الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

د. شهاب دغيم يكتب: شبح الإرهاب والتجاذبات السياسية في تونس

الرئيس نيوز

في كل مرة تشعر الحركات الدينية والمتطرفة بالخطر إلا ويعود الإرهاب إلى النشاط، لكن هذه المرة بدون إعلان وفي ذكرى انبعاث سلك الحرس الوطني بعد تزكية الحكومة الجديدة، تهتز مدينة سوسة على وقع عملية دهس وطعن إرهابية شنيعة طالت غدراً أعوان الحرس الوطني في مفترق طريق، سوسة المدينة الساحلية التي شهدت أكثر عمليات إرهابية منذ ما أطلق عليه إصطلاحا بالربيع.

تونس التي كانت أحد أهم النماذج العالمية في مقاومة الإرهاب والتوقي منه أصبحت أكبر ضحية له واحد أكبر البلدان المصدرة له في الحقيقة.

ما وقع في سوسة لا يبدو بمعزل عن السياسات التي توختها حركات الإسلام السياسي والتروكيا في التسامح مع الإرهاب وعدم مكافحته بجدية، فضلاً عن عدد الإرهابيين الذين سافروا لخدمة أجندات إقليمية في سوريا ووقع نقل جزء كبير منها إلى ليبيا.

من بعث بشباب تونس للمحرقة؟ لماذا أصبح الإرهاب قبلة الشباب التونسي؟ هذه أهم أسئلة يطرحها الشارع التونسي منذ سنوات.

إرهاب وجّه عنفه إلى الأمنيين والعسكريين بعد أن عجز عن تفكيك الدولة واختراقها في غياب سياسة واضحة وجدية في مقاومة الإرهاب، ستعود الذئاب المنفردة وسيعود من دفع بالإرهاب إلى الشارع التونسي لتحريك قنابل بشرية قابلة للانفجار في أي وقت.

الإرهاب رديف الأزمة السياسية والاجتماعية هو فكر الفقر الذي بشرت به ثقافة العنف والقتل ويستقطب كثيراً من الذي لفظتهه المدارس في غياب سياسات تربوية سليمة ويستقطب من همشتهم الحياة، حتى الذين قنصهم الأمن التونسي ثأراً لأعوان الحرس كانوا من نتاج سنوات ما أطلق عليه بالثورة.

بعد كل عملية إرهابية تتعالى أصوات بالدعوة إلى محاربة الإرهاب دون أي تصور أو روية، في ظل اختراق وزارة الداخلية وتفكك هياكل الدولة والصراع المتواصل الأطراف السياسية سيجد الإرهاب الظروف الأسهل لمواصلة هرسلة الأمن والجيش التونسي وتوجيه أسلحته نحوه.

منذ سنوات طال انتظار قانون الإرهاب الذي جاء مبتوراً وتحت ضغط اللوبيات السياسية وتأجل مشروع الوكالة التونسية للمخابرات الموحدة بعد أن حل جهاز استخبارات الداخلية التونسية إبان حكم التروكيا وأبعدت أهم القيادات الأمنية الناجعة في مقاومة الإرهاب.

مقاومة الإرهاب

مثلت الراديكالية والإرهاب والتطرف هاجساً جدياً لكل دول المنطقة يتجاوز الحدود الاجتماعية والإنسانية والإثنية والعرقية ليصبح ظاهرة شمولية تهدد وتضرب كل المجتمعات، لذلك نعتبر أنه لا يمكن تقديم مجرد حلول أمنية بوليسية لمقاومة هذه الظاهرة بل وجب اعتماد مقاربة شمولية تتضافر فيها جهود جميع الأطراف من دول وهيئات أممية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية والعائلات.

وأثبت الحل الأمني نجاحه على المدى القصير فتتالت الانتصارات التي حققتها قوات الأمن والجيش الوطنيين وأثبت عزم الدولة في المضي قدماً في دحر الإرهابيين وتطهير البلاد منهم.

لكننا ندرك عجز الحلول الأمنية وحدها عن مقاومة الإرهاب، ولا يمكن مقاومة الإرهاب إلا بسنّ التشاريع القانونية الكفيلة بالحد من الظاهرة ومقاومتها وبتمكين الأمن والجيش من الأطر القانونية والأسلحة والعتاد للتدخل ضد كل من تسول له نفسه الاعتداء على التونسيين وعلى حرمة الوطن.

يجب التذكير أنه في أعقاب التحول السياسي الجذري الذي شهدته البلاد في يناير 2011 ضعفت هياكل الدولة وساهم صعود الإسلام السياسي الحركي في انتشار الحركات الجهادية ودعوات الاستقطاب الأيديولوجي وتحولت تونس إلى أكبر مصدر للإرهابيين بعد أن كانت أكبر مصدّر للمهندسين وللأطباء في غياب كلي للمراقبة وتواطؤ يكاد يكون مفضوحاً.

إن الحلول السياسية والأمنية يجب أن تكون مصحوبة بإجراءات صارمة عبر مراقبة الجمعيات التي يشتبه في علاقاتها بالإرهاب ومراقبة المال الإقليمي الذي سبق أن أغرق البلاد وإعادة الاعتبار للهوية البائسة وتقديم قراءة معتدلة روحها قيم الإسلام التونسي السمح لمقاومة القراءات المشطة والإسلام المستورد والغريب عن مجتمعنا من ناحية إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية ناجعة تنقذ الشباب من البطالة والخصاصة وتحقق التنمية العادلة ومن ناحية أخرى لقطع الطريق أمام التغرير بخيرة شباب تونس واستقطابه.

تبقى أخيرا المعضلة التربوية عبر إصلاح البرامج التربوية ومراقبة رياض الأطفال والمدارس والمعاهد العشوائية التي برزت كالفقاقيع والتي يروّج بعضها لفكر متشدد، لمجابهة الإرهاب على الساسة اتخاذ الإجراءات الحقيقية والكف عن التلويح بالشعارات بعد كل عملية إرهابية دون أي حلول واقعية وفعلية.