الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

«الرسالة».. نافذة التفلسف والأدب

الرئيس نيوز

تمر اليوم الذكرى الثمانية والستون على حجب نافذة التفلسف والأدب في مثل هذا اليوم من العام 1953، مجلة "الرسالة" التي أسسها رائد من رواد التنوير في القرن الماضي، "أحمد حسن الزيات" في العام 1933 من أجل النهوض بحركة الفكر والأدب بنشر القصائد، والقصص، والروايات مع عرض السجالات الفكرية بين رواد التنوير كي لا ينضب الفكر على أرض المحروسة.


قامت "الرسالة" بنشر أهم الأشكال والقوالب الأدبية لأساطين الفكر والتنوير مثل: "طه حسين"، "عباس محمود العقاد"، "زكي نجيب محمود"، "مصطفى صادق الرافعي"، "أبو القاسم الشابي"، "محمود شاكر"، "علي طنطاوي"، "أحمد زكي باشا"، "الشيخ مصطفى عبد الرازق".

ساهمت في إحياء تيار الفكر الإسلامي، بعرض ما يخدم الإسلام ويساهم في رفعة شأنه عبر المقال والشعر والخاطرة التي تناجي نفحات العقيدة السامية، إلى جانب إحياء قيم العروبة من خلال توزيعها الملحوظ بالمنطقة العربية وتشجيعها لعرض إبداعات الكُتاب والمفكرين العرب لحماية لغة الكتاب الكريم.

خدم "الزيات" بمجلته المُحكمة الفكر والفن والفلسفة مع عرض فصول لأهم كتب كبار الفكر والإبداع ك"البرج العاجي لتوفيق الحكيم"، "من وحي القلم للرافعي"، "حياة محمد للعقاد"، علاوة على تشجيعها للقوالب الأدبية الجديدة كالشعر الحر والشعر المُنطلق.

تعتبر "الرسالة" مصدرًا توثيقيًا وتأريخيًا للأدب العربي، ومكمنًا للنقد والتفنيد لأهم المنتجات الفكرية مع نقلها لأهم كلاسيكيات الأدب العالمي وإبرازها لأهم المواهب الأدبية ك"مصطفى محمود"، "عائشة عبد الرحمن"، "نعمات أحمد فؤاد".

قال عنها الشاعر الكبير "أحمد العجمي" شعرًا:

حيّ الرسالةَ واقبس من محيّاها ما شئتَ من حسنها أو من حُميّاها

 

رفّت على الشرق أندى من أزاهره كأن من نفَحات الخلد ريّاها                                                

 

وأشرقَت بشعاعِ الفكر ناضرةً تُسبي القلوب وتَجري في حناياها

كلمات منظومة، تؤكد على مصدرها الإشعاعي الذي تسرب لوجدان القراء، وخاصةً المعلمين الذين درسوا مقالاتها كمواضيع إنشاء للطلبة حتى ينهلوا من بيان الأدب العربي ما يرسخ من قوام هويتهم أمام أعاصير التغريب والإستشراق.

لم تكن "الرسالة"، مبهرة المظهر من ناحية الطباعة والتصميم، لكنها براقة في قوامها الأدبي والجوهري بما تقدمه من وجبات أدبية دسمة تصلح للعقل أن يشب عليه شبًا قويمًا.

ظلت كلمات المجلة مشعة كشعاع الضوء النافذ للعيون كي ترى الحقيقة عن كثب، ولكن كما أن بعد كل ليل صبح ،فبعد كل صبح ليل وذلك بإحتجابها عن الإستمرار في يوم الثالث والعشرين من فبراير من العام 1953 وسط بكاء حار من كبار الكتاب على توقف صدورها.

من ضمن دموع الحزن والكآبة، رثاء "العقاد" النثري قائلاً "ولم يكن يدور بخلدي حين كتبتُ هذا أن مجلتين في طليعة مجلاتنا الأدبية تضطران للاحتجاب عن قُرائهما قبل أنقضاء شهرين، فبدأت السنة الحاضرة باحتجاب (الثقافة)، وقد مضى على ظهورها (ست عشرة سنة)، ولم ينقضِ الشهر الثاني من السنة حتى أعلنت زميلتها (الرسالة) أنها تختم أعدادها، وتودع قُراءها، وقد مضى على ظهورها أكثر من عشرين سنة، ولا شك أنهما حادثان سيُذكران من حوادث هذه السنة عند الكتابة عن تاريخ الأدب العربي الحديث".

عقب عشر سنوات من التوقف، عادت "الرسالة" مجددًا في العام 1963 لصاحبها "الزيات" باسم "الرسالة الجديدة"، ولكن لم يُكتب لها الاستمرار أمام تذبذب الثقافة، وظهور ما يسمى بأدب السندويتشات كما قال "توفيق الحكيم"، وطغيان العامية على الفصحى إلى أن توقف النبض القصير عن الحياة إلى الأبد.

ستظل "الرسالة"، حية بيننا كمرجع أصيل للثقافة الأصيلة في زمن الوجبات السريعة، والوسائط الحديثة تقف بشموخ كشموخ معابد وقصور أجدادنا القدماء.