الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

«جيل السفر إلى النجوم».. كواليس لقاء «هيكل» بالفيلسوف الفرنسي «أندريه مالرو»

الرئيس نيوز

تمر علينا تلك الأيام، ذكرى واحدًا من أيقونات الثقافة والسياسة في مصر والعالم العربي عبر غزوه لوجدان الجميع بمداده المُسجل للحظات الفارقة في تاريخ العالم ،بناءً على صولاته وجولاته العالمية التي سجلها في مختلف الكتب والكراسات السياسية التي تعد شاهدًا مهمًا على قرن بأكمله، اتسم بالسخونة والأحداث الجسام، إنه الكاتب الكبير "محمد حسنين هيكل" عراب الثورة المصرية، والحقبة الناصرية بالأخص نظرًا لالتصاقه الدائم بزعيم الأمة منذ بزوغ ثورة يوليو في العام 1952 وحتى لحظات الرحيل يوم الثامن والعشرين من سبتمبر في العام 1970، شاهدًا على عصر بأكمله يحمل بكل معانيه لحظات الصعود والهبوط، النصر والهزيمة، التحدي والمرونة، الفرح والبكاء حتى آخر نفس من حياة الزعيم سياسيًا وإنسانيًا.

في يوم ميلاد الزعيم في الخامس عشر من يناير من العام 1971، العيد الأول ليوم مولده عقب غيابه الأبدي، أراد عرابه وقت وجوده بباريس أن يوثق له عبر رؤى عالمية، توثق لعالمية زعيم كان ضميرًا حيًا لماهية أمته، فلم يجد أفضل ممن يشاركه في السيرة والرؤى والأسلوب البياني كالفيلسوف والأديب الفرنسي الكبير "أندريه مالرو".

بصراحة

نشر هيكل في مقاله "بصراحة" قصة لقائه بواحد من الشوامخ الذي عبر بمصداقية كبيرة عمن عاشوا المعاناة الفكرية ما بين الحربين العالميتين أدبًا وفكرًا وبحثًا، مستطردًا في مقاله الواصف له قائلاً: "إنه من جيل سافروا بالأحلام مع النجوم وعادوا باليأس المحترق مع الشهب".

كان اللقاء بمطعم "لاسير" بعاصمة النور والجمال، حيث تبادلا الأحلام والآلام، الضحكات والدموع في خضم لقاء القمة العالمي الذي نقب عن حلمي الأمتين المصرية والفرنسية في رحاب "جمال عبد الناصر" و"شارل ديجول".

نسج "هيكل" خيوط حواره مع "مالرو"، بالنقاط المشتركة بينهما، من خلال صداقة "مالرو" بـ"ديجول"كصداقة "هيكل" بـ"ناصر"، مستطردًا معه بداية ونهاية كلاً منهما في سنوات الضحك والدموع.

جاء الحوار على هامش تحول العالم من الرؤية القومية إلى الرؤية الوطنية أو بمعنى أدق "البراجماتية" ما بين ختام الستينات وبداية السبعينات.. أسف "مالرو" لعدم حضوره اللحظة الأخيرة من حياة "ديجول"، وتمنى وجوده في تلك اللحظة كما حضر "هيكل" لحظات "ناصر" الأخيرة.

قصيدة رثاء لناصر وديجول

جاءت كلمات القطبين الكبيرين كقصيدة رثاء منثورة في هيئة حوار توثيقي للأجيال القادمة على عصر إتسم بدعوات القومية العربية والقومية الأوروبية ،لريادة مصر وفرنسا في ما رسمته الأقدار من مفاجآت جسام جمعت بين المكافأة والمؤامرة في نفس الوقت.

هذا ما أكده "مالرو"، قائلاً: "إن كليهما(ناصر وديجول) كان تجسيدًا حيًا لأمته في فترة من الفترات المهمة في تاريخها، وكلاهما استطاع أن يجسد شخصية بلاده في وقت محنة".

وأضاف أيضًا " كلاهما كان طويل القامة معنويًا، بحيث كان قادرًا على الارتفاع فوق الصراعات ليكون حكمًا فيها، وكلاهما كان لديه حلم شبه مستحيل، ديجول وحلم الوحدة الأوروبية، وعبدالناصر وحلم الوحدة العربية..الأزمة في حلم الوحدة لديهما أن أسبابها موجودة ولكن تنفيذها صعب".

ووضح "مالرو" السبب في عدم اكتمال حلمهما قائلاً: "كان الاختيار لديجول يقع ما بين أمريكا وروسيا، فاختار فرنسا، وكذلك ناصر الذي اختار بدوره مصر".

قصد هنا "مالرو" ما حدث للزعيمين الكبيرين اللذان إلتف حولهما الأمتين ،في وقت المحنة حيث رحلة البحث عن الهوية الوطنية في خضم الهيمنة الإمبريالية ،وذلك بمؤامرة حركة تمرد شباب فرنسا الذي جعل "ديجول" يستقيل من منصبه عقب استفتاء شعبي في العام 1969 ،وكذلك "ناصر" الذي واجه أفول بريق حلمه وقت هزيمة حرب الأيام الست في العام 1967.

من هنا كانت النهاية الحتمية بمعانقة الموت للزعيمين الكبيرين في سبتمبر ونوفمبر من العام 1970، وهو ما أكده "جوزيف ستالين" الزعيم السوفيتي لـ"ديجول"، قائلاً: "ياصديقي الجنرال مهما فعلنا فإن الموت هو المنتصر الأعظم في النهاية".