في ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة.. حلم يبحث عن أرض صلبة
تمر اليوم الذكرى
الثالثة والستون على قيام الوحدة بين مصر وسوريا، تحت لواء "الجمهورية
العربية المتحدة" والتي أعلن عن قيامها في اليوم الأول من شباط / فبراير من
العام 1958، من خلال قصر القبة بحضور كلاً من الرئيس السوري "شكري
القوتلي"، والرئيس المصري "جمال عبد الناصر" ، ورئيس الوزراء
السوري "صبري العسيلي" ورئيس البرلمان السوري "أكرم
الحوراني"، إلى جانب حضور عدد كبير من الوزراء السوريين.
في يوم الثاني
والعشرين من فبراير من العام 1958، تم الاستفتاء على قيام "الجمهورية العربية
المتحدة" وأختير الرئيس "جمال عبد الناصر" رئيسًا لها والقاهرة
عاصمة للجمهورية الجديدة مع تقسيمها إلى إقليم شمالي "سوريا"، وإقليم
جنوبي "مصر".
زار الرئيس
"جمال عبد الناصر" سوريا واستقبل استقبالاً حافلاً، مؤازرًا حلم
الجماهير عبر خطبه النارية بضرورة قيام الوحدة بين البلدين، لوضع حد للمؤامرات
الإمبريالية التي تحاك ضد المنطقة التي استطاعت أن تقتنص حريتها من بين براثن
المستعمر الغاصب عقب عقود طويلة من حلم الحرية المنتظر.
جاءت الوحدة نتيجة
للطلبات الملحة، من ضباط الجيش السوري في وقت كان فيه قادة حزب البعث العربي
الاشتراكي، يطالبون بعمل اتحاد مع مصر، وهو ما لم يكن متحمسًا له "ناصر"
لرؤيته بدراسة ملف الوحدة لمدة خمس سنوات لاكتشاف نقاط الاتفاق والإختلاف حول حلم
الوحدة المأمول.
أشار الدكتور
"جورج جبور": "أنه في منتصف العام 1954، ومنذ مطلع العام 1955 أبدت
الجماهير السورية اهتمامًا كبيرًا بالثورة المصرية وأهدافها السامية في مقاومة
الأحلاف، اتفاقية القناة، بلورة فكرة القومية العربية لدى قادة ثورة مصر، الضغط
الصهيوني على مصر متمثلاً في الحملة على قطاع غزة في مطلع العام 1955، مؤتمر
باندونج، صفقة الأسلحة التشيكية، الاتجاه الاجتماعي للثورة ومحاربتها الجدية
للإقطاع .. كل هذه الأسباب جعلت الاتجاه نحو قبلة الناصرية مطلبًا حتميًا".
تصاعدت الأحداث في
الأعوام التالية، ما بين تأميم القناة في العام 1956، وحرب العدوان الثلاثي واستعادة
مشهد الاجتماعات السرية بين ضباط الجيش السوري مع ناصر وعامر في العام 1955 من 13
إلى 16 كانون الثاني / يناير، من أجل إعلان الوحدة.
قامت سوريا بحالات
تأهب على الحدود الأردنية وقت قتال الجيش المصري لجيش الدفاع الإسرائيلي بسيناء في
العام 1956، وما حبذ ضرورة الوحدة موقف الإذاعة السورية التي أعلنت من أثيرها وقت انقطاع
البث الإذاعي المصري أثناء العدوان بإعلان مذيعها المخضرم "عبد الهادي
بكار" في ظهر الثاني من نوفمبر"من دمشق .. هنا القاهرة".
عند زيارة
"ناصر" لدمشق التي استقبلته استقبالاً جماهيريًا يوم الرابع والعشرين من
شباط / فبراير من العام 1958، ألقى الزعيم خطابه قائلاً :
السلام عليكم ورحمة الله..
إننى أشعر الآن وأنا بينكم بأسعد لحظة من حياتي، فقد كنت دائمًا أنظر
إلى دمشق وإليكم وإلى سوريا وأترقب اليوم الذي أقابلكم فيه، والنهارده.. النهارده
أزور سوريا قلب العروبة النابض.. سوريا إللي حملت دائمًا راية القومية العربية..
سوريا اللي كانت دائمًا تنادي بالقومية العربية.. سوريا اللي كانت دائمًا تتفاعل
من عميق القلب مع العرب في كل مكان.
واليوم - أيها الإخوة المواطنون - حقق الله هذا الأمل وهذا الترقب
وأنا ألتقي معكم في هذا اليوم الخالد، بعد أن تحققت الجمهورية العربية المتحدة.
من خلال كلمات "ناصر" الحماسية تم وضع دستور تفصيلي مؤقت للبلدين، وتقرر تأليف مجلس
نيابي واحد للبلدين (الإقليمين) وفى السادس من مارس أصدر الرئيس عبدالناصر بدمشق
قراراجمهوريًا بتعيين أربعة نواب لرئيس الجمهورية وهم "عبداللطيف بغدادى"
و"عبدالحكيم عامر" و"أكرم الحورانى" و"صبرى العسيلى"
وتعيين عشرين وزيرًا من الإقليم الجنوبي (مصر) وأربعة عشر وزيرًا من الإقليم الشمالي
(سوريا) ثم قامت اليمن في الثامن من مارس من العام 1958 بتوقيع اتفاق مع الجمهورية
العربية المتحدة يتضمن إقامة اتحاد فيدرالي بين البلدين.
في العام 1960 تم توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة
أيضًا.
واجهت الوحدة العديد من العراقيل الداخلية
والخارجية، وذلك لتعدد الأسباب حول مدى استمرارها من عدمه إلى أن جاءت اللحظة
الحاسمة بوأد حلم الوحدة الوردي، في يوم الثامن والعشرين من سبتمبر من العام 1961
عبر إنقلاب عسكري من الجيش السوري، وإعلان قيام الجمهورية العربية السورية عبر
"مأمون الكزبري"، بينما ظلت مصر محتفظة بإسم "الجمهورية العربية
المتحدة" حتى العام 1971.
من أهم أسباب الانفصال قيام جمال عبدالناصر بتأميم
البنوك الخاصة والمعامل والشركات الصناعية الكبرى والتى كانت مزدهرة من غزل ونسيج
وأسمنت، ونزوح الكثير من العمال المصريين إلى مدن الإقليم الشمالى، واختلال توازن
قوى العمل وغياب التعددية السياسية كما كانت المنطقةالعربية ترزح تحت مؤامرات
عديدة من مختلف الأطراف جعلت الوحدة على غيراستقرار،ويرى البعض أن الانفصال كان
سببًا في نكسةعام 67، لكن آخرين يرون أن الانفصال هو الذي حمى سوريا من خسارة أكبر
إبان تلك الحرب، وعلى الرغم من عدم نجاح تجربة الوحدة، فإن آراء كثير من الباحثين
قد تباينت حول تقييم هذا المشروع.
هناك من وصف التجربة بالنجاح ومنهم من قطع بفشلها،
فبينما رصد الوحدويون المنجزات الاقتصادية ومنها سد الفرات، حماية سوريا من
تهديدات الأحلاف التي كانت تتربص بها، ورأى آخرون أن إلغاء الأحزاب والتأميمات
قصمت ظهر الوحدة.