الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

د.مختار غباشي: الموقف المصري من سد النهضة لابد يكون حادًا.. والرهان على القوى الدولية خاسر (حوار)

د.مختار غباشي
د.مختار غباشي



-المياه بالنسبة لمصر حياة أو موت ولن تقدم أي تنازلات من شأنها التأثير على الأمن القومي المائي

-الجانب الإثيوبي لا يأخذ في الاعتبار المخاوف المصرية والسودانية

-الضغوط العربية على إثيوبيا للانصياع للمطالب المصرية مشكوك فيها

-الموقف السوداني متأرجح طوال المفاوضات.. وعليه أن يدرك أن مصالحه بالوقف مع مصر

-القضية المصرية عادلة ولن تحدث شرخا في علاقتها بالاتحاد الإفريقي


طوال السنوات الماضية، شكلت مفاوضات سد النهضة، أحد الملفات الساخنة بالنسبة للخارجية المصرية، خصوصًا أنها تتزامن مع تحديات كبرى بالنسبة لمصر على الاتجاهات المختلفة، ومع المماطلة الإثيوبية في التفاوض لإقرار اتفاق ملزم بالحصة المصرية في نهر النيل، تظل الأزمة ممتدة، والأسئلة مستمرة حول جدوى المفاوضات.. وسيناريوهات الحل في مواجهة التعنت الإثيوبي.  
   
«الرئيس نيوز» يحاور الدكتور مختار غباشي، نائب مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، للتعرف أكثر على طبيعة مفاوضات سد النهضة، الممتدة لسنوات، وتأثير الرهان على المجتمع الدولي، والموقف السوداني، إضافة لتأثير الأزمة على العلاقات المصرية الإفريقية، إذ أكد أن الدولة المصرية بحجمها الكبير كقوى كبرى في المنطقة، من الصعب عليها أن تساير ما يقوم به الجانب الإثيوبي، من مماطلة وتعنت لوقت طويل،  مشيرًا إلى أن الضرر سيكون كبيرًا وسط عدم التزام إثيوبيا.

وأوضح غباشي أن الموقف الموقف السوداني من سد النهضة متأرجح، لافتًا إلى أن ذلك يرجع إلى أن الضرر الواقع على مصر أكبر بكثير من السودان، باعتبارها المصب الأخير، مشدداً على أن إصرار مصر في الحفاظ على حقوقها التاريخية واضح. 

وإلى نص الحوار:

طوال السنوات الماضية.. كيف أدار الجانب المصري مفاوضات سد النهضة؟

من وجهة نظري أن إدارة المفاوضات مع الجانب الإثيوبي كانت دائمًا ملتبسة بطريقة التسويف التي أخذها الجانب الإثيوبي، وكان هدفه من هذه المفاوضات في النهاية أن يصل إلى مرحلة اكتمال البناء وفق مخطط هيكلي موضوع من طرفه.
 كما كان يقوم وفق ما أكده مسؤولين مصريين بتقديم خرائط لسد النهضة.. ثم يجدوا بعد ذلك أن المنشآت على أرض الواقع منافية تمامًا لما تم تقديمه في المفاوضات.
والمفاوض المصري ساير الجانب الإثيوبي من خلال هذه المفاوضات من دون أن يدرك أن الجانب الإثيوبي لا يستجيب لمطالبه المشروعة، فيما يتعلق بالمخطط الهيكلي، وطريقة ملء الخزان وسنوات الملء.

كما تم مسايرة الجانب الإثيوبي في كثير من أطر التفاوض التي كان يحقق منها الغرض، ولا يعطي الجانب المصري أي شيء، حتى وصلنا لما نحن عليه الآن باكتمال البناء، ووصلنا إلى المحطة التي نتفاوض فيها مع الجانب الإثيوبي حول سنوات ملء الخزان أو المشاركة في تشغيل السد أو ضمان المياه في فترة الجفاف والجفاف الممتد، وهو ما يعتبره الجانب الإثيوبي مسألة خاصة، حتى أنه أكد على لسان مسؤوليه هذا السد على أرضه وأن المياه ملكه، ويقوم بممارسة سلطانه من دون أية اعتبارات للحقوق التاريخية لمصر، باعتبارها دولة مصب على مدار سنوات وعقود طويلة، وهنا نستشعر أن المفاوضات وصلت على الأقل إلى محطة معلقة، دون معرفة القادم من خلال إدارة الجانب المصري والسودان والإثيوبي لهذه المفاوضات.

أمام ذلك التعنت الإثيوبي.. هل من الممكن أن تقدم مصر تنازلات؟

الجانب الإثيوبي أدار المفاوضات، وليس لديه أي تغيير في المخطط الهيكلي للسد أو الفتحات الموجودة أسفل السد، وهو ما وصل بالجانب المصري إلى مرحلة التفاوض من أجل ضمان وصول الـ"55" مليار متر مكعب وفق اتفاق 1959، وهي مسألة لن تكون مضمونة بنسبة 100%، إذ سيكون هناك نسبة خسارة في المياه غير معلوم نسبتها بدقة.

أعتقد وفق التصريحات الرسمية أن مسألة المياه هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للجانب المصري، لذا سيكون من الصعب تقديم أي تنازلات ترتقي إلى خطورة التأثير على الأمن القومي المصري المائي، والتأثير على الشعب.

والموقف المصري لابد أن يحمل شكل من أشكال الحدية ضد تعنت الجانب الإثيوبي، وأن تدرك أديس أبابا استحالة أن تقدم القاهرة أي تنازلات تؤثر عليها، كما أن الجانب المصري لا يستطيع أن يساير الجانب الإثيوبي إلى مرحلة يستشعر منها الشعب المصري أن هناك خطورة على حياته من خلال ندرة المياه.


كيف ترى الرهان المصري على المجتمع الدولي؟
الرهان على المجتمع الدولي أو القوى الدولية رهان خاسر، الدليل على ذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى استضافا جزء من هذه المفاوضات ولم تنتهي إلى شئ، ورغم تلميح الجانب الأمريكي بتوقيع العقوبات على الجانب الإثيوبي لكنها لم تحدث تأثير كبير، وكذلك الجانب الروسي حاول ممارسة أي دور في هذه الأزمة ولم ينجح، فضلًا عن محاولة الاتحاد الإفريقي، لكن لم تصل بالمفاوضات إلى محطة  توقيع الجانب الإثيوبي على ضمان الحقوق المصرية أو ضمان التزامه بما يتم التوصل إليه.

مشكلة الجانب الإثيوبي أنه لا يريد التوقيع على أي اتفاق ملزم أو وضع أي التزامه على عاتقه في حال أي مخالفة، والقضية بالنسبة للسد وبالنسبة لملء الخزان مازالت قضية بمهمة، إذ لا يوجد عقاب محدد حتى الآن سواء قانوني أو مالي، في حال مخالفة أديس أبابا سنوات ملء الخزانات ومرور المياه في فترات الجفاف أو الجفاف الممتد.

والتعويل على المجتمع الدولي تعويل معنوي وأدبي، يمكن من خلاله كسب تأييد دولي فقط، ولكنها في النهاية غير مرئية بالنسبة لأزمة سد النهضة ومعظم القضايا العربية.

تعزم إثيوبيا الآن البدء في الملء الثاني للسد من دون اتفاق مع دولتي المصب.. فما دلالات ذلك؟ 
كلها دلالات على عدم أخذ إثيوبيا في الاعتبار أي مخاوف تقلق مصر والسودان، حيث يعتبر مسؤوليها، كما تظهر التصريحات الرسمية، أن السد والأرض والنهر ملكها، وأن نهر النيل تحول إلى بحيرة ولم يعد نهرًا كما كان في السابق.

والموقف أصبح في يد مصر والسودان، وتعاطي الجانب المصري مع التصرفات الإثيوبية سيكون باللجوء إلى وساطات دولية أخرى، والتحكيم الدولي.. وفي النهاية لن تجدي هذه الأمور مع الجانب الإثيوبي.

بفرض اكتمال ملء السد دون التوصل لاتفاق.. كيف يكون شكل إدارة السد بعد وتأثيره على مصر؟
إدارة السد بعد سنوات الملء مرتبطة بضمان مرور المياه التي تكفي احتياجات مصر "55 مليار متر مكعب" والسودان "18 مليار متصر مكعب" وفق اتفاقتي 1959 و 1929.

وبمجرد انتهاء الجانب الإثيوبي من الملء، سيكون لديه القدرة على التحكم في كمية مرور المياه.

لذلك تريد مصر الاطمئنان من المخاطر الموجودة والمحسوبة أثناء ملء السد والتي سيكون لها شكل من أشكال التأثير حتى لو كان محدودًا، ولكن إذا ما اكتمل ملء الخزان، هل يضمن الجانب الإثيوبي مرور النسبة المصرية المحددة؟ وهل أديس أبابا جادة في أن الأزمة لن يكون لها أي تأثير على مصر؟
اعتقد أن ضمان الجانب الإثيوبي ومصداقيته في الالتزام بعدم الضرر بدولتي المصب بعد عملية الملء، ستكون مسألة خاضعة للتجربة.
ومن الصعب على مصر أن تضحي بهذه القضية، خاصة أنها دولة زراعية تعتمد على نهر النيل.

أمام هذه التحديات التي يشكلها السد.. هل من المفترض أن تفكر مصر في تغيير نمط الزراعة والري؟
بالتأكيد مصر تفكر جديًا في مسألة التأثير الحاصل أثناء سنوات ملء سد النهضة، خاصة في ظل حديث الفنيين عن نقص نحو 5-10 مليار متر مكعب من حصة مصر.

ومع اتساع حجم الدولة ورقعتها الزراعية وزيادة عدد سكانها، من المفترض أن تزيد الكمية السنوية المقدرة بــ55 مليار متر مكعب وتصل إلى "59 مليار متر مكعب"، خاصة وأنها كانت تصل عند تعداد سكاني "20 مليون نسمة"، والآن مع تخطي تعداد السكان في مصر الــ"100 مليون نسمة" أدخلها في حيز الفقر المائي، وهي بحاجة إلى زيادة نسبتها وليس نقصانها.

في الوقت نفسه، هناك محاصيل عليها إشكاليات كبيرة مثل زراعة الأرز الذي يحتاج إلى كميات مياه كبيرة، ما سيجعل زراعته محدودة أو ليس بأريحية كاملة، كما سيكون هناك ضبط لآلية استخدام المياه.

لكن المعالجة الحقيقة هي إيجاد البديل الطبيعي لحجم الاحتياجات المصرية من المياه، وآليات الضغط على الجانب الإثيوبي بشكل مصري خالص، ما يضمن حقوقنا التاريخية وفق الأطر التاريخية لهذا الممر المائي الخطير.

وما الدور المجتمعي تجاه تلك الأزمة؟
على الجميع أن يطمئن ويدرك أن الجانب المصري لن يضحي بقضية مياه نهر النيل، وأنه اختار التفاوض والدبلوماسية السياسية في معالجة هذه الأزمة باستخدام جميع آلياته الذاتية وبعزيمته مواجهته بما يضمن حقوق المائية وعدم التفريط فيها.

قلت أن البحث عن وساطات دولية غير مُجدى.. فما رأيك في الموقف العربي من أزمة سد النهضة والممارسات التي يمكن اتخاذها؟

التصريحات الرسمية للدول العربية والخارجة من جامعة الدول العربية كلها تتحدث أنها تدعم الموقف المصري ومع الاحتياجات المصرية، وكثير من العرب يرون أن مصر تتعامل بحكمة مع هذا الملف ودون ضجيج.

لكن حجم الضغوط الممارسة من العالم العربي على إثيوبيا للانصياع للاحتياجات المصرية وفق الأطر الخاصة بها، أمر مشكوك فيه بدرجة كبيرة، وهناك أمور كثيرة شاهدة على ذلك في العالم العربي.

ولكن يستطيع العالم العربي أن يمارس ضغوطًا على الجانب الإثيوبي والتعامل مع القضايا التي تمس العالم العربي، إلا أنه يفتقد إلى آلية جماع في تعاطيه في كثير من القضايا.

شهدت المفاوضات على مدار السنوات الماضية تباين واضح للموقف السوداني.. كيف ترى ذلك؟

دور الموقف السوداني في مفاوضات سد النهضة متأرجح، أحيانًا تستشعر أنه يقف إلى جانب الموقف الإثيوبي وأحيانًا تستشعر أنه في موقف الحياد، وفي بعض الأحيان تستشعر أنه يقف إلى جانب مصر.
ويرجع ذلك إلى أن الجانب السوداني أقل تضررًا بكثير من الجانب المصري باعتباره المصب الأخير، وفي كل الأحوال فإن حجم الضرر الواقع عليها من الاحتياجات المائية غير ملموس، إذ أنه سيحصل على احتياجاته ويمرر الفائض عن حاجته لمصر.

والتعويل على الجانب السوداني كان بحكم المصاهرة والجيرة وغيرها من الأمور التي تجمعنها، خاصة وأننا كنا دولة واحدة حتى 1956، وأتمنى أن يدرك الجانب السوداني مصالحه وأنها لن تتأتى إلا بالوقوف مع أكبر دولة في العالم العربي وتاسع أقوى جيش في العالم.


وهل أثر دور رئيس الوزراء الإثيوبي في تسوية الصراع بين المجلس العسكري والقوى الثورية في السودان.. على موقف الخرطوم من السد؟

بالتأكيد كان له تأثير كبير بعد أن لعب دورًا كبير في حل الخلاف بين المجلس العسكري والقوى الثورية السودانية من جهة، ومن جهة أخرى دوره في آليات التوقيع بين الطرفين والذي شكلت في النهاية المرحلة الانتقالية.

يروج الجانب الإثيوبي إلى أن القاهرة تقف ضد التنمية في إفريقيا.. ما مدى تأثير ذلك على العلاقات المصرية الإفريقية؟
الجانب الأفريقي يدرك تمامًا اهتمامات مصر واحتياجاتها أمام مسألة سد النهضة ونهر النيل، وتعاطي الاتحاد الإفريقي مع هذه الأزمة والوساطة التي قام بها من جهة وتقديره للاستجابة المصرية بقبول الوساطة الأفريقية من جهة أخرى، يؤكدان عدم وجود شرخ في العلاقات بين الجانبين.

مصر عضو مؤسس في الاتحاد الأفريقي وامتلكت رئاسة الاتحاد على مدار سنوات، وخلال السنوات السبع سنوات الأخيرة تعاوننا مع الاتحاد الإفريقي في كثير من الأمور المرتبطة به، وتبنت القاهرة الطرح الإفريقي ومشاكل القارة في كثير جداً من المنتديات واللقاءات الدولية.

القضية المصرية عادلة.. ولن تحدث شرخًا في علاقة مصر بإفريقيا، ونهر النيل يسير بين 11 دولة تستفيد منه، ولن يستطيع الشعب المصري أن يعيش بدون هذا النهر، لذا الحفاظ عليه مسألة كونية حياتية قومية.

بين الإصرار المصري على حل الأزمة دبلوماسيًا والتعنت الإثيوبي الواضح.. ما تصورك لحل لأزمة سد النهضة؟
واضح أن هناك إصرار مصري على حقوقه التاريخية المائية، وأخذت القاهرة الجانب الدبلوماسي بعد قلقها من آليات تعاطي الجانب الإثيوبي مع هذه الاحتياجات، وتريد الوصول في النهاية إلى التوقيع على اتفاق مع أديس أبابا تضمن خلاله حقوقها المائية وتضمن التزام الجانب الإثيوبي بهذه الحقوق في أي مرحلة من مراحل الخزان أو ما بعد ملء الخزان أو أثناء  التشغيل.

الجانب المصري يستحيل عليه أن يصل إلى مرحلة تنازل أكبر أو يترك المسألة للجانب الإثيوبي يسيرها كيف شاء، خاصة وأنه يمتلك آليات قوة وآليات تفاوضية كبيرة يمكن من خلالها النجاح في الوصول إلى مراده.