الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
سياسة

الأزمات تطوق "رجل الإخوان" في تونس وتنذر بإقصائه من المشهد

الرئيس نيوز

بدا أن راشد الغنوشي، رئيس "حركة النهضة"، الفرع التونسي الممثل لتنظيم "الإخوان"، سيواجه أيامًا صعبة خلال المرحلة المقبلة، فالرجل الذي لطالما حكمت تصرفاته النفعية المُطلقة والمراوغة، يواجه تحديات ربما لم تسفر عن إبعاده عن منصب رئيس البرلمان التونسي فحسب، بل من رئاسة حركة "النهضة" نفسها.
ويُتهم الغنوشي من قبل نواب برلمانيين، باستغلال منصبه، وعدم الإلتزام بصلاحياته، وتدخله في عمل الحكومة بوصفه رئيس حزب يحوز بنصيب الأسد في حكومة إلياس الفخفاخ.

سحب الثقة 

بعد نحو شهر من جلسة مساءلة عاصفة تعرض لها رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، بسبب مواقفه الداعمة للميليشيات التي تقاتل في ليبيا لصالح ما تسمى "حكومة الوفاق"،  شكل الحزب "الدستوري الحر" ائتلافًا من أحزاب أخرى هي (تحيا تونس - التيار الديمقراطي - حركة الشعب) إضافة إلى كتل "الإصلاح الوطني"، لسحب الثقة من رئيس المجلس راشد الغنوشي، على خليفة سياسته التسلطية وتجاوزه لصلاحياته.
المثير للدهشة أن تلك الأحزاب، هي أحزاب مشاركة في الائتلاف الحكومي، مع "حركة النهضة" ما يعني أن الائتلاف المشكل للحكومة بدأ في الانهيار أو أنه في أيامه الأخيرة. 
ومن المقرر أن تبدأ تلك الأحزاب في إجراءات سحب الثقة خلال الأسبوع الجاري. وتحتاج تلك الإجراءات توقيع 73 نائبا على الأقل وهو عدد تحظى هذه الأحزاب بأكثر منه (نحو 90 مقعدًا)، وسيتيح توقيع 73 نائبا إجازة التصويت في جلسة عامة وينص النظام الداخلي للبرلمان على أغلبية مطلقة تبلغ 109 نواب لسحب الثقة، ومن المؤكد أن تلك الأحزاب ستحاول التواصل مع نواب آخرين حتى تتمكن من الوصول إلى النصاب القانوني لسحب الثقة.

إدارة سيئة 

يأتي سعي هذه الأحزاب لسحب الثقة من الغنوشي بسبب ما وصفته بأنه إدارة سيئة للبرلمان وخروقات وتجاوز للصلاحيات، وخدمة أجندة تنظيم الإخوان وحلفاء في الخارج بينهم تركيا وقطر، ولا يزال يرفض النواب التونسيون، قرار الغنوشي يإدخال تعديلات في تركيبة المكتب التنفيذي للمجلس وتحويله إلى مكتب تصريف أعمال. واعتبروا أن القرار محاولة من الغنوشي عرض موضوعات البرلمان على مجلس شورى حركة "النهضة" أولاً، ثم إقراره في المجلس بعد ذلك.

ويرفض الغنوشي الاتهامات، ويقول: "من الأجدر الاهتمام  بمعالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة للتونسيين بدل هذه الصراعات"، ويعتصم نواب الحزب الدستوري الحر في مقر البرلمان مطالبين بسحب الثقة من الغنوشي.

استبعاد وزراء النهضة 

وفي مؤشر على وصول العلاقة بين حركة "النهضة" ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ إلى نفق مسدود؛ بسبب محاولات الغنوشي المستمرة طوال الوقت التدخل في عملها، ألمح رئيس وزراء تونس، أمس الإثنين إلى أنه سيُجري تعديلًا وزاريًا في الأيام المُقبلة يتناسب مع مصلحة تونس العليا، ما اعتبره مراقبون أنه محاولة إلى إخراج وزراء النهضة من الحكومة، وسط الخلافات الدائرة بينهما في الوقت الحالي.

حركة "النهضة" هي الأخرى حاولت قطع الطريق على تحركات الفخفاخ، وقالت في أعقاب تصريحات رئيس الحكومة، إنها بدأت مشاورات جديدة لتشكيل حكومة جديدة؛ لأن حكومة الفخفاخ فقدت كل مصداقية بسبب شبهات تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الوزراء، بحسب تعبيرها.
وخلال وقت سابق رفض الفخفاخ اتهامات بالفساد بعد أن كشف النائب في البرلمان ياسين العياري عن وثائق تشير إلى شركات يملك الفخفاخ أسهما فيها فازت بصفقات مع الدولة بقيمة تناهز 15 مليون دولار، إلا أن رئيس الحكومة اتهم نوابًا في حركة "النهضة" بالقيام بهذه الحملة؛ لتأسيس مشهد مأزوم وفي التوظيف السياسي لمصلحتها الحزبية.

بحسب مراقبين فإن النظام في تونس برلماني، وأن الحزب الذي يفوز بأغلبية مقاعد البرلمان هو ومن يتولى مسؤولية تشكيل الحكومة، وأن الأحزاب السياسية الأخرى إن لم تنجح في تشكيل ائتلاف برلماني يكون له الأغلبية سيستمر نواب "النهضة" في الهيمنة على أغلبية البرلمان، ويبدو أن هذا الائتلات قد تشكل بالفعل وهو الائتلاف الذي يقوده "الحزب الدستوري" لسحب الثقة من الغنوشي في البرلمان. 

وإذا ما نجح الفخفاخ في إقصاء الوزراء التابعين لحركة "النهضة"، ستكون بذلك المرة الأولى التي تجد فيها الحركة نفسها خارج الحكم منذ ست سنوات.

وفي سياق محاولات حركة "النهضة" تدارك الموقف وقطع الطريق على إلياس، بعد مؤشرات تدل على أنه يتواصل مع التحالف الجديد الذي يقوده "الحزب الدستوري"، قالت "النهضة" إنها كلفت راشد الغنوشي التفاوض مع رئيس الجمهورية والقوى السياسية والأحزاب لإيجاد بديل للحكومة.

إلى ذلك، رد الرئيس التونسي على تصعيد "حركة النهضة"، الهادف إلى إسقاط حكومة الفخفاخ، وأعلن رفضه إجراء أي مشاورات لتشكيل حكومة جديدة ما دام رئيس الوزراء الحالي إلياس الفخفاخ لم يقدم استقالته أو لم توجه له لائحة اتهام.

رفض قيس لمطالبات "النهضة" قطع بذلك الطريق على مناوراتها بالضغط على الفخفاخ والأحزاب الداعمة لبقائه على رأس الحكومة، ومساومتها باستمرار الوضع الحكومي مقابل التخلي عن مبادرة تضم خمس كتل لعزل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من منصبه كرئيس للبرلمان.

يرى مراقبون أن مؤسسة الرئاسة ترى في طلب "النهضة" استهانة بمؤسسات الدولة؛ حيث تعمد بيان مجلس شورى "النهضة" بشأن “المشاورات الحكومية” محاولة الإساءة للرئيس سعيد والاستهانة به، وكأن دوره يقف عند مجرد إعلامه بقرار الشورى وليس جهة سيادية يعود لها قرار الدعوة إلى الاستقالة ثم التكليف. وقال سعيد إن “الحديث عن تسيير مشاورات بين رئيس الدولة وعدد من رؤساء الأحزاب حول تشكيل حكومة جديدة هو من قبيل الافتراء”. 

أضاف أنه "لن تحصل أي مشاورات مع أي كان ما دام رئيس الحكومة كامل الصلاحيات".وتابع "إن استقال (رئيس الحكومة) أو تم توجيه لائحة اتهام له في ذلك الوقت رئيس الجمهورية يمكن أن يقوم بمشاورات".

صدام الغنوشي وقيس

"النهضة" لا تواجه مشاكل على الصعيد الحكومي فحسب، بل تواجه مشكلات على مستوى الرئاسة. فقد أدلى الرئيس التونسي قيس سعيد تصريحات قوية انتقد فيها أداء البرلمان، وقال خلال كلمة له في مدينة قبلي: "لو كان النائب مسؤولا أمام ناخبيه، وكان بإمكانه أن يسحب الثقة، لَما احتاج إلى مثل هذا الخرق الجسيم الذي يُجسده مرض دستوري وسياسي ربّما أكبر من جائحة كورونا التي انتشرت في العالم". واصفًا المشهد بـ"البؤس السياسي".
وتشير تقارير إلى أن الصدام بين قيس سعيد وراشد الغنوشي، بدأ حينما بدأ الأول يستشعر بمحاولات الغنوشي تهميشه والتدخل في صلاحياته، وأن رئيس "النهضة" عمل في الأشهر الأخيرة على تحييد رئيس الجمهورية وحصر دوره في أنشطة ذات طابع بروتوكولي.

كما سعى إلى السيطرة على الحكومة كونه رئيس الحزب الذي يمتلك أكثر الحقائب فيها، فضلا عن سيطرته على البرلمان من خلال تحالفه مع أحزاب "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة".

ولعل هذا ما يفسر سبب الخلاف الدائر بين حكومة إلياس فخفاخ من جهة وحركة "النهضة" من جهة أخرى. لكن يبدو أن الرئيس قيس سعيد بدأ هو الاخر يتململ من تدخلات الغنوشي في صلاحياته، وبدأ يبحث عن أمور ربما تريحه من ممارسات "النهضة".
ما يؤشر على ذلك، أن قياديين في حركة النهضة وأنصارها، شنوا هجومًا حادًا الرئيس قيس سعيد، متهمين إياه بالتواطؤ والتآمر على البرلمان. 

خلافات داخلية

إلى جانب الأزمات التي يواجهها الغنوشي، من محاولات رئيس الحكومة استبعاد وزراء "النهضة"، وكذلك محاولات التكتل الذي يقوده الحزب "الدستوري الحر"، سحب الثقة منه، يعيش الغنوشي صراعا داخليا.

الصراع يتجسد في تمسك قيادات تاريخية نافذة في "مجلس شورى النهضة" بعقد المؤتمر الدوري للحركة، واتخاذ قرار بإبعاد الغنوشي عن رئاسة الحركة تحت مسوغ أن رئيس الحركة لا بد أن يكون متفرغا، والرئيس الحالي لا يمكنه ذلك بسبب رئاسته للبرلمان، وهي خطوة يعارضها الغنوشي بكل قوة.