الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

عمرو غلاب يكتب: الحكومة.. وسياسة «اللى فات مات»

الرئيس نيوز

نعانى من سنوات طويلة من تضخم حجم الاقتصاد غير الرسمي، ويكفى أن نعرف أنه مصر بها 2 مليون منشأة اقتصادية "غير رسمية" تمثل نحو 53% من عدد المنشآت الاقتصادية في مصر، ويعمل بها 4 مليون مشتغل، وتصل حجم استثماراتها مجتمعة إلى 69 مليار جنيه، وفق أحدث بيانات التعداد الاقتصادى الذى نفذه جهاز الإحصاء، لندرك بشكل أكثر قربا مدى ضخامة ظاهرة "الاقتصاد الموازى" الذى يحتاج إلى فكر مختلف تماما في التعامل معه.

سعينا بكل جهد خلال الفصل التشريعى الأول، أن ننتهى من أحد أهم التشريعات التي تمثل حجر الزاوية في جهود تقليص هذه الظاهرة، وهو قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، فمن الصعب القول بأن القانون سينهى هذه الظاهرة وإن كان على الأقل سيسهم في تقليصها، بما يتيحه هذا القانون من حوافز ضريبية وغير ضريبية لضم الاقتصاد غير الرسمي والعمل بسياسة "اللى فات مات"، وهو التعبير الذى استخدمه وزير المالية في شرح مزايا هذا القانون.. ولكن هل تكفى سياسة "اللى فات مات" و"احنا ولاد انهاردة" في جذب قطاع عريض من العاملين بالاقتصاد غير الرسمي إلى المنظومة الرسمية؟

حتى نكون منطقيين، فهناك الكثير من التشريعات البراقة والنصوص التي لا يشق لها غبار، ولكن لم تحقق أهدافها المنشودة، لأن كلمة السر في نجاح أي سياسة هي "التطبيق السليم"، فلا يكفى أبدا إصدار القوانين ولكن كيف نضمن سلامة التطبيق وتطبيق الحوافز المذكورة بشكل يحقق الهدف.

الأهم من ذلك هو أن ندرك أن الضرائب ليست هي المشكلة الرئيسية للعاملين في القطاع غير الرسمي، وبالتالي حل هذه المشكلة وحده لا يكفى، فهو بالأساس لا يدفع ضرائب، فحتى يقتنع أن يعمل في النور ويصبح أحد دافعى الضرائب، يجب أن يجد في هذا القانون ما يقنعه بذلك، وفى الواقع فإن قدرته على النمو والتوسع هي مدخل هام لإقناع النشاط غير الرسمي بالدخول في الاقتصاد الرسمي عن رغبة وليس إكراها، ولو إن ترك قطاع عريض من الاقتصاد غير الرسمي يعمل دون محاسبة هو أمر يثبت خطورته على أمن المواطن وسلامته يوما عن يوم، وربما لا نحتاج للتدليل على ذلك بأكثر من الإشارة إلى حريق عمارة فيصل بسبب مصنع ومخزن غير رسميين.

وعند الحديث عن النمو والتوسع، فهذا لا يقتصر فقط على توفير التمويل البنكى، ولكن أيضا العديد من أنواع التمويل التي تناسب كل نشاط على حدة والتي توفرها آليات التمويل التي سعى البرلمان لإقرار التشريعات الخاصة بها مثل التخصيم والتأجير التمويلى، والتمويل متناهى الصغر، وإذا تحدثنا عن الحوافز التي يقرها قانون المشروعات الصغيرة، فهى عديدة ومنها رد قيمة توصيل المرافق إلى الأرض المخصصة للمشروع أو جزء منها، وتحمل الدولة لجزء من تكلفة التدريب الفني للعاملين، وتخصيص أراض بالمجان أو بمقابل رمزى، كلها حوافز للمشروعات الصغيرة ومشروعات الاقتصاد غير الرسمي التي توفق أوضاعها، بل ويمكن من خلال هذا القانون وضع برامج حوافز نقدية لهذا المشروعات تخصص من الموازنة العامة بما لا يجاوز 0.3% من الناتج المحلى الإجمالى وبحد أدنى 1.5 مليار جنيه سنويا، وجميعها حوافز جاذبة لهذا القطاع.

ولكن هناك مشكلة أخرى لا تؤرق فقط المشروعات الصغيرة ولكن في الواقع تواجه كل من يرغب في بدء نشاط اقتصادى جديد في الأغلب، فلا تتوفر له المعلومات الكافية حول كيفية بدء النشاط بشكل رسمي، وكيفية الحصول على التراخيص اللازمة، وتكلفة هذه التراخيص – ومنها الكثير من الأموال التي تدفع "تحت الترابيزة" – وبالتالي يجد صاحب المشروع نفسه أمام متاهة لا يدرى من أين تبدأ وأين تنتهى ليصل إلى الحل الأمثل بالنسبة له وهو بدء العمل بصورة غير رسمية لنضيف المزيد من منشآت الاقتصاد غير الرسمي.

الحل هنا توفير كل المعلومات التي يحتاجها أصحاب المشروعات الصغيرة ورواد الأعمال بطريقة تسهل عليه "الجرى في المصالح الحكومية"، وإعلان كافة هذه الخطوات وتكلفة كل خطوة بصورة بالغة الشفافية، وإمكانية إتمام الإجراءات بصورة اليكترونية للحد من الفساد، وفى المقابل تشديد الرقابة على الاقتصاد غير الرسمي، ومع كافة الحوافز التي يوفرها القانون الجديد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة مع "التطبيق السليم"، سيكون الاختيار الأفضل هو العمل في نطاق المنظومة الرسمية.. وهنا يتحقق الهدف.

* رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب سابقا