الثلاثاء 16 أبريل 2024 الموافق 07 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

«الخروج من المأزق».. «كورونا» يضرب حسابات الحكومة 2020

الرئيس نيوز


- وزير المالية لـ"الرئيس نيوز" : الوباء كان فرصة لاثبات قوة اقتصادنا أمام العالم


- 300 مليار جنيه خسائر مصر من الجائحة.. والسياحة في مقدمة المتضررين


- تخارج المستثمرين وهبوط معدلات النمو الأبرز.. وإجراءات المركزي تخفف من وطأة الأزمة


"تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن".. ربما تكون العبارة السابقة أصدق مثال على واقع الاقتصاد المصري خلال 2020، فمع بداية العام شهد الاقتصاد مع بداية العام انطلاقة كبيرة، إلا أن الإغلاق الذي فرضه فيروس كورونا في دول العالم والإجراءات الاحترازية والوقائية التى نفذتها مصر، احبطت الأمال الكبيرة المعقودة على تعافي الاقتصاد.

في بداية العام أنطلق الاقتصاد المصري مدعو بسعر فائدة مغري، ومرونة حكومية لجذب الاستثمارات وتشريعات تنسف عصر البيروقراطية وإعاقة الاستثمار، وجاءت المستهدفات الحكومية مبشرة بمعدل نمو يتجاوز الـ6% ومؤشرات إنتاج وإيرادات مدفوعة بتوقعات النمو المطرد للنشاط السياحي حقق في 2019 إيرادات قاربت الـ 12 مليار دولار للمرة الأولى منذ عام 2010.

حالة الهلع التي أصابت العالم من جراء انتشار فيروس كورونا قبل أن يتحول لجائحة فرضت وجها آخر واستعدادا كان أقسى ما تلقاه الاقتصاد المصري الذي كافح سنوات طويلة حتى وضع قدمه على طريق الإصلاح الحقيقي مع بدأ القطاعات في التعافى والمؤشرات تدب بها الحياة، جاء الإغلاق وتكبدت عدد من القطاعات خسائر.

"الرئيس نيوز" يستعرض أبرز المطبات التي عرقلت نمو للاقتصاد المصري:

تراجع الإيرادات السياحية

أكبر خسارة تلقاها الاقتصاد المصري عندما فرضت الدول الإغلاق الجزئي ثم التام، كانت في قطاع السياحة، حيث هوت إيرادات القطاع واصبح عبئا على الحكومة، التى وجهت خطة لانقاذ الاقتصاد بقيمة 100مليار جنيه في مواجهة الجائحة.

وأصدرت الحكومة عدة قرارات بإرجاء الضريبة العقارية على الفنادق وقروض مضمونة من الحكومة بقيمة 3مليارات جنيه لسداد مرتبات العاملين في القطاع، وتم مدها مرتين تقريبا ولا تزال تعمل حتى الآن رغم عودة النشاط السياحي على استحياء.

توقع تقرير حكومي أن تتقلص إيرادات النشاط السياحي إلى 3مليارات دولار فقط خلال العام الجاري، مقابل 12مليار دولار كانت متوقعة قبل بدء أزمة كورونا.

ووصف الخبير الاقتصادي إيهاب سمرة القطاع السياحي بأنه "مش صاحب صاحبه"ـ ففي أزمة لا يكون داعما للاقتصاد.

الاحتياطي النقدي

نجحت مصر على مدار سنوات في بناء احتياطي نقدي قوي من جراء برنامج إصلاح اقتصادي تم تنفيذه خلال 3 سنوات ليسجل نحو 46 مليار دولار إلا أن حالة الهلع التي أصابت مستثمري العالم، دفعت المستثمرين الاجانب للتخارج بصورة مكثفة خلال شهرى مارس وابريل بنحو 17مليار دولار، مول البنك المركزي منها 8 مليارات دولار خصما من الاحتياطي وتحملت البنوك المصرية باق القيمة.

مع حلول شهر يونيو، اتخذت مصر عدة إجراءات لحماية احتياطاتها النقدية من خلال طرح سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار، والحصول على قرض سريع من صندوق النقد الدولى لتأمين الاحتياجات الخاصة بمواجهة الوباء حتى عاود الاحتياطي النقدي الارتفاع مجددا محققا حتى الآن 39 مليار دولار.

هبوط معدلات النمو 

تسبب فيروس كورونا في تأرجح معدلات النمو بسبب اختلال توازن القطاعات الاقتصادية، فمن توقعات بتجاوز 6% معدل نمو هبط معدل النمو العام المالي المنتهي عند 3.6% ، وتتوقع الحكومة أقل من 4% للعام المالي الحالي.

وأظهر تقرير الأداء المالي لوزارة المالية أن قطاعات النمو اصبحت أكثر تنوعا واستدامة، مدفوعة بالأداء الإيجابي للاستهلاك والصادرات، حيث ارتفعت مساهمة نمو قطاع الخدمات الاجتماعية خاصة الأنشطة العقارية والحكومة العامة، يليه تنامي قطاع الخدمات الإنتاجية، خاصة تجارة الجملة والتجزئة والاتصالات والنقل والتخزين، وتنامى القطاع السلعى خاصة قطاع الزراعة، وتنامي الصناعات التحويلية المتمثلة في تكرير البترول والتشييد والبناء كأهم المحركات للنمو.

أدى النمو في بعض القطاعات إلى خلق العديد من فرص العمل، حيث انخفض معدل البطالة إلى 7.7 % فى الربع الاول من عام 2020.

الدين العام 

أدت زيادة الالتزامات المالية وتقلص الايرادات العامة خاصة الضريبية إلى تزايد الدين العام، حيث توقعت وزارة المالية أن يسجل الدين العام 5.7 تريليون جنيه بنهاية العام المالي الحالي، كما تسبب حصول مصر على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي في تجاوز الدين الخارجي 112مليار دولار.

الدكتور محمد معيط وزير المالية أكد في تصريحات خاصة لـ" الرئيس نيوز" أن خسائر كورونا على الاقتصاد تجاوزت الـ300مليار جنيه بسبب تراجع الإيرادات الضريبية وتكلفة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لحماية الاقتصاد والقطاعات المتضررة من تأثيرات الجائحة.

العمالة المصرية في الخارج
 
يعد أهم اهم المطبات التي تعرض لها الاقتصاد المصري عودة اعداد كبيرة من المصريين العاملين في الخارج، وهو ما دفع الحكومة لصرف منحة العمالة غير المنتظمة بواقع 500جنيه شهريا، وعلى الرغم من ذلك كشف تقرير البنك المركزي زيادة قيمة التحويلات من المصريين بالخارج بنسبة 10% بنهاية شهر يونيو الماضى مقارنة بالفترة المناظرة من العام المالي الماضي.

فرصة الخروج إلى العالمية

على الرغم من الأثار اللحظية للجائحة الأ أن فيروس كورونا أثبت قدرة الاقتصاد المصري على امتصاص الأزمات، بحسب ما أكده وزير المالية لـ" الرئيس نيوز"، قائلا إن الأزمة لا تخص مصر وحدها، حيث أثرت على اقتصادات أكبر من مصر وهو ما يمنحنا فرصة لإثبات قوة اقتصادنا، مشيرا إلى أن الأزمة انتهت وما تبقى حاليا هو أثارها ولكن المؤسسات الدولية تثق في قوة الاقتصاد المصري.

مؤشرات إيجابية 

على الرغم من كافة العقبات التي حملها "عام كورونا"، إلا أن الاقتصاد المصري نجح في تسجيل ثاني أعلى معدل نمو اقتصادى في العالم بنسبة ٣,٦٪، وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولى، وخفض معدلات الدين للناتج المحلي من ١٠٨٪ في العام المالى ٢٠١٦/ ٢٠١٧، إلى  ٨٨٪ بنهاية يونيو ٢٠٢٠، وتحقيق فائض أولى ١,٨٪ فى العام المالى الماضى، بينما تضاعفت فى الدول الناشئة الأخرى وغيرها معدلات الدين والعجز وجاء نموها بالسالب.
وقالت مؤسسة «جي. بي. مورجان»، أن مصر تُعد الدولة الوحيدة بالشرق الأوسط وأفريقيا التى اختتمت بنجاح الدورة السنوية لمراجعة التصنيف الائتمانى واحتفظت بثقة جميع مؤسسات التقييم العالمية الثلاثة: «ستاندرد آند بورز» و«موديز» و«فيتش» خلال فترة من أصعب الفترات التى شهدها الاقتصاد العالمى، حيث تم تثبيت التقييم السيادي والتصنيف الائتماني لمصر مع نظرة مستقبلية مستقرة، موضحًا أن مؤسسة «ستاندرد آند بورز» في تقريرها الأخير أبقت للمرة الثانية خلال ٦ أشهر في عام ٢٠٢٠ على التصنيف الائتماني لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية عند مستوى «B» مع نظرة مستقبلية مستقرة للاقتصاد المصرى.

تحسن أداء الاقتصاد

الإشادات الدولية، باستمرار تحسن أداء الاقتصاد المصرى، تفتح آفاقًا رحبة لجذب الاستثمارات الأجنبية بمصر، بما في ذلك «محافظ الأوراق المالية» التي حظيت بإقبال متزايد من المستثمرين الأجانب، وسجلت شهادة ثقة عالمية جديدة، حيث أصبحت مصر الأكثر جذبًا لتدفقات «محافظ الأوراق المالية» بالأسواق الناشئة خلال عام ٢٠٢٠، واحتلت، بحسب تقرير «دويتشه»، خامس أكبر تمركز للأجانب، وثالث أكبر تراجع في أسعار الفائدة، لافتًا إلى أن المؤشرات الجديدة التي تضمنها تقرير بنك «دويتشه» تعكس نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي في تهيئة بيئة أداء الأعمال، ورفع كفاءة المالية العامة للدولة، وخفض معدلات الدين والعجز والتضخم، وتحسين أداء الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية.

وتحسن ثقة القطاع الخاص فى الأداء الاقتصادى؛ ليسجل المؤشر العام ٥٠,٩ نقطة؛ ليظل أعلى من المستوى المحايد - المحدد بـ ٥٠ نقطة وهو الحد الفاصل بين النمو والانكماش فى هذا المؤشر - للشهر الثالث على التوالى، مما يشير إلى تعافى الأداء الاقتصادى للقطاع الخاص بمصر.

وأكد  حسن حسين رئيس لجنة البنوك والبورصة بجمعية رجال الأعمال والخبير المالي، أن السياسات والمبادرات الحكومية والإجراءات التنفيذية التي أتخذتها الحكومة المصرية أدت إلى تغيير جذري لمناخ الاستثمار بمصر ليكون مناخ أكثر جاذبية في الحاضر والمستقبل، خاصة في ظل تعاونها مع المؤسسات الدولية، وصدور تقارير وكالات التصنيف الائتماني التي أثبتت قوة الاقتصاد المصري.

وأضاف أن الحكومة عملت على ثلاثة محاور، أولها زيادة الاستثمار المحلي، وثانيها زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، وثالثها زيادة الاستثمار في السندات المصرية، والتي أكدت أيضًا على جهود الحكومة وخططها التي ساهمت في تكوين حائط صد أمام وباء كورونا وتوفير الأموال اللازمة لاستمرار الشركات والإنتاج، والإبقاء على معدل نمو  إيجابي، وحماية المواطن والحفاظ على ثروة الوطن.

القطاع الخاص وسعر الفائدة

أوضح حسين أن زيادة الاستثمار المحلي جاءت بتخفيض سعر الفائدة الذي مثل دفعة كبيرة للاستثمار، بتخفيض تكلفة الاقتراض، حيث تم تخفيض جذري وضخم لأسعار الفائدة من ذروة الارتفاع في 9 يوليو 2017 بنسبة 19.75% إلى الواقع اليوم 9.25% وهذا التخفيض الكبير يتضمن تخفيض 4% في 2020 على ثلاثة مرات المرة الأولى هي أكبر تخفيض لسعر فائدة دفعة واحدة بنسبة 3% ثم خفضين متواليين على مدار الشهرين الماضيين. 

ويري أن البنك المركزي غير من السياسة الانكماشية التي كان يطبقها عند التوقيع مع صندوق النقد الدولي في أواخر 2016 إلى سياسة توسعية، وأدى هذا التخفيض وتفهم السوق لتغيير سياسة المركزي إلى دفعة كبيرة للاستثمار، وبداية موجة من تأسيس الشركات الجديدة في النشاط المالي غير المصرفي مثل التأجير التمويلي، التخصيم، التمويل متناهي الصغر وكذلك إلى توسع الشركات القائمة بعد هبوط أسعار الفائدة، كما أدى التخفيض في أسعار الفائدة بالإضافة إلى التخفيض الجذري في التضخم في أن تصبح أسعار الفائدة الحقيقية  إيجابية بحوالي 4 %. 

انخفاض الدولار يدعم الاستثمارات
 
وأشار حسين إلى السيطرة علي سعر الصرف وانخفاض سعر الدولار من 18.1 جنيه في يونيو 2017 إلى 15.56 في فبراير 2020 ما أعطى ثقة كبيرة للمستثمرين المحليين والدوليين على استقرار سوق الصرف في البنوك وتوفير المرونة في التحويل إلى خارج مصر مما أدى إلى التوسع في الاستثمار، وهو ما نتج عنه حصول مصر على B2 مع نظرة مستقبلية مستقرة من موديز وكذلك علي B+ مع نظرة مستقبلية مستقرة من فيتش.
وأوضح أن من أهم عوامل استقرار السياسات المالية والنقدية والاستثمار المحلي والأجنبي توقيع مصر مع صندوق النقد الدولي عقب بدء كورونا مباشرة اتفاقية جديدة بالاشتراك بين صندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية، والتي كنت أول من طالب بها الدولة لأنها غير مشروطة ولأغراض إنسانية واقتصادية مرتبطة بالمواطن المصري والدولة.