الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

محمد فؤاد يكتب: وزير التعليم و«عش الدبابير»

الرئيس نيوز

منذ اللحظات الأولى للدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم في مهمته وأنا من أشد الداعمين له، وخاصة في العديد من المواقف الحرجة التي واجهها الوزير بسبب منظومته الجديدة التي يحاول تطبيقها، فهو من وجهة نظري لديه فكر متطور ومنظومة جديرة بالدعم يحرص على تنفيذها في مصر.

كنت أؤكد دائما أن معركة إصلاح منظومة التعليم ليست مهمة الوزير وحده ولا يجب أن تتركه باقي جهات الدولة يصارع منفردًا المنظومة القديمة المستشرية، خاصة وأن منظومته تعتمد كثيرا على جهات لا تخضع لوزارة التعليم كالاتصالات تحديدا، وأيضا وجهته كثيرا بأن استحداث منظومة جديدة لا بد أن يبدأ بمنظومة إدارية تواجه فساد المنظومة المعمول بها.

أذكُر أن الوزير في أولى اجتماعته بمجلس النواب، تحدث مستعرضًا خطته في إصلاح التعليم المصري، مقسِما الأزمة التي يعانيها التعليم إلى جزئيتين أولهما تقادم المنظومة وعدم مواكبتها التطور عالميًا واحتياجات الطلاب، والأخرى المشكلات الإدارية التي تعاينها تقريبًا جميع أجهزة الدولة الحكومية، وكان محقًا في وصفه لهذه الجزئية بأنها "عش الدبابير".

ورغم ذلك دلّت سياسات الوزير وجهوده بأنه معني في المقام الأول بالتطوير فقط ولم يعمل على الجانب الإداري بالتوازي مع عملية التحديث، وأظن أنه خطى خطوات جديرة بالإشادة في هذه الجزئية وأصبح ذلك واضحًا خاصةً مع الأعباء التي فرضتها جائحة فيروس كورونا على الواقع التعليمي.

يبدو أن الوزير لم يستطع التعامل مع عش الدبابير، فتركه كما هو دون أي محاولات لمعالجته أو على الأقل تحييده موقتًا، متجاهلًا أن هذه الدبابير هي المعطل الأساسي لمنظومة التحديث ومشروعه التطويري الذي يعمل عليه، وأن بمقدور المنظومة الإدارية التي تسلل إليها الفساد على مدار عقود أن تلدغه.

ولم يدم الأمر طويلًا حيث تمكنت هيئة الرقابة الإدارية من القبض على المدعو/ أحمد صابر سليم وهو صاحب شركة خاصة تعمل في مجال الدعاية والإعلان، وذلك لانتحاله لصفة المستشار الإعلامي لوزارة التربية والتعليم واستغلال المنصب المزعوم في الحصول على منافع مادية وعطايا عينية واعتياده على استخدام تلك الصفة للنصب على المواطنين الراغبين في إنهاء مصالحهم.

الكارثة الأكبر أن هذا الشخص المقبوض عليه لانتحاله صفة المستشار الإعلامي لوزير التربية والتعليم وصل به الأمر إلى تمكنه من إطلاق العديد من التصريحات الصحفية الخاصة بوزارة التربية والتعليم تعتمد على توصيفه كمستشار إعلامي للوزارة، والأدعى من ذلك هو دعوته بالعديد من المؤتمرات والفعاليات بل وبرفقة السيد وزير التربية والتعليم نفسه.

فقبل أن تقوم هيئة الرقابة الإدارية بدورها في القضية بالتحقيق معه، لا بد أن تحقق الوزارة ذاتها في هذه الكارثة لتبيان أسباب تمكن شخص في الوصول بانتحال الصفة إلى هذا القدر الغريب الذي يؤكد وجود من ساعده في الوزارة خاصة مع دعوته إلى مؤتمرات رسمية بالصفة التي انتحلها.

وقبل هذه الواقعة بأيام قليلة ألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض على قيادات بإحدى المديريات التعليمية بسبب رشوة تفوق المليون جنيه لتسهيل إنهاء إجراءات زيادة كثافة الطلاب بفصول القسم البريطاني بإحدى المدارس وتعديل بعض التقارير الصادرة عنها بالمخالفة للوائح المنظمة، وكذلك معاونتهم في الحصول على ترخيص إنشاء فصل للقسم الأمريكي.

ليس خفيًا على أحد حجم الفساد المستشري داخل المنظومة التعليمية، خاصة وأنه لا توجد أسرة مصرية لم تتعامل مع هذه المنظومة التي تسرب إليها الفساد واستقر فيها، بشكل يعطل أي خطط تطويره ينوي الوزير تطبيقها، ولم يعد خافيا كذلك أن المنظومة الإدارية داخل الوزارة وجهاتها هي الأجدر بالإصلاح والتطوير ومواجهة عش الدبابير داخلها، حتى يمكن لاحقا رؤية عملية الإصلاح.

الوزير شوقي ليس في تجربة معملية مضمونة النتائج إذا كانت المعطيات والخطوات صحيحة، ولكنه أمام تجربة واقعية متشعبة تستند إلى منظومة إدارية سادها الفساد والبيروقرطية المستفزة في جوانب كثيرة منها، فلا بد أن يكيف خطته على هذا الأمر ويعلي قدر الإصلاح الإداري قبل أي تطوير، حتى يضمن سلامة التطبيق أو على الأقل عدم تعطيله من الدبابير الكثيرة المنتشرة داخل وزارته.