الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

«ثورة المهاتما».. سر فلسفة غاندي ومفتاحه السحري سعيًا للحرية في الهند

المهاتما غاندي
المهاتما غاندي

في مثل هذا اليوم التاسع من مارس، من العام 1939 قام زعيم الهندي الروحي والسياسي"موهنداس كرُماشند غاندي" بالصوم في بومباي عبر مبدأ "السيتياجراها" أو العصيان المدني الذي إستلهمه من البوذية والجينية عبر كتابه الشيق، المُؤرِّخ لسيرته الذاتية "قصة تجاربي مع الحقيقة" والذي كتبه وقت عمله بجنوب أفريقيا من العام 1893  كمحامي لإحدى الشركات البريطانية، وحتى نجاحه في الحصول على حق تصويت الهنود بالانتخابات المختلفة داخل وخارج الهند في العام 1915 من بين براثن المحتل البريطاني.


(غاندي في جنوب أفريقيا)

يعتبر مبدأ "السيتياجراها" الكامن في عقيدته الخاصة "الأهمسا"، مبدءًا سلميًا يلجأ للصوم والإضراب دون اللجوء للعنف وهو ما بدأه بمزرعته الخاصة بجنوب أفريقيا، والتي حملت اسم ملهمه لتلك الفلسفة المفكر الروسي "ليو تولستوي" عبر قراءته لكتابه الهام الذي صدر في العام 1894 بعنوان "مملكة الرب بداخلك" وقت مراسلته له عبر خطابات البريد، احتجاجًا على معاملة الإنجليز العنصرية للعمال الهنود هناك.


(غاندي يصنع ملابسه بمغزله)

عقب عودة "غاندي" إلى الهند أثناء الحرب العالمية الأولى، أصبح حلمه باستقلال الهند هدفًا رئيسيًا على أثره أسس "حزب المؤتمر الهندي"، وقرر أن يستغنى عن ردائه الأوروبي، مرتديًا مئزره الهندي الشهير معلمًا عبر ثورته الصامتة شعبًا بأكمله، معنى الإنتاج والإبداع بأيديهم من خلال مغزله، وشاته التي تحلب الحليب مستغنيًا عن المحتل بالكامل.


استطاع "المهاتما" وهو اللقب الذي أطلقه عليه، الشاعر والفنان "ربراندنث طاغور" أي "الروح العظيمة"، بحماية فتيات الهند وإنقاذهن من براثن البغاء والفساد، كنصر اجتماعي وإصلاحي إنتشل نصف المجتمع من غيابات الظلام والندم.


في العام 1930، قررت السلطات البريطانية بفرض ضريبة على الملح، طعام الفقراء الهنود مما أدى إلى إعلان "روح الهند العظيمة" بعمل عصيان مدني سمي ب"عصيان داندي" في الثاني عشر من مارس والذي استمر حتى السادس من أبريل بالوصول لداندي منبع الملح، ممسكًا بساعده النحيل بقوة وثقة ملح بلاده، معلنًا عن إرادة أمته في إستخراج طعامها من بين فكي الأسد البريطاني.


أكد "غاندي" على أن الصيام هام للمقاومة، مؤكدًا على أن المقاومة الحقيقية لن تأتي إلا إذا سخر الإنسان صومه في تطهير نفسه الداخلية من أدران الأزمنة، وهو ما يحتاج إلى تدريب وتمرين قوي كي تنجح النفس في الفوز بعفتها المطلوبة.


(كتاب المهاتما غاندي لرومان رولان سنة 1931)

أعلن "غاندي" على أن صومه، لن يكون ضد الإنجليز فقط، بل احتجاجًا على معاملة الهندوس المنبوذين والذين جلب لهم حق التصويت الانتخابي داخل الهند، في العام 1932 عبر صومه الثائر من أجل الحق والخير.

أكد المفكر الكبير "سلامة موسى"، في كتابه "غاندي والحركة الهندية" على أن "غاندي"، يرى في الصوم إلهامًا للنفوس وروحًا للتسامح، كما كان رأيه أن الصوم جهاد لتعميق الوفاق في ظل خطبه التي أخمد فيها الفتن الطائفية والذي كان أخرها في العام 1947 أثناء مشكلة كشمير بين المسلمين والهندوس.


(مسيرة الملح في العام 1930)

استطاع "أبو الأمة الهندية" أن يجعل من صومه، سلاحًا بتارًا في قنص الحرية الهندية من بين براثن الأسد البريطاني، في بيان الاستقلال الرسمي يوم الخامس عشر من أغسطس من العام 1947، ولكنه استقلال منقوص بسبب تقسيم شبه القارة الهندية، إلى "الهند" و"الباكستان" ممتعضًا تلك النقيصة التي حرمته من توحيد صفوف أبناء الهند في وطن واحد.


أثناء اشتباكات المسلمين والهندوس، في كشمير والتي راح جراءها عدد كبير من الضحايا لكلا الطرفين، أعترض "المهاتما" على تلك الدماء المهدرة بالصوم الذي وصلَّه لوزن ثمانية وأربعين كيلو، كاد أن يفقده حياته إلى الأبد.

استسلم أبناء الهند لرغبة أبيهم الروحي، وتم حقن الدماء بين الطرفين ليرجأ يوم الرحيل صومًا ويكون محله الرحيل عبر رصاصات الغدر والخيانة، في يوم الثلاثين من يناير من العام 1948 بفوهات مسدس، الصحفي الهندوسي المتعصب "رانوثان جودس فهينياك" بسبب مؤازرة الزعيم للمسلمين ضد أبناء طائفته عبر رؤيته السامية للحق.


لا زال "غاندي" ملهمًا رئيسيًا ، للمقاومة السلمية وذلك بالاحتفال بمرور قرن ونصف قرن على ميلاده بالأمم المتحدة في 2 أكتوبر من العام 2018، وجعله أيقونة لا تنضب أبدًا لخدمته السامية للبشرية بحمايتها من القتل والسفك تحت مسميات شتى.


(كتاب الثروة القورية للمهاتما غاندي)

استلهم الزعيم والقس "مارتن لوثر كنج جونيور" قس كنيسة أتلانتا بالولايات المتحدة الأمريكية، نفحات "المهاتما" وقت مقاومته للعنصرية التي مورست ضد الأفروأمريكان أثناء "حادثة الحافلة" للمواطنة "روزا باركس" في ديسمبر من العام 1955، مستمرًا في عصيانه حتى يناير من العام 1957 والذي وصَّل الأفروأمريكان للفوز بحق التصويت في الانتخابات المختلفة مرورًا بتولي المناصب الهامة حتى الوصول للمكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في العام 2009.


لقي "مارتن لوثر كنج جونيور" حتفه، عبر فوهات مسدس "جيمس إيرل راي" يوم الرابع من أبريل من العام 1968، وكأن العالم يقتل بفوهات مسدسه من يناشد السلام على خارطته.

كان "غاندي" مصدر إلهام للعديد من الكتاب والمفكرين على مستوى العالم، بصدور العديد من المؤلفات عنه كمصدر إلهام للسلام المفقود على خارطة الدنيا، من هذه المؤلفات : "المهاتما غاندي" للكاتب الفرنسي رومان رولان، "غاندي.. حياته وجهاده" لفتحي رضوان، "غاندي والحركة الهندية" لسلامة موسى، "روح عظيم.. المهاتما غاندي" لعباس محمود العقاد، "غاندي.. مقاتل بلا حروب" لمجدي سلامة، "غاندي : قيادة مميزة" لباسكال آلان نازاريث، "غاندي وتغيير العالم من 1914 إلى 1948" لراشماندا جوها، "حياة غاندي" للويس فيشر.