الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

محمد فؤاد يكتب: توظيف المال السياسى

الرئيس نيوز

تعاني منظومتنا السياسية، في إطارها العام، العديد من المشاهد الدخيلة عليها والتي تفسدها، وتقلل من الحرص على الانخراط فيها من ذوي الطموح أو الاهتمام السياسي، بل وصل الأمر إلى حالة عزوف ملحوظ من المواطن نفسه على الاستجابة للاستحقاقات الانتخابية، وتوطدت داخله حالة من رفض السياسة ورجالاتها.

ولعل أبرز هذه المشاهد، هو الاعتماد بشكل فج على المال السياسي في الانتخابات، وجعله المعيار الأوحد في الفوز من عدمه لدى البعض، كما أنه نتيجة تمادي هذا الأمر وتوغله في الانتخابات الماضية، أصبحنا نتعامل معه على أنه أمر عادي، بل ونتفاخر بالحرص عليه، وتجاهل آليات الحشد الأخرى الأساسية.

أعلم أن الاعتماد على المال السياسي متواجد في غالبية الأنظمة السياسية، ولكن دوره ثانوي في إتاحة فرصة للمرشح لاستعراض برنامجه، وليس أساسي في شراء الأصوات والناخبين؛ اعتمادا على حاجتهم أو مستواهم الاقتصادي المنخفض.

أما عندنا، فالاعتماد على المال السياسي كآلية لا بديل عنها في ضمان الفوز بالانتخابات، أصبح منتشرًا بشكل يدعو للقلق، واتخاذ موقف من الدولة وأجهزتها ومن قبلها الناخب نفسه، لأن هذا الأمر بلا أدنى شك يفسد العملية الانتخابية ويصيب السياسة في مقتل.

الإشكالية في توغل هذا الأمر وزيادة انتشاره، حتى أصبح هو المعيار الأوحد تقريبا لضمان الفوز بالمقاعد الانتخابية، وتم تجاهل الاعتماد على برامج انتخابية؛ تشد المواطن وتحوز دعمه وتأييده، كما عهدنا السياسة والانتخابات، أو على الأقل استخدام المال كآلية حشد جانبية، بجانب برنامج انتخابي قوي، وليس كما نرى الآن الاعتماد على المال وحده.

للأمانة لا استغرب هذا الأمر، خصوصًا مع حالة من العطب التي نالت الأحزاب السياسية، التي أصبحت هي الأخرى تعتمد على من يدفع أكثر في توزيع حصصها في المقاعد والقوائم، من دون أي مخصصات للكوادر، وكأن المقعد البرلمان أصبح سلعة تباع لمن يدفع أكثر.

ووصل الأمر إلى حالة من الخلط الرهيب، بين مفهوم العمل الخيري والعمل السياسي، حتى أصبح الجميع يربط بينهما، بما يفسد الاثنين معا، فأصبحنا نرى مرشح مثلا يكثف عمله الخيري، خلال وقت الانتخابات فقط ويتحمل نفقات أسر فقيرة ومصاريف تعليم الفقراء وتكاليف التصالح في مخالفات البناء لغير القادرين، حتى يضمن صوتهم، وإلا كان هذا الأمر غير متزامن مع الانتخابات.

مشهد آخر أجده دخيلًا على العملية السياسية، هو حالة الخلط بين الموضوعية في التقييم والاعتماد على أدلة ومستندات وبين التجريح والتلاسن، التي لا يخرج عن إطار المكايدة ونشر الشائعات.

ورغم الفرق الكبير بينهما لكن ذلك غير واضح كما يبدو، خاصة وأن المكاشفة أثناء طرح المرشحين في العملية الإنتخابية أمر ضروري و حتمي، وإلا فلا مجال لأن يعرف جموع الناخبين من يختارون، وتصبح العملية الانتخابية بمثابة "بطيخة مقفولة".

فمثلا الطعن على أحد المرشحين في الانتخابات، يتضمن الإشارة إلى اتهامات له بأنه مزور بأدلة مثبتة، أو توجيه انتقادات لبعض المرشحين بسبب ماضيهم السيء أو أداؤهم غير المقنع؛ يتم مقابلته بحالة رفض على أساس أنه تجريح مقصود وقت الانتخابات، كنوع من المكايدة أو المنافسة غير الشريفة.

وذلك على النقيض من أن العملية الانتخابية التي تمتاز بالمكاشفة، بمعني إمكانية الحديث عن المرشح المنافس ونقده بأدلة موضوعية، وتوعية المواطن من اعتماده على المال السياسي، بل إن كشف ذلك مسئولية على الجميع، ضمن إطار التوعية المطلوبة العملية.

دعونا نرجع إلى المفاهيم التي عهدناها للعملية السياسية، والتي لا تتعامل مع كشف الفساد على أنه نوع من التجريح، وتعلي كذلك من أهمية محاربة الرشاوي السياسية بالفكر وعدم التستر عليها ومواجهتها، حتى يستقيم الوضع تدريجيا، ولا نجد أنفسنا في أسفل القاع.