الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

في مواجهة رياح التطبيع.. «العزلة» أسوأ الخيارات أمام السلطة الفلسطينية

الرئيس نيوز

منذ أن وقعت إسرائيل اتفاقات في البيت الأبيض مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، لإقامة علاقات دبلوماسية وتطبيع العلاقات، كان رد الفعل الفلسطيني سريعًا وقاسيًا، حيث وصفها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأنها "طعنة في الظهر"، ووبعد ذلك بوقت قصير، بدأت حركة فتح في محادثات مع حماس برعاية تركية لمناقشة الانتخابات، وربما التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة. 

وأشار مركز كارنيجي للشرق الأوسط، إلى أنه من غير المؤكد، ما إذا كانت هذه المحادثات الفلسطينية الداخلية ستنجح، بالنظر إلى فشل جهود المصالحة السابقة، متسائلًا عن الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين لدفع أجندتهم الوطنية في بيئة صعبة.

خريطة سياسية جديدة 

تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التطبيع العربي مع إسرائيل على أنه "فجر شرق أوسط جديد"، لكنه في الحقيقة مظهر من مظاهر الاتجاهات الإقليمية الحالية أكثر من كونه تغييرًا ثوريًا، في ملف الصراع العربي الإسرائيلي. 

وعلى مدى العقد الماضي، كانت السمة الجيوستراتيجية المركزية للمنطقة هي تقسيمها إلى كتلتين متعارضتين: الدول العربية السنية الرئيسية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر) بالإضافة إلى إسرائيل من جانب واحد وإيران وحلفاؤها (نظام الأسد في سوريا، حزب الله، والحوثيين)، والمجموعة الداعمة للإسلام السياسي (قطر وتركيا وحماس) من جهة أخرى. 

ورغم خطوط الصدع الواضحة داخل كل مجموعة، فإن الأجزاء المكونة في كل جانب قد اجتمعت بشكل وثيق مع بعضها بسبب التهديد الذي تتصوره من الجانب الآخر. في حالة الدول السنية وإسرائيل، فقد تقاربت أكثر من أي وقت مضى بسبب العداء المشترك بينهما تجاه إيران، بدعم من الولايات المتحدة، كان منطقهم بسيطًا: "عدو عدوي هو صديقي".

تعززت الجغرافيا السياسية للتطبيع، من خلال طبيعة المعاملات لاتفاقات السلام. بالنسبة للإماراتيين، كان الناتج الرئيسي هو احتمال حصولهم على مقاتلات أمريكية من طراز F-35، في حين أن إسرائيل لديها مخاوف بشأن فقدان احتكارها الإقليمي لطائرات F-35، فمن المرجح أن تتم الموافقة في النهاية على نسخة معدلة من المقاتلة الإماراتية.


فرص التطبيع لإسرائيل 

بالنسبة لإسرائيل، أتاح التطبيع لها تحقيق هدف طويل الأمد يتمثل في فتح علاقات مع دول الخليج العربي من دون دفع الثمن في شكل تنازلات للفلسطينيين، بينما كان على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتخلى عن الضم في الضفة الغربية، فإن هذه المبادرة لم تذهب إلى أي مكان في مواجهة المعارضة الداخلية. 

عارض يسار الوسط الإسرائيلي الضم باعتباره تهديدًا لحل الدولتين، واعتقد اليمين المتطرف أن اقتراح نتنياهو بضم 30% من الضفة الغربية سيؤدي في النهاية إلى دولة فلسطينية في الـ 70 في المائة المتبقية، وهو أمر يعارضونه بشدة، مع حظر الضم، كان الثمن الذي دفعه نتنياهو للتخلي عنه نظريًا أكثر منه حقيقيًا.

أزالت الصفقة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة التهديد الفوري بالضم، ولكن بعد ذلك لم تفعل شيئًا لدفع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، إذ  أدى التطبيع إلى عزل الفلسطينيين بشدة عن مؤيديهم من العرب السنة التقليديين ودفعهم نحو الكتلة الإقليمية المعارضة. تم الكشف عن ضعف الوضع الفلسطيني، لكن هذا يعيق صنع السلام ولا يساعده.

خيارت قليلة 
واعتبرت القيادة الفلسطينية مبادرة السلام العربية لعام 2002 وسيلة ضغط مهمة في المفاوضات مع إسرائيل، بموجب شروط المبادرة، لن يأتي التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي والإسلامي إلا في أعقاب اتفاقية بين إسرائيل والفلسطينيين، ولجأ الفلسطينيون في البداية إلى جامعة الدول العربية للحصول على الدعم، لكنهم واجهوا معارضة من الإمارات والمملكة العربية السعودية. ورفض عباس، حوَّل اهتمامه إلى حل الانقسامات الفلسطينية الداخلية وبدأ محادثات مع حماس في اسطنبول. وأكدت فتح أن هذه المحادثات تتعلق بالانتخابات فقط، وليس المصالحة على نطاق أوسع، لكن عباس أراد بالتأكيد أن يشير إلى جامعة الدول العربية وإسرائيل بأن لديه خيارات أخرى.


لكن في الواقع ، لدى عباس خيارات قليلة جيدة، خاصة وأن الانتخابات الفلسطينية ضرورية لحل الانقسامات الفلسطينية الداخلية، واستعادة الشرعية السياسية ، لكن أي تقارب أعمق مع حماس أو الاصطفاف مع حلفاء حماس الإقليميين لن يؤدي إلا إلى جعل الفلسطينيين أكثر عزلة، وتعقيد العلاقات الفلسطينية مع إسرائيل والغرب.

يعتقد بعض الإسرائيليين أن التطبيع يسمح لهم بالالتفاف على الفلسطينيين - ما يسميه نتنياهو "السلام مقابل السلام" - لكن هذا تصور خاطئ لن يؤدي إلا إلى مشكلة أسوأ لإسرائيل في المستقبل، وبالمثل، فإن فكرة أن الفلسطينيين يمكنهم تحقيق أهدافهم الوطنية من دون دعم الدول العربية السنية الرئيسية أو الاتصالات المباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة هي فكرة بعيدة المنال.

ويتطلب حل هذا الصراع الراسخ مساعدة خارجية، وهنا يجب على الولايات المتحدة مرة أخرى أن تلعب دورًا مركزيًا، ما بتوقف على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فمن الواضح أن الفلسطينيين ينتظرون حتى ما بعد 3 نوفمبر، لاتخاذ أي خطوات حاسمة. حيث من المحتمل أن تقدم إدارة بايدن وجهة نظر أكثر دقة تجاه السياسة الإقليمية وصنع السلام العربي الإسرائيلي، من نهج المعاملات الذي يتبعه ترامب،  لكن بايدن - إذا فاز - سيرغب في التركيز على مشاكل أمريكا الداخلية أولاً، وقد لا يكون حريصاً على القفز إلى سياسات الشرق الأوسط.. لذلك من الحكمة أن يخفف الفلسطينيون من توقعاتهم وأن يدركوا أن الغرباء لن يحلوا مشاكلهم نيابة عنهم.