الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

سد النهضة.. محطات جديدة من الصراع على النيل في إفريقيا

الرئيس نيوز

نشرت مجلة The National Interest الأمريكية تقريرًا لـ"سكوت ب. ماكدونالد" حول ملف السد الإثيوبي على النيل الأزرق، والذي يلعب دورًا مهمًا في توفير المياه للشرب وري المحاصيل وكذلك وسائل النقل في مصر.

وركز التقرير على أن إحدث تطورات ملء الخزان اللازم لتوفير تدفق المياه لمشروع الطاقة الكهربائية الطموح الذي تتابعه أديس أبابا، يوفر نفوذًا كبيرًا للبلدان أدنى مجرى النهر ويمكن أن يعزز قوة أديس أبابا في جميع أنحاء أفريقيا، ويثير برنامج السد الإثيوبي أيضًا العديد من الأسئلة حول قضية الأمن الغذائي الحساسة وهي أسئلة طويلة الأجل بالنسبة لمصر والسودان، وهما دولتان ذات عدد كبير من السكان يتزايد عددهما ولديهما تاريخ طويل من الجفاف والفيضانات. تعتبر مصر الخزان مهددًا بانخفاض تدفق المياه عند مصب النيل، مما يشكل مشكلة للأمن القومي.

اعتبر التقرير التطورات الأخيرة لخزان السد حدثًا من المرجح أن يكون له عواقب طويلة المدى على المشهد الجغرافي السياسي والاقتصادي في المنطقة، لافتًا لأن مياه النيل بالغة الأهمية بالنظر إلى أن الزراعة تمثل 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، ولا تزال أكبر قطاع اقتصادي لأكثر من 31.2 في المائة من إجمالي السكان، وتستهلك الزراعة في مصر 80 في المائة من إجمالي المياه العذبة. بل ترتبط هوية مصر ارتباطًا وثيقًا بالنهر الخالد. ويعيش حوالي 97 في المائة من السكان على 4 في المائة من إجمالي مساحة مصر في وادي النيل والدلتا. 
دولتي المصب
وأشار التقرير إلى قلق مصر أي انخفاض جذري في تدفق المياه بمرور الوقت، وما يمكن أن يترتب على ذلك من عواقب اجتماعية واقتصادية كبيرة، خاصة خلال الفترة التي تتعامل فيها البلاد مع الآثار السلبية لوباء كورونا والتباطؤ الاقتصادي العالمي.
 وأوضح بنك التنمية متعدد الأطراف أن "دلتا النيل المصرية وسواحل مصر على البحر المتوسط أكثر عرضة للتغيرات في السواحل بسبب التآكل والتراكم والهبوط وارتفاع مستوى سطح البحر بسبب تغير المناخ. غالبًا ما تؤدي الأمطار الغزيرة إلى فيضانات مفاجئة في مصر"، لافتًا لأن  قلق الحكومة المصرية يرجع لأن  دلتا النيل تكافح بالفعل مع ارتفاع مستوى سطح البحر، والتأثيرات السلبية التي تنتج عن تراجع تدفق المياه في النيل من تغلغل مياه البحر في الأراضي الزراعية في الدلتا.
في السياق نفسه تحتاج الأراضي السودانية إلى تدفق مستمر من المياه، بالنظر إلى كفاحها لإصلاح اقتصادها واستعادة درجة من الاستقرار السياسيإ إذ عانت البلاد من صراع اجتماعي طويل الأمد، وحرب أهلية، وفي يوليو 2011، فقدت ثلاثة أرباع إنتاجها النفطي بسبب انفصال جنوب السودان، كما دفع قطاع النفط معظم نمو الناتج المحلي الإجمالي للسودان منذ عام 1999. وبدون قطاع النفط، كان السودان يسعى إلى تطوير أو تحسين القطاعات الأخرى، بما في ذلك الزراعة.

ورغم أن السودان أقل اعتمادًا على النيل من مصر، فإنها لاتزال بحاجة إلى النهر كمصدر للمياه والنقل، وبالتالي فإن أي ترتيبات تتعلق بالنيل تهم السودان بشدة.
الصراعات السياسية في أثيوبيا 
على الرغم من أن إثيوبيا كانت واحدة من الدول الأفريقية القليلة التي هربت من فترة استعمارية طويلة، إلا أن حياتها السياسية ما بعد الحرب أوقعتها في اضطرابات كبيرة، بدءًا من عام 1974 عندما أطاحت ثورة ماركسية بعنف بالإمبراطور هيلا سيلاسي. وتبع ذلك (الرعب الأحمر الذي قتل ما يقدر بنحو خمسين ألف شخص في 1976-1977)، والمجاعات في الثمانينيات (التي قتلت أكثر من مليون شخص) والتمردات، إذ تم إنهاء النظام الماركسي أخيراً في عام 1991، وبعد ذلك بعامين، فقدت إثيوبيا ساحلها عندما انفصلت إريتريا، بينما انفصلت جارتها إلى الجنوب الشرقي، الصومال، في أعقاب حكم سياد بري، حيث ولدت بعض المناطق جماعات متطرفة تدين بالتبعية لتنظيم داعش الإرهابي والقاعدة. 

كانت التسعينات بمثابة بداية إحياء إثيوبي، إذ أشار ديفيد بيلينج، محرر إفريقيا في الفاينانشيال تايمز لأنه "على مدى العشرين عامًا الماضية، نما اقتصادها سنويًا بما يقرب من 10 بالمائة. وقد حول هذا ما كان من أفقر دول العالم إلى دولة لديها فرصة تنافسية للوصول إلى وضع الدخل المتوسط بحلول عام 2025، على الرغم من عدم استقرارها السياسي إلا أن السد على النيل الأزرق، يعتبره الإثيوبيون رمز قوي للنهضة الإثيوبية".

وأوضح أن أهمية السد أصبحت أكثر قابلية للفهم من خلال تقييم البنك الدولي للضعف البيئي في إثيوبيا: "إن إثيوبيا لديها درجة عالية من المخاطر بما في ذلك مخاطر الأرصاد الجوية المائية والكوارث الطبيعية. يتفاقم الضعف بسبب ارتفاع مستوى الفقر في البلاد واعتمادها على القطاعات الرئيسية الأكثر تأثراً بتغير المناخ: الزراعة والمياه والسياحة والحراجة. في حين أن البلاد معرضة لمخاطر عالية للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف، فإن تنوعها الطبوغرافي والقطاعات المهمشة للغاية من السكان، تجعلها معرضة بشكل إضافي لانهيارات لا حصر لها.
السد الإثيوبي 
في هذا السياق، يمنح السد إثيوبيا بنية تحتية تشتد الحاجة إليها للتعامل مع كل شيء من زيادة عدد السكان إلى توفير توليد الطاقة المنتظم، وهناك عامل آخر مؤثر وهو أن الوضع السياسي في إثيوبيا هش، تولى رئيس الوزراء أبي أحمد منصبه قبل عامين، بعد فترة من الاضطرابات السياسية الكبيرة. كان من المقرر إجراء الانتخابات في البداية في عام 2020، ولكن تم تأجيلها حتى عام 2021 بسبب فيروس كورونا، ومع ذلك، ترك هذا سياسة البلاد على حافة الهاوية، وهو وضع انفجر بسهولة  بمقتل مغني شعبي في الآونة الأخيرة، مما أثار توترات عرقية، إذا كان أحمد سيتراجع عن ملء الخزان، فإن ذلك يمكن أن يضر بفرص حزبه في صندوق الاقتراع.
 من المرجح أن يظل السد الإثيوبي مشكلة كبيرة في علاقات إثيوبيا مع مصر والسودان، في حين ستكون نتائج الحرب مأساوية (لا يمكن للسودان تحمل الحرب الآن)، فمن المرجح أن تلجأ القاهرة وأديس أبابا  إلى حشد الضغوط الخارجية من الأصدقاء والحلفاء.