الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"تبخر حلم الخلافة".. أردوغان يلهث وراء أوهام أجداده دون جدوى

الرئيس نيوز

في عام 1924، بعد عام من إعلان الجمهورية في تركيا، ألغى القائد السابق في جيش الإمبراطورية العثمانية المتقلصة، وبطل الحرب العالمية الأولى مصطفى كمال باشا الخلافة التي دامت قرونًا، وعاش آخر خليفة عثماني ما تبقى من حياته في المنفى، وبهذا القرار، لم يطلق كمال مشروعه الجمهوري العلماني الطموح في تركيا فحسب، بل أطلق أيضًا سباقًا بين القادة المسلمين والملوك ليبزغ بعد ذلك قادة جدد ومعروفين للعالم الإسلامي، وهذا ما ناقشه تقرير جديد أعده طنديم باراشا لموقع Dawn.com.

كانت مجموعات إسلامية مختلفة حول العالم قد استشاطت غضبًا ضد القوى الأوروبية التي كانت في حالة حرب مع العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، ولكن بعد هزيمة العثمانيين أشاد العديد من القادة السياسيين والمفكرين المسلمين بوصول كمال أتاتورك إلى السلطة ورأوه وجهًا عصريًا وحديثًا لقيادة العالم الإسلامي، ولكن العقبة أمام ذلك كما أوضحها المؤرخ البريطاني إي كيدوري، في مقال نشر عام 1963 لمجلة الجمعية الملكية الآسيوية لبريطانيا العظمى، هي أن كمال كان مدركًا لحقيقة أن فكرة الخلافة كانت متأصلة بعمق في أذهان المسلمين. 

وفقًا لكيدوري في مرحلة ما، أراد كمال أن يسمي نفسه الخليفة الجديد، لكن بما أن هذا كان سيناقض مع شروعه العلماني والجمهوري، فلم يفعل ذلك، ومع ذلك، حرص كمال اتاتورك على تقديم نسخة هزيلة من الخلافة متمثلة في الشيخ أحمد السنوسي، وهو زعيم عربي لطائفة صوفية، واعترف به اتاتورك خليفة إسميًا طالما بقي خارج تركيا.

يشير هذا إلى أنه على الرغم من إطلاق مشروع جامح لعلمنة تركيا، إلا أن كمال أتاتورك كان لا يزال مهتمًا بالاحتفاظ بدور تركيا كزعيمة للعالم افسلامي روحيًا وسياسيًا على أسس براجماتية بحتة، ولكن بعد إلغاء الخلافة العثمانية، اندفع اثنان من المتنافسين للمطالبة بلقب خليفة المسلمين: الملك فؤاد ملك مصر ومؤسس السعودية الملك عبد العزيز آل سعود، الذي وحد الأراضي العثمانية السابقة في ما أصبح المملكة العربية السعودية في عام 1932.
في عام 1926، نظم فؤاد الأول مؤتمرا دوليا للمسلمين في القاهرة. لم يحضره الملك عبد العزيز. وبعد أسابيع، عقد سعود مؤتمرا مماثلا في مكة. لم تحضر تركيا، ولم تحضر إيران ذات الأغلبية الشيعية أياً من المؤتمرين.

وبعد ظهور تحدي "العثمانية الجديدة" في تركيا، تكافح المملكة العربية السعودية لإحياء أفكار الملك فيصل الإصلاحية، والهدف، كما كان من قبل، هو قيادة العالم الإسلامي السني.

في عام 1947، ظهر لاعب أصغر بكثير في هذا السباق، أطلقت على نفسها اسم باكستان. تأسست في أغسطس 1947 من قبل الرابطة الإسلامية لمحمد علي جناح، بناء على فكرة متطورة ظهرت في القرن التاسع عشر. لقد اتخذ نهجًا "حديثًا" لفهم الإسلام. ثم تطورت هذه القومية الإسلامية التي أعيد تشكيلها على أنها القومية الباكستانية. 

ووفقًا للعالم السياسي الفرنسي كريستوف جافريلوت، فإن هذا النهج قد نقل الطقوس الإسلامية إلى المجال الخاص وأدخل الإسلام في الفضاء العام كمؤشر للهوية السياسية والثقافية المستوحاة من كتابات الإصلاحيين المسلمين مثل السير سيد أحمد خان والشاعر والفيلسوف محمد إقبال، في مقابل "القبلية" المتأصلة في الأنظمة السياسية العربية. ودعا إقبال إلى إيمان يفهم ويستوعب احتياجات العصر الحديث.

وهذا لم يرضي المملكة العربية السعودية، التي اشتبهت في أن باكستان كانت تحاول تقويض دور المملكة التي نصبت نفسها بنفسها كقائدة للعالم الإسلامي ما بعد الاستعمار. 

مصر تتولى زعامة العالم الإسلامي بلا منازع

لكن جمال عبد الناصر، الرئيس الراحل الذي وصل إلى السلطة في أعقاب ثورة يوليو عام 1952 يعد الأكثر تأثيرًا وأشاد المسلمون في جميع أنحاء العالم بناصر باعتباره بطلًا وبصفة خاصة عندما تمكن في عام 1956 من الحفاظ على هذا الدور وتصدى للعدوان الثلاثي فتحول إلى رمز كبير.

ومن خلال مبادئ "الاشتراكية العربية" والحداثة الملائمة لاحتياجات الأنظمة الإسلامية المتطورة، سخر ناصر من المملكة العربية السعودية لكونها رجعية ومتصلبة. وطوال العقد التالي للعام 1956، وحتى 1966، كانت مصر تحت حكم عبد الناصر زعيمة بلا منازع للعالم الإسلامي، وألهمت أعدادًا كبيرة من المسلمين في المناطق العربية وغير العربية على حد سواء.

بعد تأثره بمكانة ناصر في هذا السياق، وأيضًا بسبب انتقاداته للمملكة العربية السعودية، كشف العاهل السعودي الملك فيصل الذي اعتلى العرش في عام 1964 عن عملية تحديث محمومة في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، بدأ سحر عبد الناصر وتوهجه وتأثيره في الانحسار فجأة في اعقاب نكسة 1967.
في عام 1970، توفي ناصر، واندفعت المملكة العربية السعودية مرة أخرى على أمل اقتناص مكانة عبد الناصر كزعيم للعالم الإسلامي. وعززت الأرباح المفاجئة التي تحققت خلال أزمة النفط عام 1973 من تأثير ما أصبح يعرف باسم "البترودولار". 

استخدم الملك فيصل بذكاء هذه الأمور لتوطيد العلاقات بالرئيس الراحل أنور السادات. وكان فيصل أيضًا على علم بطموحات رئيس الوزراء الباكستاني ز. بوتو الذي تصور نفسه كبطل للعالم الإسلامي الحديث، ولكن منذ أن خسرت باكستان حربًا في عام 1971 وكان اقتصادها ضعيفًا، أدخل الملك فيصل باكستان بالكامل في الفلك السعودي الآخذ في التوسع.

بحلول ثمانينيات القرن الماضي، ومع تدفق الدولارات النفطية وزيادة شعبية "الإسلام السياسي" في الدول الإسلامية، شهد النفوذ السياسي والديني السعودي تصاعدًا ملحوظًا لم يضاهيه  سوى الولي الفقيه المتطرف في إيران، خاض البلدان حرب نفوذ ضارية من خلال وكلاء طائفيين في دول مثل باكستان ولبنان.
ومع ذلك، في القرن الجديد، وفي أعقاب أحداث مثل الربيع العربي، وسقوط الديكتاتوريات في ليبيا والعراق وتونس، والحروب الأهلية في أفغانستان والصومال وسوريا واليمن، وظهور العديد من الجماعات الإسلامية المعادية للدولة في معظم البلدان الإسلامية إلى جانب تراجع الولايات المتحدة وصعود الصين، بدأ العديد من الدول الإسلامية بإعادة النظر في أولوياتها الاستراتيجية وحتى صياغة خطابها الديني وطابعها الأيديولوجي لعقد تحالفات جديدة.
ولم يكن حظ تركيا التي انسحبت من لعبة القيادة الإسلامية منذ عقود إلا اللهاث بدون أمل، بعد أن دخلت المعركة مرة أخرى وتحاول استدراج المناطق الإسلامية غير العربية للانفصال عن المدار السعودي.  
وهذا أحد أسباب محاولة السعودية تصحيح المسار وإحياء الأفكار الإصلاحية للملك فيصل. في حين أن الجانب المحافظ من الأيديولوجية السعودية قد انتقدته مصر في الماضي، إلا أنه هذه المرة يواجه تحديًا من قبل "العثمانيين الجدد" بقيادة أردوغان، والذي ينتقد المملكة العربية السعودية فقط لتبديد التأثير الذي ظلت تتمتع به لعقود من الزمن كقائد للعالم الإسلامي منذ خفوت نجم عبد الناصر، وتريد تركيا بشراسة أن تدعي لنفسها هذه المكانة، ولكن هيهات.