة (الإلياذة))

في العصر الجاهلي بالجزيرة العربية، كان الشعر ديوان العرب الأول في تسجيل أهم اللحظات الفارقة على المستويين الشخصي والعام من خلال "المعلقات" الحاملة لمختلف الأغراض في التأريخ للأمة العربية، بكل ما تحمله من مواقف وطرائف مختلفة تؤكد على عراقة العرب في عصر ما قبل الإسلام، حتى في الحروب القبائلية المفرزة، لفرسان يحملون السلاح والأوزان لشرح ما يدور بساحة القتال.


(الشاعر والمسرحي البريطاني وليم شكسبير)

الشعر هو الأساس في إبراز حياة العرب عبر المعلقات والقصائد ل: "الأعشى"، "عنترة بن شداد"، "طُرفة بن العبد"، "لبيد بن ربيعة"، "النابغة الذبياني"، "عمرو بن كلثوم"، "إمرؤ القيس"، "الحارث بن حلزة"، "زُهير بن ابي سُلمى"، "عبيد بن الأبرص".


(رب السيف والقلم محمود سامي البارودي)

بالأوزان والقوافي ناجى الشعراء محبوباتهم، وحيواناتهم وذكرياتهم كي تبقى في سجلات التدوين، لمن سيأتي من بعدهم حتى لا تختفي آثارهم  من أجل الإبقاء على الهوية القبلية التي ميزت عرب الجزيرة في ذلك العصر.


(الشاعر الفلسطيني محمود درويش)

عند قدوم الإسلام بموكب النور المحمدي، جاءت سورة (الشعراء) بآيات تحذر من الشعراء فاستقبل شعراء الرسول : "الحسان بن ثابت"، "كعب بن زهير"، "جعفر بن أبي طالب" قوله سبحانه وتعالى : (والشعراء يتبعهم الغاوون (224) ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون (225) وأنهم يقولون ما لا يفعلون (226)).


(الشاعرة العراقية مؤسسة الشعر الحر نازك الملائكة)

فجاءت صيحاتهم الباكية للرسول الكريم بقولهم : "يا رسول الله لوكنا نعلم هذا ما قلنا الشعر"، فجاءت الآية المُطَمئنة لقلوب من ينصرون الحق والرسول العظيم، بقوله تعالى في الآية (227) : "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرًا وانتصروا من بعد ما ظُلموا وسيعلم الذين ظلموا أَيَّ منقلبٍ ينقلبون).


(أمير الشعراء أحمد شوقي)

انتصر الإسلام للشعر في رحاب الحق والنور، ولو لم يستخد الإسلام الشعر لفقد سلاحًا مهمًا في مواجهة أعداءه بما تميزوا به عبر ساحات المناظرة والتباري في جزالة الكلمة، وأصبح الشعر نبعًا أساسيًا في شحذ الهمم، وتحميس الشباب وقت الفتح والغزوات مع تكريم الرسول الكريم للشعر والشعراء بإهداءه بردته لشعراءه الثلاث.


(الشاعر الفرنسي ألفونس دي مارتين)

الشعر نقطة إيقاظ للأمم في أوقات النعاس والخمول، وهو ما قام به "رب السيف والقلم"، الشاعر الكبير "محمود سامي البارودي" بإحياءه للشعر العربي من سبات عقود مديدة في العصرين المملوكي و العثماني، بتأسيس مدرسة الإحياء والبعث مستعينًا بجزالة الشعر الجاهلي، وسماحة الشعر الإسلامي، وبساطة المعاني الأموية، وخضرمة القصائد العباسية مع حداثة عصره وعصور من جاءوا من بعده.


(شاعر القطرين خليل مطران)

ساهمت القصيدة في وعظ الأمة المصرية بمقاومة الإنجليز، لنيل الاستقلال عبر تغريدات : "أحمد شوقي"، "حافظ إبراهيم"، "علي الجارم"، "عباس محمود العقاد"، "عبد القادر المازني"، "عبد الرحمن شكري"، "مصطفى صادق الرافعي"، "أحمد زكي أبو شادي"، "أحمد رامي"، "علي أحمد باكثير"، "خليل مطران".


(الشاعرة الأمريكية لويز جليك الحائزة على نوبل للآداب 2020)

توالت المدارس بمختلف الوجهات ما بين الكلاسيكية والرومانسية حتى عانقت الواقعية عقب الحرب العالمية الثانية وانتشار وباء الكوليرا بمصر في العام 1947، فجاءت تغريدة العراقية الحزينة "نازك الملائكة" بقصيدتها الخالدة "الكوليرا" المؤسسة لمدرسة الشعر الحر (الشعر المرسل الطلق)، ترثي أحوال مصر من بين ربوع العراق العظيم مما أكد على عالمية الشعر بمشاركته الوجدانية لآلام الإنسانية.

عبر القوافي كان التنوير والتأسيس للأمة البريطانية بصروح "وليم شكسبير" الشعرية، بسونتاته المستلهمة من الشعر الغنائي الإغريقي والموشحات الأندلسية ذات الأبيات الأربع أو ما يعرف بالرباعيات في تلخيص أحوال الحياة.

كان للشعر دور في تجميع شتات الأمة الفرنسية’، عقب أحداث الثورة الشعبية في العام 1789 من خلال شعراء عصر الثورة الكبار : "ألفونس دي مارتين"، "أندريه شينيه"، "سيلفان ماريشال"، "ماركيز دي ساد"، "روجيه دي ليزلي".

بلغة القوافي كان الإزدهار للدولة العباسية، لمصاهرة الأنساب ما بين العرب والفرس والترك والروم، ليخرج لنا منجزًا شعريًا عظيمًا يحمل في تفاصيله سعة الثقافة والمعاني والأوزان والموسيقى الباطنية في القصيدة الشعرية.

للشعر دور في إعلام الجميع بالقضية الفلسطينية، من خلال شعراء المقاومة الذين وثَّقوا للهوية الفلسيطينة بالقصيدة الشعرية عبر أشعار : "سميح القاسم"، "فدوى طوقان"، "محمود درويش".

بالشعر تحيا الأمم، وتبقى الحضارات وتستمر الأفكار حتى وإن جاءت القوالب الأدبية الجديدة، تنافسه في التواجد بطرح الجوائز المادية المجزية، والتي أعلنت على أن شعر الدنيا الجديدة هو فن الرواية، إلى أن جاء العام 2020 يعلن عن تأرجح تلك المقولة بفوز، الشاعرة الأمريكية "لويز جليك" بجائزة نوبل للآداب مؤكدة على أن الكلمة المفتاحية للفنون الأدبية، وألف باء الأدب هو الشعر.