الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

محمد فؤاد يكتب: من يقف وراء جريمة لاجون؟

الرئيس نيوز

لا جدال عن الارتباط الوثيق بين مفهوم الدولة وسيادة القانون فيها على كل عناصر هذه الدولة «حكومة ومواطن» وذلك في كل الأوقات دون أي استثناء، وأن أي خروج عن القانون فيها وغياب التقاضي يهز فكرة الدولة ذاتها. أما إذا وصلنا إلى مرحلة التجاهل التام للقوانين المنظمة والتعامل خارج أطرها المنظمة فنحن قد وصلنا إلى مفهوم اللا دولة.

أي أن مفهوم الدولة، لا يرتبط فقط بسلوك المواطن ومدى التزامه بالقوانين، ولكن أيضا الحكومة هي الأخرى مسئولة مسئولية مباشرة عن الالتزام بهذا المفهوم وأن أي سلوك تنتهجه يجب أن يكون مبنى على أسس قانونية سليمة، ومسئولتها كذلك تتضمن معاقبة أي جهة تخصها تجاهلت إنفاذ القانون.

ولكن ما جعل مفهوم الدولة مقصور على سلوك المواطن، هو ما عهدناه بالتزام الحكومة ورغبتها الدائمة في إنفاذ القانون، وأن المواطن دائما هو من يحاول تجاوز القانون المنظم والقيود التي يتضمنها لتنظيم الحياة بالدولة بما يضمن وجود دولة القانون، أما الآن فيبدو أن الحكومة أبت أن تظل في موقف الرقيب على تنفيذ القانون والملتزمة به وقررت هي الأخرى تجاوزه، وهو مؤشر خطير يستدعي وقفة.

حيث تابعت عن كثب ما قامت به مجموعة –لا أحد يعلم من تحديدا-، بهدم نادي وفندق لاجون بالإسكندرية، رغم أنه استثمار مصري سعودي، تم إنشاؤه بموجب التراخيص المطلوبة في 2004، وبه ما يصل إلى 30 ألف عضو ويمارس كافة أنواع الرياضات المحلية والعالمية، وبه ما يقرب من 500 عامل.

الكارثة، في أن "الجهة" أو "المجموعة" التي قامت في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس بالهدم لم يكن لديها أية مستندات خاصة بعملية الهدم، حيث توجهت إلى المكان وبدأت في إجراءات هدمه، وعندما استفاق مسئولي المكان و ورواده والعاملين حاولوا الاستفهام عن قرار الإزالة الذي استندت إليه الجهة المنفذة، ليتبين أن هذه الجهة ليس لديها أية أوراق أو قرارات بشأن إزالة الفندق. عبثا حاول الجميع إثبات الموقف أو توقيفه أو إجبار جهة الولاية وهي محافظة الإسكندرية عن حماية الملكية الخاصة أو تفسير ما يحدث إلا أن الجميع هرب من مسئوليته في لحظة حالكة السواد اهتزت فيها دولة القانون إلى حد السقوط.
تخيل معي هذا الوضع الكارثي، أن يستفيق صاحب عقار مثلا على وجود بعض المعدات تقوم بهدم عقاره المرخص منذ أكثر من 14 عاما، فيقوم بالاستفسار من أصحاب المعدات عن الجهة التي تقوم بالهدم، فيخبروه بعدم علمهم، ثم يطلب قرار الإزالة، فيتفاجأ بعدم امتلاكهم أية أوراق أو قرارات لما يقومون به.

الواقعة هي الأولى من نوعها، ففكرة أن الدولة تقوم بإزالة ملكية خاصة دون سند ورقي في سابقة ربما تكون الأولى في مصر، وتحمل في طياتها خطورة جمة على صورة التزام الحكومة بالقانون ومفهوم الدولة الذي ناضلنا كثيرا في سبيل تثبيته، ناهيك عن الضرر المباشر الذي سببه الموقف على الاستثمار و حقوق العاملين والمبدأ الدستوري الراسخ للملكية المصونة.

أعلم أن هناك الكثير من وقائع الإزالة للمنشآت بهدف الملكية العامة، وعاصرت العديد منها، ولكن هذه الوقائع جميعها استندت إلى وجود قرار وزاري مسبب و مدروس وتفاوض مع المالك وتعويض، ولم نشهد من قبل إهدار الحقوق وتجاوز القانون وإضرار الاستثمار بهذا الشكل الفج.

للأمانة لم أتفاجأ بموقف المسئولين والعمال بالفندق عندما قاموا بالتصدي لمحاولة الإزالة واحتجزوا المسئول عن التنفيذ، فهم لا يعلمون من هو وليس لديه قرار الهدم ولا أية أوراق تحميه، ولم يحاول أحد أن يعطي أي إجابة لهم.

لا يمكن وصف ما تم إلا بأنه اختلال واضح وتسيب قانوني فج، في سابقة هي الأولى من نوعها، بما يعد قفزة للمجهول ومؤشر على عدم احترام القانون ومفهوم الدولة، الذي دافع الرئيس السيسي كثيرا عنه، ولا بد أن تلتزم مؤسسات الدولة المعنية بتوضيح الأمر ومحاسبة المسئولين عنه والعمل على إعادة الحقوق لأصحابها خاصة وأنها المسئولة عن حماية هذه الممتلكات وليس التعدي عليها.

تقدمت بمذكرة بهذا الأمر إلى رئيس الوزراء ورئيس هيئة الاستثمار وقدمت أيضا سؤال برلماني في هذا الصدد، استشعارا مني بأن الأمر لا يمثل مجرد هدم عقار أو ملكية بل أنه يمثل إنحدار خطير شرعت فيه "مجموعة" غير معلومة بهدم ملكية خاصة دون سند في ظل صمت عاجز لجميع الأجهزة التنفيذية. 

إن الهدم الذي تم في فجر يوم الخميس لم يطال المباني فحسب بل إن معول الهدم امتد إلى صلب الدولة نفسها حين أهدر الدستور والقانون، وإن مرّت هذه الواقعة مرور الكرام دون توضيح أو حساب سيكون هو الحدث الأخطر على الدولة ومبادئها وسيترك انعكاسات سلبية يصعب محوها.