الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

محمد فؤاد يكتب: قانون التصالح ظالماً ومظلوماً

الرئيس نيوز

لم يعد خافيًا أن قانون التصالح في مخالفات البناء يعاني أزمات جمّة في التطبيق، وأن سمعته لدى الأوساط الشعبية ليست جيدة بالقدر الكافي الذي يدفع المواطن للالتزام به، كما أن وعي الشارع به ليس كاملا وهناك الكثير من الغموض الذي يلاحقه، وذلك على الرغم من فلسفة القانون التي تمثل منحة حكومية للمواطن حتى لا يظل في وضع المخالف.


وفي تتبعي لأسباب عدم تحقيق القانون للمرجو منه على أرض الواقع، اتضح أن كلا من المواطن والحكومة بجهاتها المعنية بتنفيذ القانون؛ يتحملان معا وزر تحول هذه المنحة إلى نقمة يئن منها الشارع، بما يتطلب إعادة تقييم الموقف، ووضع تصور لحل جميع الأزمات التي واجهها تطبيق القانون، حتى تستقيم الأمور وتعود إلى نطاقها الصحيح.

وأول هذه الأزمات هو موقف المواطن ومطالبه غير المنطقية من التشريع، خاصة وأنه يرفض أن يتعامل القانون بأثر رجعي، على التضاد تماما مع هدف التشريع وفلسفته التي تهدف إلى تدارك مخالفات تمت في وقت سابق، وأن تعطي للمواطن رخصة بأن مخالفته السابقة انتهت ويمكنه الاستمتاع بكل الخدمات الحكومية وتوصيل المرافق وغيره.

 ومن الأساس فإن فكرة التصالح في مخالفات البناء ليست مستحدثه بموجب القانون الجديد، ولكنها موجودة في القانون 106 لسنة 76، بل على العكس، تضمن القانون الجديد شروطا أخف في التصالح، وأقر التصالح مع حالات كان لا يمكن التصالح معها بموجب القانون القديم، أي أن بنود القانون فرصة حقيقية للمواطن بديلة عن الهدف التام.

 ومعنى هذا أن وجود مثل هذا القانون بفلسفته المبنية على التصالح في المخالفات التي لا يجيز قانون البناء التصالح معها، هو أمر حتمي يأتي خصيصا لصالح المواطن وأن يعفيه أي إجراءات عقابية من الحكومة –يبيحها القانون القديم- حتى تقضي على المخالفة.

 ولكن إشكالية القانون الجديد ليست في الموقف الشعبي منه، ولكن الحكومة هي الأخرى تتحمل جانبا مهما من أسباب تعطيله وعدم استجابة المواطنين له، خاصة وأن هناك العديد من الأزمات التي ارتبطت بآلية التنفيذ من قبل الجهات المعنية، أبرزها عدم كفاية فترة ٦ أشهر من تاريخ صدور اللائحة المعدلة، ومعاناة ذوي الشأن في توفير المستندات المطلوبة للتقنين، وبعض الاشتراطات التعجيزية وغير المنصوص عليها بموجب القانون للتصالح، ومن بينها عقد اتفاق موثق بالشهر العقاري.

ناهيك عن مخالفة الجهات التنفيذية للفقرة الثانية من المادة ٣ من القانون، ومفادها أنه بمجرد تقديم طلب التصالح مرفق به إيصال سداد رسم الفحص يستحق مقدم الطلب الحصول على نموذج ٣، حتى استيفاء المستندات؛ وفقا للمواعيد المنصوص عليها، وهذا ما لم يحدث على الواقع العملي، بما يمثل مخالفة لمواد القانون وأيضا تضاد مع تعليمات مجلس الوزراء ووزير التنمية المحلية، بشأن التيسير على المواطنين، مما يتسبب عمليا في تعرض راغبي التقنين والتصالح إلى خطر رهيب في إطار تزايد حملات الإزالة.

 كما أن هناك معاناة شديدة وخاصة في القرى من ضرورة توفير تقرير هندسى بشأن الهيكل الإنشائي والسلامة الإنشائية للمباني، وهو مالا يتفق وطبيعة البناء البسيط في تلك المناطق، بالإضافة إلى تضارب أحكام اللائحة التنفيذية بشأن الحق في تقسيط قيمة التصالح حتى ٣ سنوات مع اللائحة التي نصت على عدم جواز إصدار قرار قبول التصالح إلا بعد سداد مقابل التصالح.

 وقد أظهر الواقع التطبيقي للقانون، مشكلات لم تكن في خاطر الحكومة والبرلمان وقت إعداد القانون أو لائحته التنفيذية، ومنها أنه لم يتم تحديد مدى جواز التصالح من جانب أحد قاطنى الوحدات السكنية بالعقار دون غيره في ظل استمرار غياب وعي المواطنين بذلك، وكذلك عدم معالجة ما يخص العقارات المبنية دون رخصة من الأساس، وفي ظل وجود ما يدعى "كحول" وإختفائه وعدم القدرة على الوصول إليه أو للمالك الحقيقي لحل أزمة العقار والتصالح فيه.

 وبالطبع هناك معاناة من سوء معاملة الموظفين، واستغلال جهلهم بالإجراءات وانهاكهم في إجراءات غير ضرورية، وعدم تدريب الموظفين على تطبيق أحكام القانون بشكل منضبط، بما سبب فتح باب المفسدة، وكان خير دليل على ذلك ماحدث خلال واقعة الزيارة المفاجئة لمحافظ الجيزة إلى حي العمرانية، إذ تبين خلالها تعليق ٢٩٧ طلب دون النظر أو البت فيهم، تزامنا مع وجود حملات ازالة، مما قد يضع تلك العقارات محل ضرر.

وعلى ما سبق يتبين جليًا أن الأزمة الحقيقية لم تصبح في نصوص القانون أو اللائحة بقدر وجود الأزمة في التطبيق، ما يستوجب إعادة تقييم الموقف واتخاذ الحكومة إجراءات إصلاحية في هذا الشأن، ومن بينها التوجه نحو التدريب لرفع كفاءة العاملين على تطبيق القانون وتدريبهم قانونيا على تطبيق القانون بمفهومه الصحيح، وتشديد الرقابة على الموظفين لدرء باب المفاسد، وإتاحة فرصة وحرية أكبر للجان في التعامل مع كل حالة على حدى وفقا لما أباحه المشرع بموجب أحكام القانون.

في الختام لا يسعني إلا تأكيد حتمية وجود القانون وضرورة التزام المواطن بإجراءات التصالح، وأيضا أن تعمل الحكومة من ناحيتها على تسهيل إجراءات التصالح وتقليل تكاليفها، وتعاملها السريع مع أي أزمات تطبيقة تلاحق القانون على أرض الواقع، حتى تضمن الالتزام بفلسفته الأساسية التي تهدف لحماية المواطن من وضع المخالف.