السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

حوار|عصام شيحة: الوفد فقد استقلاله السياسى والمالى.. والعودة لصفوف المعارضة الوطنية هي الحل (1_3)

الرئيس نيوز


- المشهد فى الوفد "ملتبس" واللائحة الأبوية للحزب تركز الصلاحيات فى يد الرئيس


- إن لم يجد القطاع العريض من الشعب  صوته ومشاكله في الوفد فأين يجده؟


- نريد معارضة واضحة تستحوذ على الغاضبين جميعا


- الانتخابات الرئاسية "المبكرة" للحزب ليست حل للأزمة 


- الأزمة الأخيرة سببها رغبة أعضاء الوفد في خوض الانتخابات البرلمانية على القائمة بدون تكلفة سياسية أو مالية


- الفرق بين الوفد والأحزاب الأخرى أنه مارس السلطة ولا يزايد لأنه يضع نفسه مكان صاحب القرار


خلال الأسابيع القليلة الماضية، شهد بيت الأمة أحداثًا دراماتيكية متتالية، هزت أركان الحزب العريق، إذ أعلن رئيس الحزب المستشار بهاء أبو شقة تفاصيل ما وصفه بـ"المؤامرة الكبرى" خلال مؤتمر صحفي تضمن قراره بفصل 8 من قيادات الحزب من بينهم اثنين من النواب البرلمانيين، النائب عبد العليم داود والنائب الهضيبى.
لم يكن ماحدث مؤخرًا سوى فصلًا واحدًا من أزمة مستمرة على مدار ثلاث شهور  تابعها الوسط السياسي بحزب الوفد، وصلت حد استدعاء الأجهزة الأمنية، ووتخللها محاولات لانتزاع قرار من الهيئة العليا بعدم المشاركة ضمن تحالف انتخابى دشنه حزب "مستقبل وطن".

حزب الوفد


وباعتبار أن الوفد أحد أعمدة الحياة الحزبية بما يحمله من تاريخ طويل، لذلك فإن ما يحدث بداخله يحتاج لقراءة متأنية غير منفصلة عن المناخ السياسي العام.. هكذا جاء حوارنا مع القيادي الوفدي عصام شيحة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.. نتحدث معه عن تفاصل المشهد داخل الوفد.. كما يتضمن الحوار رؤية سياسية محملة بـ40 عامًا من الخبرات، هي عمره السياسي منذ أن كان طالبًا في الجامعة، مرورًا بصعوده داخل حزب الوفد، يقول بشكل واضح: "المشهد في الوفد ملتبس إلى حد كبير".

وعن تفاصيل ذلك المشهد الملتبس بدأ حديثه قائلا: 

في السنوات الأخيرة خرجنا من أزمة لأخرى، لكن الأزمة الرئيسية تتمثل في أن لدينا لائحة أبوية وضعت في ظل وجود الراحل فؤاد سراج الدين الذي بحكم خبرته لم يستخدم موادها رغم أنها أعطته حقوق لكنه لم يستخدمها، لكن بعد وفاته  أساء البعض استخدام اللائحة واستنتج منها ما ليس فيها من مواد.

الحزب مر بأزمات منذ انتخاب الراحل الدكتور نعمان جمعة، وأحداث 2006، ثم الدكتور السيد البدوي وأخيرا المستشار بهاء ابو شقة، لكن ظروف الحزب الداخلية الآن أصعب بكثير من ذي قبل.

بالحديث عن تاريخ الوفد نجد أنه مر بأزمات كثيرة.. لماذا تصف ما يمر به الحزب الآن بأنه «الأصعب»؟

لمعرفة السبب علينا معرفة أن فؤاد سراج الدين ترك في خزينة الوفد 54 مليون جنيه، مما خلق نوع من الاستقلال المادي إضافة إلى وجود استقلال سياسي بين الدولة والوفد، وهي الميزات التي انتعش من خلالها الوفد.
بعد ذلك عندما توفي تعمان جمعة ترك 70 مليون جنيها لكن نسبة الاستقلال السياسي تراجعت، أما في عهد محمود أباظة وصلت 92 مليون عبارة عن وديعة إضافة إلى 10 مليون للعمل اليومي، وحافظ على جزء من الاستقلال السياسي وقاد معركتين في منتهي الخطورة: معركة الاصلاح الدستوري، متمثلة في تعديل المادة 76 وقال وقتها عبارة شهير أن هذه المادة "سيئة السمعة وسيئة الصنعة"، نظرا لأن الهدف منها كان التوريث إضافة إلى أن صياغتها كانت فضفاضة حيث وقعت في 450 كلمة.

 أما القضية الثانية فكانت قضية عدم بيع  بنك القاهرة، كما يحسب له أنه قاد لأول مرة تداول سلمي للسطة، على الجانب الآخر هناك أزمات حسبت على أباظة تمثلت مثلا في التمثيل داخل البرلمان والمحليات.

أما الدكتور السيد البدوي، والذي يعد أول رجل أعمال يقود الوفد فقد أنهى مدتيه في الحزب بخسارة الوفد استقلاله السياسي والمالي.. وهذا ما يجعل أزمات الحزب الآن صعبة. 

لكن..  ماذا عن الوضع بعد السيد البدوي؟
الانتخابات الأخيرة والتي كانت بين المهندس حسام الخولي والمستشار بهاء أبو شقة، جاءت بعد تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي، و لأول مرة في الحياة الحزبية في مصر أن رئيس دولة يتدخل لرأب الصدع داخل حزب.
 ما يعني أن القيادة السياسية مدركة الدور الذي يقوم به الوفد، وأنا أتذكر أنني سألت الرئيس: لماذا تتدخل في أزمة الحزب رغم كثرة الأعباء الملقاه على عاتقك؟.. فقال لي أن الوفد قيمة ونحتاجه في الحياة الحزبية.
 حاولنا في هذه الانتخابات لم شمل الوفديين، وانتهت الانتخابات بفوز أبو شقة الذي قدم نفسه على أنه سيعمل على سداد ديون الحزب.

كم المبلغ الذي تركه البدوي في وديعة الحزب؟

بحسب تصريحات المستشار بهاء أبو شقة، البدوي ترك 400 ألف، في حين أن الوفد يحتاج شهريا 1.6 مليون جنيه شهريا، ما يعني أن هناك عجزا من اللحظة الأولى، بالإضافة إلى الديون والتي وصلت إلى 48 مليون كما أعلن رئيس الحزب الحالي.


تناولنا تاريخ الأزمة الطويل.. لكن من وجهة نظرك كيف أثرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة على الحزب داخليا؟
 
أزمة الوفد تأثرت بشكل كبير بالانتخابات، فهناك فريق أخذ قرار منذ البداية بالابتعاد، وبمجرد الشروع في التحضير للقائمة طرحت فكرتين: الأولى مقاطعة الانتخابات، بينما فريق آخر طالب بالمشاركة في الانتخابات، وكان الراغبين في الترشح من خلال القائمة أعداد كبيرة بالمقارنة بالعدد الذي حصل عليه الحزب.

 وبالتالي سعى الجميع إلى خوض الانتخابات من خلال القائمة، وطبيعي حدثت أزمة بسبب زيادة الأعداد التي رغبت في الترشح لأنها كانت ترى أن نسبة النجاح مضمونة.

هل تسبب قرار المشاركة فى التحالف الانتخابى بالقائمة الوطنية بانفجار داخل الوفد؟ 

الانتخابات هي السبب الرئيسي الظاهر، وكان متوقع أن تحدث حالة غضب كبيرة لأن عدد كبير ممن داخلوا القائمة من خارج حزب الوفد، إضافة إلى أن الاختيار كان على المعيار المالي.. فمن يستطع دفع الأموال سيحصل على المقعد.

 وبالتالي لم يتوفر المعيار المالي لعدد كبير من القيادات التي تربت داخل الوفد، أما السبب الثاني كان معيار اختيار رئيس الحزب لأشخاص بذاتها، الأمر الذي أدى إلى زيادة الأزمة، لكن يمكننا القول أن الأزمة الأخيرة سببها رغبة قيادات الوفد في خوض الانتخابات البرلمانية بدون تكلفة سياسية أو مالية.

وجه المستشار أبو شقة اتهامات بمحاولة اختطاف الحزب وأخونته..كيف ترى هذه الاتهامات؟ 

بهاء أبو شقة رجل قانون من الطراز الأول وخبير في القانون الجنائي ويدرك استخدامه للألفاظ وتوجيه التهم، وهو أكد في أكثر من لقاء أن لديه من الأدلة ما يؤكد هذا الاتهام، و لا استطيع أن أجزم أيضًا أنه لايوجد محاولة لأخونة الوفد طالما لا أملك ما يؤكد ذلك.

 لكن أتفهم أن الاخوان يسعوا إلى اختراق جميع الأحزاب، وسبق وحذرنا من هذا الاتجاه، وربما يكون التأخر في إعلان الأمر هو توافر الأدلة التي تؤكد ذلك، وإلا ما كانوا ترشحوا باسم الوفد.

هناك من يدعو إلى انتخابات مبكرة لرئاسة الحزب كنهاية للمشهد المتأزم  

أعتقد أن أزمة الوفد لم تنته بعد، فهناك قطاع مؤيد لقرارات رئيس الحزب والبعض الآخر رافض له، أما فيما يتعلق بالحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة داخل الحزب  فأنا ضد فكرة جبر رئيس منتخب على عدم استكمال مدته بسبب هتاف "ارحل"، هذا ليس له علاقة لا بالديمقراطية ولا العمل الحزبي. 

في ظل الظرف الداخلي للوفد والمناخ السياسي الحالي ما هي فرص الوفد في أن يستعيد استقلاله السياسي والمالي مجددا؟ 

 الوفد لديه مميزات كثيرة أولها أنه يحمل اسما كبيرا على عكس أي حزب أخر غير معروف من يمثله أو برنامجه أو من يموله، كما أن هناك غيرة من الرأي العام على الوفد نظرا لتاريخه المشرف والعظيم.

فالوفد يجب أن يعود بوضوح شديد إلى صفوف المعارضة الوطنية، فالوفد معارض ولكننا نريد معارضة واضحة تستحوذ على الغاضبين جميعا، فالناس متصورة ان المعارضة تتلخص في معارضة النظام فقط ولكن هذا غير صحيح، فأن يكون لديك رؤية وبرنامج صريح وأن تجد الناس الغاضبة لديك متنفس لهم، وأن تعبر عن القطاع العريض من البسطاء يجب أن يكون لديهم صوتا يتحدث نيابة عنه فإن لم يجد هذا الصوت في الوفد فأين يجده، هل يبحث عن الأحزاب حديثة العهد والتي مازالت إلى الأن ليس لديها رؤية أو برنامج .

 فالأحزاب تنشأ أولا حول الفكرة ثم ينضم أصحاب المصالح للفكرة وليس فجأة ينشأ الحزب ثم تأتي الرؤية البرنامج، فأولا الوفد يرجع لتراثه ويمارس بدون خجل معارضة وطنية، ومعروف في النهاية خلفيات الوفديين ومعروف أنهم وطنيين من الطراز الأول، وميزة الوفد أنه يعارض معارضة موضوعية بأسلوب مهذب ويطرح الفكرة ورؤية مقابلة لها ويقول أن تلك صحيحة والأخرى خطأ فيكسب محل الاحترام من الجانبين. 


وما الفرق بين الوفد وأحزاب المعارضة الأخرى؟

الفرق بين الوفد والأحزاب الأخرى أن الوفد مارس السلطة فتجد في خطابه لا يزايد لانه يضع نفسه مكان صاحب القرار، فنعدما يطالب بمطلب يكون مشروع ومقبول وقابل للتنفيذ. 

الوفد لا ينجح ولا يستمر إذا خرج من دائرة المعارضة فميزته أنه لديه تاريخ أكثر من مائة عام بأنه حزب معارض، والناس دائما مقدرة أنها ليست معارضة فجة أو طائشة ولكنها موضوعية وجدية، كما أن الوفد طوال الوقت يطرح نفسه على أنه بديل آمن غير قادر.. عكس الإخوان إذ كانوا يطرحون أنفسهم على أنهم بديل قادم غير آمن فلابد أن نخرج من هذه الثنائية، فالوفد بوطقته واسعة جدا به من أقصى اليمين لأقصى اليسار، وكان الوفد في مرحلة من المراحل لديه حكومة ولجان متخصصة تصدر بيانات وكل أسبوع يأتي خبير أجنبي لبحث رؤية الحزب وهذا معناه أن الحزب مؤثر ونحن في أشد الحاجة إلى عودة الوفد لمكانه الطبيعي، فالوفد من القوى الناعمة داخل الدولة المصرية وهذه إرادة مشتركة من الدولة المصرية أن يكون هناك أحزاب مختلفة تمارس دورها وإرادة من داخل الوفد أن يقدم نفسه كي تسانده الدولة وتدعمه، لذلك يجب أن تكون هناك ثورة إصلاح من داخل الوفد.

يحقق ذلك الميزة الأولى للوفد وهي الاستقلال السياسي.. فماذا عن مشكلة الاستقلال المادي؟

أقطاب الوفد والوفديين عليهم أن يمولوا خزينة الوفد لأن من يتبرعون للوفد يؤثرون في صناعة القرار فإذد دفع أعضاء الوفد الاشتراكات والتبرعات بشكل دائم أعتقد أنهم لن يحتاجوا لمتبرع خارجي . أخيرا نحتاج إلى تعديل قانون الأحزاب السياسية، حاولنا تعديله في أعقاب 2011، والكل يدرك أننا لدينا كم هائل من الأحزاب غير فاعلة، وأغلب دول العالم لديها مئات الأحزاب، لذلك يجب على الدولة أن تدعم ميزانية الحزب وتحفز الأحزاب الأخرى كي ينجح نوابها، لذلك فنحن نحتاج إلى تغيير البيئة السياسية بأكملها. 

هناك تصدع ومشاكل داخلية بالحزب.. فهل من مقبول أن السلطة تتدخل لحل مشاكل الوفد؟ 

هذه القضية مطروحة منذ صدور القانون 40 لسنة 1977 الخاص بالأحزاب السياسية وهناك فكرة مطروحة وهي إيجاد آلية الأزمات داخل الأحزاب، لدينا غياب بكل الأحزاب لهذه الآلية، فنحتاج إلى أن نتفق على آلية عندما نختلف نلجأ إليها دون الإطاحة بالأحزاب المنافسة، ففي مرحلة من المراحل اتفقنا على أن يكون لدينا لجنة استشارية من حكماء الوفد أو الرؤساء السابقين للوفد التي تربت الأجيال الحالية على ايديهم وتعلمت منهم فيسمعوا لهم مع وجود نوع من الحكمة فبعض الأزمات تحتاج إلى أن تهدأ ومثال "إضرب على الحديد وهو ساخن " ليس في السياسة، فنحتاج داخل الوفد أن نفتح حوارا مع بعضنا البعض، ومشكلة الوفد الرئيسية هي بوصلته أو إلى أين يتجه لذا فعليه أن يحدد اتجاهه.

وماذا عن التحركات الداخلية للحزب كي يخرج من الأزمة؟

الوفد يحتاج إلى مصالحة بين كل أبنائه فهناك قطاع كبير من الوفديين والأسر الكبيرة أعمدة الوفد والتي قام عليها الوفد خرجت منه أو على أقل تقدير جمدت نشاطها وهذه هي زخيرة الوفد الفعلية داخل المحافظات والقرى، كما أوجه رسالة إلى كل الأحزاب وليس الوفد فقط أن يخرج من القاهرة فلا يصح أن نظل فقط داخل القصر بشكله المتناسق في وجود الصحفيين والإعلاميين فقط.

اقرأ أيضاً..

لجان حزب الوفد في المحافظات تؤيد قرارات أبوشقة


 نحتاج أيضا إلى لائحة ديمقراطية جديدة، وإلى إدارة حوار موضوعي يبنى على الاحترام وألا يكون هناك خوفا من الكفاءات فمن ينضم للحزب يجب أن يقدم رؤية تكون محل تقدير واحترام وأن ينطلق عمله من خلفية وطنية فلا يكون هناك شكوك من مصادر تمويلة أو في مصلحة من يحدد سياسيته.