الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

سعيد الشحات: صعود محمد رشدي ارتبط بثورة يوليو.. و«حصار السبعينيات» دفعه للهجرة (حوار)

غلاف كتاب مذكرات
غلاف كتاب مذكرات محمد رشدي- الكاتب الصحفي سعيد الشحات


_ كان عاشقًا لجمال عبد الناصر.. والقوانين الاشتراكية كانت «مرحلته»

 _ تميّز بـ«الأغنية القصة».. وصوته خُلاصة حضارة مصر

بعد 30 سنة من بداية مشروعه، صدر قبل أيام الكتاب الأحدث للكاتب الصحفي سعيد الشحات بعنوان «مذكرات محمد رشدي.. موّال أهل البلد غنّوه»، عن دار «ريشة» للنشر، وكان «الشحات» قد ارتبط بصداقة مع الفنان الراحل، الذي توفي عام 2005، وعقد معه جلسات أسبوعية متتالية في 1990 لتسجيل المذكرات بصوته، لكن المشروع توقف بعد ذلك لأسباب عدّة.

أتاحت تلك الفترة الطويلة التي تفصل بين بداية تسجيل مذكرات «رشدي» بصوته وبين صدورها في كتاب، إجراء عملية تحقيق وتوثيق ضخمة، ليرسم لنا صورة لعصر كامل مضى.


الكتاب هو الخامس للكاتب الصحفي الذي يطل علينا يوميًا بحلقات سلسلته الصحفية الممتدة «ذات يوم» التي تعد توثيقًا مهمًا لأحداث الماضي، ويقول «الشحات» إن صوت محمد رشدي هو «خُلاصة حضارة مصر»، معتبرًا أن ربط اسم الفنان الراحل بالغناء الشعبي فقط، ظلمُ له.

وأضاف في حواره لـ«الرئيس نيوز» أن «رشدي» كان عاشقًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، غير أنه واجه نوعًا من الحصار في النصف الثاني من السبعينيات اضطره للهجرة خارج مصر.

حول علاقته الإنسانية بـ«رشدي» والصعوبات التي تعرض لها، وموقفه من تصنيفه كمطرب شعبي؛ نحاور الكاتب «سعيد الشحات»: 




بدايةً.. كيف وجدت محمد رشدي على المستوى الإنساني بعد أن تعرفت عليه عام 1989؟

كان إنسانًا بسيطًا طيبًا ودودًا تلقائيًا، يحب الناس، وينحاز إلى البسطاء منهم. كان بارًّا بأهله جدًّا، حكى لي أنه ينفذ وصية أمه في تعامله مع أخواته البنات الثلاث، فكان أبًا لهم، ورأيت بعينيّ زيارات له في فيلته من أبناء أخوته، وكان يوصيهم بأمهاتهم.. مواقف كثيرة أكدت لى على أصالته وعدم نسيانه للبيئة التي وُلد ونشأ فيها في دسوق بمحافظة كفر الشيخ.. فكان دائما ما يتحدث عن مرحلته الأولى ومعاناة الفقر التي عاشها بكل فخر، وحين كانت تأتي سيرة أمه تتحجّر الدموع في عينيه.

قلتَ إنك بدأت تسجيل المذكرات معه عام 1990 في جلستين أسبوعيتين.. ما التفاصيل التي عايشتها معه خلال تلك الفترة؟

امتدت جلسات التسجيل لأسابيع، غير أنني - وهذا المهم - عايشته خارج نطاق التسجيل، وكانت تصرفاته الإنسانية أمامي جزءًا مهمًا في استكمال الصورة عنه، ولهذا شملت المذكرات مواقف لم يتم تسجيلها صوتيًا، مثلًا حين استجاب لمطلبي لتسجيل حوار تليفزيوني لمحطة «المشرق اللبنانية»، وكانت محطة أرضية مشهورة في لبنان أوائل التسعينيات، وكنت أنا من فريقها في القاهرة الذي يعد لها رسالة أسبوعية على شرائط فيديو من نوع خاص، وبعد أن انتهينا من التسجيل اصطحبته في تاكسي إلى فيلته وكانت قريبة من مكان التسجيل، أتذكر أن حوارًا ثريًا دار بيني وبينه حول جمال عبد الناصر الذي كان يحبه كثيرًا، وكتبت هذا الموقف في المذكرات، وكذلك حين توفيّ بليغ حمدي وذهبت إليه بعد تليفون مني لأعزيه في صديق عمره، وفوجئت به يغلق باب حجرة الاستقبال في الدور الأرضي ويبكي أمامي، متحدثًا بحب صوفي عن بليغ.. لم يكن معي «كاسيت» وقتها لكنني أسرعت بالكتابة وراءه، وكان ذلك بعد أن أنهينا تسجيلات المذكرات بفترة طويلة، وهناك مواقف أخرى.


ما هي الفترة التي غطّتها المذكرات من حياة محمد رشدي؟ 

المذكرات هي قصة حياته منذ مولده وحتى مماته، وبالطبع فإن في حياة أي فنان مراحل توهُج، وبالتالي تأخذ حيزًا أكبر في الذكريات، ولأن فترة توهجه كانت في ستينيات القرن الماضي إلى الحد الذي شكل خطرًا على عبد الحليم حافظ فإنه من الطبيعي أن تأخذ هذه المرحلة حيزا كبيرًا، وتلت ذلك فترة السبعينيات التي تعرض في نصفها الثاني لنوع من الحصار جعله يغادر مصر لفترات طويلة.


لم تكتف بتسجيل المذكرات فقط وقمت بعمل بحثي وتوثيقي لافت في الكتاب.. فهل وجدت أي تعارض بين وقائع حكاها لك رشدي وبين ما توصلت إليه في البحث؟

البحث والتوثيق الذي قمت به كان هدفه الرئيسي هو الوصول إلي خلفيات أي حكاية يرويها إذا كان لها أطراف أخرى، وكذلك تقديم مادة معرفية عن الأشخاص المرتبطة بهذه الحكايات، فحين يتحدث مثلًا عن تأثره في غناء موال أدهم الشرقاوي بفنانين قدموا الموال في أزمنة سابقة أشهرهم محمد العربي وزينب المنصورية كان يذكر ذلك بشكل عابر، غير أنني بحثت عمّا تقوله المراجع عنهما، وكذلك حين تحدث عن «أدهم الشرقاوي» قال لي إنه بحث وقرأ عن أصله فوجد من يقول عن أنه «شقي» ومن يقول أنه وطني، وهو ما دفعني إلى أن أقدم للقارئ طبيعة هذا الجدل.


على المستوى السياسي.. هل يمكننا الربط بين صعود «رشدي» و قيام ثورة 23 يوليو لكونه ناصريًا؟.

المؤكد أنه كان يعشق جمال عبد الناصر، وبالطبع فإن صعوده الفني ارتبط بثورة يوليو 1952 وزعيمها، خاصة أن قوانين يوليو الاشتراكية التي صدرت عام 1962 كانت مرحلته في الغناء كما نبّهه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي لذلك، كما أنه غنّى للثورة وطنيا واجتماعيا عن قناعة وإيمان، وبالرغم من أنه قال لي نصا «أنا إنسان مصري ناصري بسيط يحب بلده» إلا أن مسألة التوصيف السياسي بالمعني الأيدلوجي المباشر لا أراها صحيحة على إطلاقها بالنسبة لفنانين في مثل حالته، لأننا لو فعلنا ذلك سيمسك البعض مازورة ويقيس عليها مواقفه وفنه وما إذا كانت ناصرية بالمعني الأيدلوجي أم لا. 

فمثلا كان الموسيقار كمال الطويل ناصريًا لكنه كان في حزب الوفد وكان نائبًا برلمانيًا عنه في الثمانينيات من القرن الماضي، وهناك أمثلة أخرى، بمعنى أن الناصرية بمعناها السياسي الشامل عند الكثيرين هي مرادف للوطنية.


 العنوان الفرعي للكتاب «موّال أهل البلد غنّوهْ» مقتبس من افتتاحية الموال الأشهر «أدهم الشرقاوي».. كيف تقيِّم أثر محمد رشدي على مسيرة الغناء الشعبي المصري؟

  رشدي ترك أثرًا عميقًا في مسيرة الغناء العربي بشكل عام، وليس في الغناء الشعبي وفقط، وفي اعتقادي أن ربط اسمه بما يُسمى «الغناء الشعبي» وفقط هو ظلم له، فهو مطرب شامل، ونستطيع أن نقول إنه الصوت الذي بدأ وباقتدار في تقديم الأغنية الدرامية أو ما أسمِّيه «الأغنية القصة» التي بدأها معه عبد الرحمن الأبنودي، وتحتوي بداخلها علي حكاية فيها أبطال يتصارعون ولها بداية ونهاية، ولأن الأبطال كانوا من البسطاء مثل «وهيبة» و«عدوية» و«حسن المغنواتي» و«عرباوي» تم تسمية هذا التيار الغنائي بالغناء الشعبي.


  أخيرًا، وصف البعض  رشدي بـالـ«فلاح طيب»، وقال هو عن نفسه «مطرب الأغنية العاطفية الجديدة وليس مطرب الفلكلور».. صِف لنا محمد رشدي الإنسان والفنان في عبارة مركزة 

 مصري بسيط أصيل، صوته هو خلاصة حضارة مصر.