الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

د. سليمان المزيني يكتب: علاقة ليبيا بالأمم المتحدة.. والمطلوب من البمعوث الجديد

الرئيس نيوز

تعود العلاقة التاريخية بين الأمم المتحدة و ليبيا إلى مرحلة ما بعد الاستعمار في هذا البلد العربي الإفريقي، إلى نهاية الأربعينيات عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم 289 في21 نوفمبر عام 1949، الذي يقضي باستقلال ليبيا في غضون عام.

عين المسؤول الدنماركي "أدريان بيلت" في ذلك الوقت كمفوض أممي لتنفيذ القرار المشار إليه، وفي 24 ديسمبر عام 1951، تم إعلان استقلال كدولة مستقلة ذات سيادة، ومن ثم أصبحت عضو في الأمم المتحدة. 

وإذا كانت الأمم المتحدة قد أدت هذا الدور الفاعل في هذه المرحلة التاريخية من عمر ليبيا، فإننا نجد تواجدها مرة ثانية بقوة منذ بداية ثورة 17فبراير المجيدة، التي أسقطت نظام القذافي المستبد حيث تدخلت الأمم المتحدة وأصدرت القرارين 1970 و1973 الأول يقضي بتجميد أرصدة الدولة الليبية، حتى لا يستغلها القذافي في القضاء علي الثورة، والثاني يقضي بالتدخل لحماية المدنيين من بطشه وأجهزته القمعية الأمنية.

ومع تعقد الأوضاع السياسية في ليبيا بعد نجاح الثورة وبروز تيار الإخوان والمجموعات الإرهابية في المشهد السياسي الليبي وتلك المجموعات التي أرادت التحكم في مفاصل الدولة الليبية الجديدة؛ بدأت هذه المجموعات بالتدخل في مواجهة صراع مع القوى الوطنية الليبية، التي رفضت وجود هذه المجموعات في قيادة مؤسسات الدولة الليبية.

من هنا تحولت ليبيا إلى صومال جديد، ودخلت البلاد في حروب أهلية طويلة، ولهذا بعثت الأمم المتحدة سبعة مبعوثين إلى ليبيا من طارق متري اللبناني وما قبله إلى برنالدين ليون الإسباني إلى كوبلر الألماني، ومنه إلى غسان سلامه اللبناني.

كل هؤلاء المبعوثين الأممين فشلوا في حل الأزمة الليبية، رغم ما قام  به هؤلاء من جهود  ومحاولات من أجل  إيجاد تسوية الأزمة في محاولات تمثلت في إجراء  العديد والعديد من اللقاءات بين الأطراف الليبية المتنازعة، وآخرها كانت اتفاق الصخيرات سنة 2015 الذي من أهم نتائجه ظهور  للوجود جسم سياسي جديد، تمثل في المجلس الرئاسي؛ الذي هيمن عليه الإخوان منذ البداية  وما يسمى بحكومة الوفاق التي زادت من تعقيد الأوضاع السياسية في البلاد وبعد ذلك مؤتمر برلين وتونس وطنجة وإلخ.

إن استمرار الأزمة في ليبيا وعدم الوصول إلى حل لها يعود إلى أن مجموعات الإسلام السياسي والدول الداعمة لها إقليميًا والمتمثلة في قطر وتركيا هي من أرادت إفشال المساعي الإقليمية و الدولية لحل القضية الليبية، حتى تضمن استمرار ما يسمي بحكومة الوفاق في نهب واستنزاف ثروات الشعب من بترول وأموال واستثمارات في كثير من دول العالم.

خلفت السيدة ستيفاني مبعوثة الأمين العام بالإنابة في ليبيا السيد غسان سلامة - الذي قدم استقالته نتيجة  لدواعي صحية - في قيادة بعثة الأمم المتحدة لفترة مؤقتة، و قامت بأعمال وأنشطة مملموسة متمثلة في الضغط على أطراف النزاع لتنفيذ بعض التوافقات التي تم الاتفاق عليها في الحوارات والنقاشات السابقة مثل اجتماعات لجنة "خمسة + خمسة" العسكرية؛ التي توصلت إلى اتخاذ قرار وقف إطلاق النار وكذلك تأسيس كتلة الــ"75" التي أصبحت تشارك بقوة في الحوار .

كما توصلت ستيفاني  إلى اتخاذ خطوات متقدمة لتسوية الخلافات بين الأطراف الليبية المتنازعة، من خلال وضع خارطة طريق تبنتها كافة الأطراف الليبية.

والآن، عينت الأمم المتحدة السيد نيكولاي ملادينوف لخلافة سلامة في قيادة البعثة في ليبيا، والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع هذا ينجح المبعوث الجديد والدبلوماسي المخضرم والذي يمتلك خبرة لا بأس بها حول الشرق الاوسط إذ سبق له العمل في ملف السلام في المنطقة، وهل يتمكن من استكمال بقية العمل والمساعي التي قام بها المبعوثين السابقين إلى ليبيا؟

الإجابة على السؤال يمكن القول أن المبعوث الأممي الجديد في ليبيا بكل تكأيد سوف يواجه الكثير من العقبات والمشاكل التي تعرقل المشهد السياسي الليبي والتي من بينها التدخلات الخارجية التي لا تريد أن تنهض وتستقر وتعود لها ماكنتها الإقليمية والدولية؛ لأن هذه الدول تريد أن تستفيد من استمرار حالة الفوضى والصراع في ليبيا من اجل استمرار المحافظة علي مصالحها في ظل هذه الظروف، لأنها هي من تقوم  ببيع الأسلحة والمعدات العسكرية المجموعات الارهابية  والميليشات الخارجة عن القانون في ليبيا، بالإضافة إلى جلب المرتزقة إلى ليبيا.

وعليه فان هذه الدول وعلى رأسها قطر وتركيا سوف تستمر في عرقلة أي  عملية يقوم بها المبعوث الجديد  لتسوية الأزمة الليبية، ومن هنا فإن على "ملادينوف" أن يحاول الحصول على دعم الدول الفاعلة دوليًا والمعنية بالأزمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول الاتحاد الأوربي مثل فرنسا وإيطاليا والمانيا التي من مصالحها أن تستقر الأوضاع في ليبيا.

كما أن هذه الدول قادرة على إيقاف التدخل التركي والقطري في الأزمة الليبية، كما أن السيد نيكولاي عليه أيضا الاستعانة بدول الجوار ليبيا ومن اهمها مصر والجزائر واشراكها في دعم عملية التوافق بين الاطراف الليبية والحصول اايضا علي مساعدة الامم المتحدة في ايقاف الانتهاك التركي الواضح للسيادة الليبية وفضح كل الاعمال العدائية التي تقوم بها تركيا.

كما أن "ملادينوف" مطالب بدعم باقي الخطوات التي قامت بها "ستيفاني"، والتي أوصلت الاطراف المتنازعة إلى توافقات من شأنها أنهاء أغلب الخلافات بين تلك الأطراف، وأعتقد أن هذه الخطوات المهمة سوف تساعد السيد المبعوث الجديد في تسوية الأزمة الليبية، في أقرب وقت.

 *رئيس اللجنة التسيرية لتكتل المجتمع الديمقراطي الليبي.