الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

«الهروب للأمام».. تفاصيل القوى السبعة في مواجهة سياسة أردوغان

الرئيس نيوز

 من المستحيل فهم حالة السياسة الخارجية التركية من دون سياق تاريخي، إذ كانت النتيجة النهائية للحرب العالمية الأولى هي المصدر الفعلي لعبارة "ضد القوى السبع".. والتي لا تزال تطارد الحكام القوميين المتشددين في البلاد باستمرار، بينما ألقي الألمان في عشرينيات القرن العشرين باللوم على معاهدة فرساي في كل المعاناة التي واجهوها، لم تعد حقيقة خفية بعد الآن أن كوكبة السلطة الحالية في أنقرة، وهي مزيج غريب من الإسلاميين والقوميين العلمانيين العدوانيين، أصبحت ناشطة في التشكيك في بعض الجوانب الرئيسية لمعاهدة لوزان، التي شكلت تركيا الحديثة كما نعرفها اليوم.
باختصار، ليس لدى الأتراك أصدقاء، كل العالم ضدهم، هذا هو المفهوم الذي يوجه السياسة الخارجية التركية اليوم، حيث تقود سياسة أردوغان الخارجية البلاد إلى مغامرة لا يمكن مقارنتها إلا بخطوة الحكومة العثمانية الراحلة غير المتعقلة لجر نفسها إلى الحرب العالمية الأولى عام 1914.

عزلة ذاتية 

تصم الطغمة الحاكمة في تركيا الآذان وتتعمد عدم الاستماع للأصوات التي طالما حذرت من أن تركيا، إذا تم دفعها إلى العزلة الذاتية، واستمرت في عدم الاكتراث للتطورات في محيطها ، ستسبب مخاطر لا يمكن إصلاحها لشعبها على المدى المتوسط والطويل.  
وتشير صحيفة الأحوال التركية في تحليلهاللسياسة الخارجية التركية، إلى أن الخلل الحقيقي يكمن في تطرف حكام تركيا اليوم سواء من الإسلاميين مثل أردوغان أو القوميين مثل زعيم حزب الحركة القومية التركية "دولت بهجللي"، الذي صرح في أكثر من مناسبة بما يدل على الطموحات التوسعية وضرورة أن تكون خطوط الدفاع عن تركيا خارج حدود تركيا، فقال: "يجب أن يبدأ خط الدفاع النهائي للوطن بالعتبات المحددة في خريطة "القسم الوطني" (Misak-ı Milli). 
وأضاف: "قدمت تركيا أي تنازلات من حقوقها ونفوذها فهذا يعني أنها وافقت على أن تجعل الأساس الوحيد لوجود الدولة قابلاً للنقاش.. دعونا نعلم أنه إذا انسحبنا في أي وقت من تلك المناطق عبر حدودنا، إذا خضعنا للتهديد، فستخضع تركيا لهجمات متزامنة من قبل الخونة والمضطهدين''.

وأوضحت الصحيفة أنه لا ينبغي أبدًا اعتبار مثل هذه التصريحات بمثابة فظاظة أو شعبوية، ولا على أنها تهديدات فارغة، خاصة أن "بهجللي" جاد للغاية، وهو الذي يحكم أنقرة  بما في ذلك أردوغان الذي يعتمد على دعمه - كرئيس فعلي لتركيا، إنه يعني ما يقوله ويعلم أنه يحظى بدعم الكوادر الحاكمة وكتل المجتمع الكبيرة.

التطرف التركي 

وأضاف التقرير أن الظروف الداخلية التي تعاني من الأزمات العديدة في تركيا تجعل الساحة جاهزة لجميع أنواع التوقعات بما في ذلك اندلاع الغضب في أي وقت. ويدرك المراقبون ذلك جيدًا، من منظور ما يتصوره الثنائي أردوغان وبهجللي للبلاد في عام 2023، وهما مدعومان من بعض الضباط المتطرفين التوسعيين، اما لماذا العام 2023؛ فهو الذكرى المئوية للجمهورية والهدف هو إعلان أن "تركيا عادت مرة أخرى"، مع موطئ قدم دائم في كردستان العراق وسوريا وقطع كبيرة من قاع شرق البحر المتوسط، أي ليبيا. وليبيا تحديدًا تحولت إلى الهدف الأكثر وضوحًا والأسرع صعودًا في الطموحات التركية، هو في الواقع الأكثر حسماً، ولكنه الأضعف.

في حين أن غارات أنقرة عبر الحدود عبر العراق وسوريا قوبلت بردود فعل خجولة ومتذبذبة من حلفائها، فإن تدخلها الجريء في ليبيا يُعد بحق وضع تركيا ضد "القوى السبع"، وتشمل البلدان التي يكمن القلق منها على مصير تركيا: فرنسا وروسيا والصين (وجميعها جزء من الدول الخمس الدائمة في الأمم المتحدة) ومصر واليونان - ناهيك عن جيران ليبيا وتونس والجزائر.

ماذا عن الولايات المتحدة؟ ما يبقي واشنطن في موقف متردد يتعلق بشكل رئيسي بنوايا روسيا وحسابات القط والفأر المزمنة بين واشنطن وموسكو، ولكن من المعقول القول بأن دفع أردوغان من أجل موطئ قدم دائم في ليبيا - الذي يُنتقد على نطاق واسع باعتباره ركيزة حيوية لطموح تركيا الإسلامي والقومي للاستعمار - يكشف عن فجوة كبيرة بين الرئيس دونالد ترامب والمؤسسات الأمريكية الرئيسية.

الحلقة الأضعف 

وتعتبر أنقرة "ترامب" هو الحلقة الأضعف في تحديها لسلسلة "القوى السبع". كل خطوة قام بها تحالف (أردوغان - بهجللي) في الشرق الأوسط وليبيا، شجعتها سياسة ترامب غير الحاسمة في الشرق الأوسط. ويتوقع أردوغان النجاح في كل مرة اختار فيها ترامب هذا الموقف المتذبذب ودق أردوغان إسفين داخل الناتو.
يمكن القول أنه عندما يكتب التاريخ عن كارثة واسعة النطاق في المنطقة في المستقبل، سيُنظر إلى ترامب على أنه الجاني الرئيسي.
ولكن، أكثر من ذلك، التراخي الذي أظهرته شرائح الغرب الساعية للسلام في تحليل خطورة السياسة الخارجية التركية أمر محير. يمكن أن تكون صدمة وباء كورونا هي السبب وراء هذا الفهم، ولكن كان يجب توقع أن مثل هذا التفشي خلال الأوقات التي يسود فيها تعدد الأقطاب في المشهد الدولي، يعني أنه يمكن تحريك ديناميكيات متطرفة، يمثلها أردوغان حاليًا تتغذى على الاضطرابات العالمية.
لقد قرأها أردوغان بشكل صحيح لصالحه، ويستثمر مخاوف واشنطن من اتساع نفوذ موسكو. ما هو جوهر السياسة الخارجية التركية الحالية؟ وما المتوقع بعد ذلك في ليبيا، إذا كانت ساحة اختبار لمذهب أنقرة الجديد في السياسة الخارجية؟
أوردت الصحيفة تحليلاً لإلهان أوزجال في تجميع قطع اللغز، وبطريقة مقنعة، يقدم أوزجال - كاتب عمود بموقع "دوفار" التصوير المقطعي لعقلية أنقرة التي تؤمن بما تسميه "الدفاع الأمامي" - وهو ما يتناسب مع خط السياسة الذي طالما دعا إليه بهجللي - ويقدم لنا تعبيرًا رئيسيًا آخر هو: "العسكرية أولاً".