الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

محمد الباز عن مسيرة الأستاذ: هيكل «ابن الحظ».. وحاول تصوير أنه يدير المشهد السياسي (2-2)

الرئيس نيوز


- عبدالله السناوي مفكر كبير .. ومساحة العلاقة المهنية التي جمعت بين هيكل وعادل حمودة كبيرة جدا

- كل المقتربين من هيكل آخر 20 عاما في حياته "دراويش".. وأحدهم قال لي "قدسية حديث هيكل تعلو قدسية القرآن"

- قناعتي أن منتصف التسعينات شهدت مرحلة "تعويم هيكل" بيد عادل حمودة وهناك من سيغضبون من هذا الوصف

- طلبت من عادل حمودة عدم نشر "خريف هيكل".. وأسطورة عدم رد "هيكل" على خصومة غير حقيقية 


في الجزء الأول من الحوار اعتبر د.محمد الباز أن "المذكرات المخفية" تناولت هيكل بشكل حيادي بعيدًا عن الهجوم أو الاحتفاء.. لكن ماذا عمن وصفهم بـ"دراويش هيكل"؟.. وعن رأيه الشخصي كصحفي في تجربة هيكل بشكل عام وعلاقاته ومواقفه وتجاربه؟.. وكيف يرى الباز كتب هيكل عندما يعيد قراءتها؟..  ولماذا يصف هيكل بأنه "ابن الحظ"..

أسئلة كثيرة حاولت من خلالها الحصول على أكبر قدر من الآراء والأطروحات المتعلقة في ذهنه بكل ما يخص تجربة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، من وجهة نظره الخاصة،  كما تطرق الحديث لعلاقة الأستاذ عادل حمودة والأستاذ عبدالله السناوي وغيرهم بـ"هيكل".

وعندما سألته عن سبب وصفه لـ"هيكل" بأنه "ابن الحظ"

جاء رده سريعًا وحاسمًا:  قطعا هيكل ابن الحظ، ويمكن أن نرصد ذلك من خلال مسيرته ومراحل حياته المختلفة، فمنذ البدايات وهو ابن الحظ، فمثلا عندما عمل مراسلا حربيا لتغطية الحرب العالمية في 1942 بالعلمين، كان يغطي تغطية ميدانية مع مراسلين من جميع أنحاء العالم المتصارع، وخلال هذه الفترة تعرف على هؤلاء المراسلين، واستمرت علاقتهم وتواصله معهم حتى حرب 48 وتغطيته لحصار الفالوجا.

 

كما ذهب إلى فلسطين وتغطية الحرب حتى عام 51، ثم استقر بعدها في مصر عام 1952، وأصبح رئيسا لتحرير أكبر مطبوعة في الشرق الأوسط، وفجأة انقلبت حياته رأسا على عقب عام 1974 عندما أخرجه السادات من الأهرام.

 وفي أزمته ما كان منه إلا أن تواصل مع أصدقائه المراسلين ممن عرفهم وعمل بجانبهم وصادقهم لسنوات، بعد أن أصبحوا بمرور السنوات رؤساء تحرير أكبر الصحف العالمية في أمريكا وألمانيا وفرنسا وغيرها.


 تعني أن هيكل دخل الصحافة العالمية من خلال أصدقائه

 طبعا.. فأصدقاء هيكل فتحوا له صحفهم ليكتب فيها، وجعلوه يتواصل مع أكبر دور النشر حول العالم، في توقيت كان الغرب بأكمله يسعى لمتابعة ما يجري في الشرق الأوسط، وهو ما جعل هيكل منفذا لهم، خاصة أنهم عرفوه منذ البدايات وتعاملوا معه كمراسلين وأصدقاء، وهو أيضا اتخذهم منفذا له للخروج إلى العالمية، فظروف تجربة الرجل بكاملها تجعلني أصفه بابن الحظ، لأن القدر اختار له طريقه.

 

ذكرت أن من كتبوا عن هيكل إما دراويش أو خصوم.. هل يمكن تصنيف كتاب "أحاديث برقاش" للكاتب عبدالله السناوي عن هيكل ضمن كتب الدراويش ؟

لا يمكن أن يوضع عبدالله السناوي ضمن تصنيف الدراويش، فهو كاتب ومفكر كبير، يختلف عن الكثيرين ممن كانوا محيطين بمحمد حسنين هيكل، وما أقصده بالدراويش هم المجموعة التي دخلت حياة هيكل في سنواته الأخيرة ويمكن تحديدها بآخر 20 عاما في حياته، أي بعد أن وصل إلى السبعين عاما، وأصفهم بالدراويش لأنهم لا يتقبلوا أي كلمة عن الأستاذ، ولا يصدقوا أي قصة بها خدش له، وأذكر لك أنني بأحد الجلسات النقاشية سمعت من أحدهم جملة أزعجتني عندما قال: كلام هيكل قدسيته تعلو عن قدسية القرآن، ولذلك أصفهم بدراويش هيكل، أعتقد أن كلامي سيغضب الكثيرين، ممن التفوا حول هيكل في سنواته الأخيرة، ولكن هذا أمر واقع وقناعتي الشخصية.


بناء على التصنيف الذي وضعته لمن كتبوا عن هيكل.. هل يعد عادل حمودة في كتابة "خريف هيكل" من الخصوم ؟

ما لا يعرفه أغلب الناس أن مساحة العلاقة المهنية بين الأستاذ هيكل والأستاذ عادل حمودة كبيرة وضخمة جدا، وستجد في المذكرات أن عادل حمودة كان على خريطة هيكل بشكل كبير جدا، وتحدث عنه كثيرا، في الفترة التي كان هيكل مختفيا ولا يكتب في أي جريدة مصرية.

 وكان حمودة يضعه على غلاف روزاليوسف ويجري معه حوارات مطولة، بالطبع كان هناك دافع مهني من الأستاذ عادل خاصة أن هيكل رقم مهم وقادر على رفع نسب التوزيع لأي مطبوعة، ورأيي أن خلال هذه الفترة تمكن حمودة من "تعويم هيكل"، وهناك الكثيرين سيغضبهم هذا الوصف، لكن هذه أمور لا يمكن إنكارها، وما يمكن أن أؤكده أن عادل حمودة، كان صديق لهيكل، وصديق مقرب أيضا خاصة في الأزمات والمحن.


ولكن كتاب "خريف هيكل" للأستاذ عادل حمودة كان به خصومة واضحة.. ما الذي يجعل صديق ينقلب على صديقه بهذه الدرجة ؟

كنت أنا الناشر لهذا الكتاب عن طريق دار البندقية، وأصدقك القول بأنني حينها نصحت الأستاذ عادل بعدم نشر هذا الكتاب، وفسرت رأيي بأن هيكل مثل الأهرامات، ومن الممكن أن يقول البعض أن الأهرامات بنيت بالسخرة أو بعرق البغايا، ولكنها ستظل الأهرامات بعراقتها وتاريخها ولا أحد قادر على هدمها، ويمكن أن نضع نفس القياس على هيكل فلن يتأثر إطلاقا بأي شئ ينشر ضده، وسيتم تفسير هذا الكتاب بأن سببه الغيره، ولكن أستاذ عادل كان لديه أسبابه الموضوعية وقناعته بما يقدمه، ولديه من الحجة والمبررات ما يقتنع به ويجعله يدافع عن رأيه، ولكن بصفة خاصة، لا يمكن أن أخفي رؤيتي بأن الكتاب كان يمثل خصومة مباشرة مع هيكل.




في حياة هيكل مساحات كبيرة من الغيرة والكراهية من كبار الكتاب بمختلف الأزمنة والعصور.. في اعتقادك ما سبب هذه الغيرة ؟

بالطبع مسيرة هيكل مليئة بالغيرة والكراهية تجاهه من كثيرين، وذلك لأن البعض اعتقد أن الرجل "أخذ فرصهم"، ولكن في الواقع أنه لا يوجد شخص يحصل على فرص غيره وهذه قناعتي الشخصية، بالطبع كان هناك صراع مهني له نتائج ومن كرهوه فسروا الأمر على أن نجاحه وانتشاره وعظمته أخذت من فرصهم.

 أتذكر مثلا أن إحسان عبدالقدوس كان له كلمة موثقة عن هيكل، وهي أن (هيكل يمتلك براعة السيطرة على الرأس الكبيرة في أي مكان يذهب إليه)، فإحسان كان يرى أن هيكل عندما دخل روزاليوسف سيطر على رأس والدته، وعندما دخل الأهرام سيطر على دماغ على أمين، وعندما دخل آخر ساعة سيطر على عقل محمد التابعي، حتى أنه تمكن في مرحلة كبيرة من الزمن أن يسيطر على دماغ عبدالناصر.

 هذا تفسير ورأي إحسان عبدالقدوس في هيكل، وأذكر واقعة أخرى تتعلق بالغيره من الأستاذ تكشف كراهية البعض له ممن بدأوا مسيرتهم بموازاته، فخلال عام 49 دخل 9 صحفيين لـ على أمين، في أخبار اليوم، وقالوا له: يا احنا يا هيكل في المؤسسة، وعندما سألهم عن السبب، منهم من قال عليه (ألعوبان)، وآخر وصفه بـ(المفبركاتي)، وغيره قال أنه يسعى للوقيعة بينهم.

 وكان من بين هؤلاء عبدالرحمن الشرقاوي، وعندما سأله على أمين عن السبب، قال بشكل قاطع: لم أرى منه شيئا ولكني لا يجب أن أتجاهل حديث زملائي.. وكان رد على أمين قاطعا معهم بأن ما ذكروه لا يمثل إلا شتائم واتهامات بدون أدلة واقعية، فهذه أيضا واقعة تكشف غيرة البعض من هيكل، وبعد هذه الفترة وتحديدا في 55 أصبح هيكل هو نجم الصحافة الأول، ويمكن أن أؤكد على أن هيكل في هذه المرحلة كان يدير المشهد الصحفي بأكمله مع عبدالناصر بشكل مباشر.

 

يمكننا الاتفاق على أن هيكل كان حقا يدير المشهد الصحفي.. فماذا عن المشهد السياسي؟

أجاب سريعًا: لا.. علاقة هيكل بالمشهد السياسي أمر آخر يحتاج لإعادة نظر، يمكننا فقط أن نحكم على علاقة هيكل بالمشهد الصحفي، بل ونؤكد أن الرجل كان يحكم المشهد الصحفي حينها، ولا أخفيك أن هيكل في الكثير من الأحيان، كان يصور في كتاباته أنه يدير المشهد السياسي، ومثالا على ذلك في كتابه "الانفجار"، ستجد أن الرجل في فصل خطاب يوم التنحي الذي كتبه للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، صور للقراء أنه ليس فقط يحكم مصر، بل يديرها بشكل مباشر، وهذا أمر غير منطقي وغير طبيعي بالمره، ولا يمكن الحكم عليه أو تأكيده، خاصة أن السياسيين أنفسهم لم يحكوا أو يكتبوا عن هذه الوقائع.


دائما ما كان هيكل يرفض الرد على المنتقدين.. من وجهة نظرك هل كان يرغب في عدم إثارة الجدل حول مواقف يرفض الإفصاح عنها أم كان ذلك بنظرة تعالي وكبرياء؟

ليس صحيحًا أن هيكل كان لا يرد على منتقديه، بل كان فقط يروج لهذه الأسطورة بأنه لا ينشغل ولا يرد و«مش عايز يضيع وقته».. دي من الأساطير اللي روجها وتوافقت مع أهواء دراويشه، الواقع أنه خلال مسيرته رد كثيرا، فمثلا في كتابه "الصحافة والسياسة" لم يكن جزء من تاريخه ولكنه كان يرد بشكل قاطع على حملة صحفية نشرت في الحوادث، تروج لأنه يقف خلف تلفيق قضية الجاسوسية لـ مصطفى أمين.


ولكن هيكل كان يرفض الرد كثيرا ويتجاهل روايات نشرت عنه.. وهناك وقائع كثيرة رفض التحدث عنها؟

كما ذكرت من قبل أن هيكل لديه القدرة على إخفاء تفاصيل وأسرار تتعلق بحياته بالقدر الذي يرضيه، لاسيما أنه كان يختار من يرد عليهم، وفي كثير من الأحيان لم يكن مطالب بالرد لأن الوقائع نشرت تفاصيلها.. ولن يكون لتعقيبه عليها أثر من تأكيدها أو انكارها، فمثلا ذكر الأستاذ عادل حموده واقعة تتعلق بتواصل ياسر علي، المتحدث الرسمي باسم محمد مرسي مع الأستاذ هيكل، وأبلغه أن الرئاسة ترغب في الاحتفال بعيد ميلاده التسعين بقصر الاتحادية وذلك خلال عام 2013، وطبقا لرواية أستاذ عادل أن هيكل وافق على ذلك، لكنه فوجئ عن تراجع مرسي عن الاحتفال بعد رفض مكتب إرشاد جماعة الإخوان الاحتفال بما أسموه "صحفي عبدالناصر"، وتم إلغاء الاحتفال، وكشف عادل خلال قصته أن الفريق عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع في حينها، تواصل مع هيكل وأرسل له سيارة خاصه، واحتفلوا بعيد ميلاده التسعون بين قيادات القوات المسلحة.

هذه تفاصيل نشرت عنه ولم يرد عليها هل حصلت فعلا أو لا.. ولكن في واقعة تلفيق قضية مصطفى أمين كان لزاما عليه أن يرد ويوضح الحقيقة ويكشف تفاصيل ما جرى.