الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

أطماع أردوغانية.. لماذا تؤجج تركيا الحرب بين أرمينيا وأذربيجان؟

الرئيس نيوز

باتت تركيا المسؤول الأول عن إثارة القلاقل والاضطرابات في أكثر من منطقة حول العالم، فمن شمال أفريقيا وتحديدًا في ليبيا، إلى آسيا حيث سوريا وشمال العراق، وأخيرًا في القوقاز حيث الحرب الدائرة حاليًا بين أذربيجان، من جهة، وإقليم قره باغ وأرمينيا، من جهة أخرى. على الرُغم من أن كثير من المراقبين يؤكدون أن الحرب الدائرة حاليًا بين الإقليم ذو الحكم الذاتي، وأذربيجان، تهدد إمدادات الطاقة؛ حيث خطوط الغاز المُمتدة من القوقاز إلى تركيا ثم إلى أوروبا، وتعول أنقرة على تلك الإمدادات في سد احتياجاتها من الغاز، في حين أن الاشتباكات تدور في تلك المنطقة. 
اتهمت أرمينيا تركيا بتأجيج الصراع لصالح أذربيجان، وقالت إن التقدم الذي حققه الجيش الأذري على قوات إقليم قره باغ، جاء بفعل دعم أنقرة لهم، والمتمثل في العتاد من جهة، وإرسال عناصر من المرتزقة الذين يأتمرون بإمرتها في سوريا، من جهة أخرى، وقالت أرمينا إن لديها أدلة توثق حديثها، فيما استمرت تركيا في ترجيح كفة حليفتها أذربيجان، على حساب عدوتها أرمينيا، التي اتهمتها أنقرة أنها السبب وراء اندلاع تلك الاشتباكات، مؤكدة أنها تدعم أذربيجان بكل قوة. 
ومؤخرًا أجرت تركيا وأذربيجان مناورات عسكرية على مقربة من إقليم قره باغ المستقل ذاتيًا عن أذربيجان، وكشفت تلك المُناورات عن مدى النية المبيتة لدى أنقرة وباكو عاصمة أذربيجان على اجتياح الإقليم، والسيطرة على جباله ذات الموقع الاسترايتجي.
أسباب الحرب
لا أسباب محددة وراء الاشتباكات اللهم إلا التلاسن المعتاد بين سلطة الإقليم، وحكومة أذربيجان، إلا أن المحلل اللأمني، نيل هاور، رجح في مقال كتبه في "فورين بوليسي الأميركية"، الشهر الماضي، اندلاع حرب بين الإقليم المدعوم أرمنيًا من جهة، وبين أذربيجان المدعومة تركيًا، من جهة اخرى. 
لفت هاور إلى أن الإخفاقات العسكرية لحكومتين في أذربيجان خلال الصراع مع أرمينيا تسببت في الإطاحة بهما خلال التسعينيات ومن ثم، كان تصعيد الاحتجاجات في 14 يوليو الماضي تجربة مقلقة بشكل خاص للرئيس إلهام علييف الذي يحكم أذربيجان منذ عام 2003، الأمر الذي ربما يفسر الهجوم الأذربيجاني الحالي على أنه محاولة من علييف لتحقيق الاستقرار في حكومته من خلال السعي لتلبية المطالب القومية للتصعيد والنصر العسكري، وفي ذات الوقت صرف الانتباه عن المشاكل الداخلية في أذربيجان.
روسيا طرف رئيس في منطقة جنوب القوقاز، ولا يمكن تصور أنها بمنأى عن التطورات الأخيرة، أو أنها ستتركها لغريمتها تركيا. فموسكو تدعم أرمينيا، فيما تساند تركيا أذربيجان، كما أن لروسيا قاعدة عسكرية في أرمينيا ولا يمكن أن تتخلى عنها ولا عن إقليم قره باغ، ذو الأغلبية الأرمنية. وتمد روسيا أرمينيا بدفاعات جوية وآليات عسكرية، ولن تقبل موسكو أن تضعف مصداقية الردع العسكري الذي توفره لحليفتها. 
وفي شكل يعكس التحالفات القائمة في منطقة جنوب القوقاز، فقد انضمت أرمينيا إلى كتلة اقتصادية مدعومة من روسيا، بينما انضمت أذربيجان الغنية باكتشافات النفط والغاز، إلى الحكومات الغربية ومصالح صناعة النفط، وحافظت بذلك على ابتعادها النسبي عن موسكو.
إمدادات الطاقة 
وعلى الرغم من أن تركيا قد تتضاعف خسارتها بسبب تهديد إمادادت الطاقة القادمة إليها من جنوب القوقاز، إلا أن الأطماع التوسعية لنظام أردوغان أقوى من تلك الحسابات. فبحسب مراقبين فإن الاشتباكات الدائرة حاليًا تُهدد بشكل كبير إمدادات الطاقة الوافدة للأسواق الأوروبية والدور اللوجستي الفاعل للمنطقة في هذا الشأن.
أوضحت تقارير أن التهديدات تمس بشكل مباشر خطوط أنابيب النفط والغاز وتربط منتجي آسيا الوسطي بالأسواق العالمية؛ إذ تقع المعارك بالقرب من هذه الأنابيب؛ إذ يمر خط الأنابيب الرئيس، خط أنابيب الغاز (باكو – تبيليسي - أرضروم)، الذي يمد تركيا بالغاز الأذربيجاني، عبر منطقة توفوز في أذربيجان، وتقع هذه المنطقة على الحدود مع منطقة تافوش في أرمينيا، حيث وقعت الاشتباكات.
المنطقة التي تُعتبر نقطة التقاء ومحطة عالمية رئيسة لنقل النفط والغاز، تضم ثلاثة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، روسيا، وإيران، وأذربيجان، بالإضافة إلى ثلاث دول تعتمد على واردات الغاز: أرمينيا، وجورجيا، وتركيا. وقدَّر محللون أن زيادة الأعمال العسكرية على كلا الجانبين تؤدي إلى تفاقم الخطر على النفط الإقليمي الحالي والبنية التحتية للغاز. كما ستتضرر تركيا بشدة حال تصاعد الصراع لأنها تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز من تلك المنطقة.
ويوجه خط أنابيب جنوب القوقاز الغاز الطبيعي إلى خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، وهو مكون رئيسي في جهود أنقرة لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية. وحاولت تركيا لسنوات تنويع وارداتها من الطاقة، لكن أنقرة لا تزال تعتمد بشكل كبير على موسكو.
ووفقاً للتقارير المنشورة سابقاً، فإن الغاز الروسي باهظ الثمن بالنسبة لتركيا، وتأخذه بمقابل ضعف ما يحصل عليه العملاء الأوروبيون، وهذا هو السبب في أن أنقرة متحفزة للتحرك بعيداً عن غاز روسيا.
ومن خلال الحصول على الغاز الأذربيجاني عبر خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، تمكنت تركيا من خفض تكاليفها بشكل كبير. ويمكن أن تتعمق الشراكة الأذربيجانية التركية بشكل أكثر مع ظهور فرصة جديدة في عام 2021 عندما تكون صفقة الغاز الرئيسة بين تركيا وروسيا في انتظار التجديد.
وتوقفت المفاوضات بين أنقرة وموسكو في أبريل عندما فشل البلدان في التوصل إلى اتفاق. كل هذه الأمور مجتمعة تعني احتمال خسارة روسيا حصة سوقية في سوق تنمو بمعدلات عالية ومهمة لها للغاية.
إقليم قره باغ
وأعلن إقليم قرع باغ في نهاية العام 1991 استقلاله عن أذربيجان، من دون أن يحظى باعتراف أي دولة، ولا حتى أرمينيا. وبين عامي 1988 و1994، شهد الإقليم حرباً بين أرمينيا وأذربيجان، أوقعت نحو ثلاثين ألف قتيل، وأدت إلى نزوح مئات آلاف الأشخاص غالبيتهم من الأذربيجانيين. وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في مايو 1994 بعد انتصار الطرف الأرمني، إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام.
والإقليم ليس به نفط أو غاز يُثير مطامع احتلال وسيطرة، إلا أن موقعه وتضاريسه الجبلية تمنحه ميزة استراتيجية لأرمينيا على أذربيجان الغنية بالنفط والغاز، ويعمل سكانه بصورة رئيسة في الزراعة، مستفيدين من تعدد الأنهار ومياه الأمطار التي تهطل صيفاً في الري وتوليد الطاقة الكهربائية، كما يمارس بعضهم أنشطة اقتصادية من قبيل التنمية الحيوانية والصناعات الخفيفة.
ويشبه الإقليم أرمينيا أكثر من أذربيجان من حيث اعتماد اقتصاده على الزراعة وصناعة التعدين، حيث إن جباله غنية بالمعادن الثمينة وشبه الثمينة مثل الذهب والنحاس. وتُعد أرمينيا الشريك التجاري الرئيس لإقليم ناغورني قره باغ.
ليست هناك إغراءات اقتصادية تثير المطامع في إقليم ناغورني قره باغ ، إنما هي فقط أهميته الاستراتيجية، رغم أن احتلال أذربيجان له لن يحل مشكلة أنها بلا حدود برية مع تركيا. وعلى الرغم من أن الحرب تُعتبر ذات تأثير سلبي أكبر على أرمينيا، لما يتعرض له اقتصادها من ضغوط زادت مع أزمة وباء كورونا، فإن أذربيجان أيضاً لديها نقطة ضعف تتمثل في خطوط أنابيب النفط والغاز من أراضيها إلى جورجيا.
التضيق على أرمينيا 
تحرص أذربيجان، بدعم من حليفتها تركيا، منذ توقيع اتفاق السلام بينها وبين جارتها أرمينيا عام 1994، على ألا تستفيد جارتها من أي مشروعات إقليمية، خاصة ما يتعلق بأنابيب النفط والغاز إلى أوروبا. وتمر تلك الخطوط عبر الحدود بين أذربيجان وجورجيا، ثم إلى تركيا.
وتعاني أرمينيا حصاراً اقتصادياً بإغلاق الحدود بينها وبين أذربيجان من ناحية، وبينها وبين تركيا من ناحية أخرى، ولا يبقى لها سوى حدود قصيرة مع إيران جنوباً وجورجيا شمالاً. وبالتالي تُعتبر أرمينيا، ومعها إقليم ناغورني قره باغ، في وضع اقتصادي صعب منذ سنوات لعدم وجود أي منفذ بحري لها مثلما لجيرانها كلهم وللتضييق على حدودها الأطول مع الجارتين المعاديتين.