الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
سياسة

الفريق محمد العصار.. جنرال اللحظات الفارقة (بروفايل)

الفريق فخري محمد
الفريق فخري محمد سعيد العصار

بنظّارة طبية وطبع هادئ، عرف المصريون، (اللواء) محمد سعيد العصار، واحدًا من أعضاء المجلس العسكري في الأيام الأولى لثورة 25 يناير، بحكم منصبه مساعدًا لوزير الدفاع لشئون التسليح، منذ عام 2003.

غير أنه منذ تلك اللحظة الفارقة، التي وضعت على عاتق الجنرالات الذين تولوا الحكم مسؤولايات مختلفة، بدا أن "العصار" سيكون فاعلًا في أدوار "سياسية" جانبية تتطلبها الفترة الانتقالية.


من هنا، كان الضابط المخضرم، الذي وُلد في 1946، وتخرج في الكلية الفنية العسكرية 1967، مسئولًا بشكل واضح عن ملف العلاقات الخارجية آنذاك، بجانب تكليفه بالاتصال بالإعلام والقوى السياسية بعد الثورة.

تطبيقًا لذلك، كان "العصار" أحد المتحدثين باسم المجلس لوسائل الإعلام، وظهر أكثر من مرة ببذلته العسكرية "الزيتي" في برامج تلفزيونية عديدة، يشرح خطة الجيش لـ"وضع البلد على أول طريق الدولة المدنية الحديثة بعد استعادة المصريين كرامتهم".

الأمر لم يقتصر على ذلك، إذ كان ما يحدث في كواليس المرحلة الانتقالية شاهدًا على مشاركة "العصار" في أكثر من اجتماع مع رموز سياسية وإعلامية وسياسية آنذاك.

بصيغة أخرى، أصبح مسئول التسليح في الجيش المصري، همزة وصل ما بين القوات المسلحة وبين قوى سياسية حاضرة في المشهد المتلاحق والملتهب بعد يناير 2011.


"العصار"، الذي شارك في حربي الاستنزاف وأكتوبر واحدًا من المهندسين العسكريين، كان من أبرز رجال الدولة في ظروف حساسة للغاية، فكان ممثلًا للقوات المسلحة في لجنة الخمسين لوضع دستور 2014 برئاسة عمرو موسى، رفقة اللواء ممدوح شاهين.

في الاجتماعات المتتالية للجنة، بدا أن الرجل المسئول عن صفقات السلاح، قادر بامتياز على أن يشارك في إنجاح عمل لجنة سياسية عليا تضع الوثيقة الحاكمة للدولة.


ومن فرط الحفاوة بدور الجيش في ثورة 30 يونيو في إزاحة نظام "الإخوان"، كانت كاميرات الصحف والتلفزيون كثيرًا ما تجد مبتغاها في صورة لرجلي الجيش في اللجنة، وهما يدخلان إلى القاعة، على وجهيهما الابتسامات، وفي يديهما حافظات أوراق أنيقة.

ومن اللافت للنظر، أنه في خضم كل هذا، ظل "العصار" مسئولا عن ملف التسليح في القوات المسلحة، مساعدًا لثلاثة وزراء دفاع في حقب سياسية متباينة، بداية من المشير حسين طنطاوي، مرورا بالفريق أول عبد الفتاح السيسي، ثم مع الفريق أول صدقي صبحي.

وبعد بأشهر، كان الشعب فيها أقر الدستور، وانتخب رئيس الجمهورية، كان على "العصار" أن يتخلى عن البدلة العسكرية ليؤدي مهمة يدرك أبعادها جيدًا، غير أن الظرف مغاير، والدولة الجديدة تُبنى، والانحياز للصناعة الوطنية واضح.. حتى في السلاح.

بوضوح، كان على المهندس العسكري المخضرم أن يرتدي بذلة مدنية، ويصبح مسئولًا "وزاريًا" عن ملف الإنتاج الحربي، لتحقيق رؤية طموحة لدى القيادة السياسية في أن تصنع مصر سلاحها بقدر ما تستطيع.

ربما لم يفكر الرئيس عبد الفتاح السيسي كثيرًا عندما اختار "العصار" وزيرًا للدولة للإنتاج الحربي في حكومة المهندس شريف إسماعيل، في سبتمبر 2015، كونه الاختيار الأمثل، وهو المنصب الذي يشغله إلى الآن، برغم تغيير رئيس الحكومة وإحداث تعديلات وزارية متعددة.


وتشير الظواهر المعلومة إلى علاقة جيدة تجمع بين الرئيس وبين الوزير، منذ أن تزاملا في المجلس العسكري تحت قيادة المشير محمد حسين طنطاوي، ويبدو جليَّا أن أساس هذه العلاقة بُني على الثقة والاحترام.

في فبراير الماضي، وفي كلمته أمام الرئيس خلال افتتاح مصنع 300 الحربي، أضاف "العصار" لمقدمة كلمته للترحيب بالرئيس أنه "فخرٌ لي شخصيًا" أن يشهد "السيسي" افتتاح 3 خطوط إنتاج جديدة.

كان "العصار" مقتنعًا بأهمية ما يفعله في الوزارة، ويعتبر مهامه على رأس الوزارة ضمن استراتيجية الدولة "2020- 2030"، ويطمح لأن تصبح جهوده واحدة "من قصص النجاح التي تتحقق في كل ربوع الوطن منذ 2014".

بعد كل هذا بدا منطقيًا أن يجري تكريم الرجل، ففي 26 يونيو الماضي، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قراراً بترقية اللواء "العصار" إلى رتبة فريق فخري، مع منحه وشاح النيل.

في صفة الرتبة الفخرية إشارة ربما لا يخطئها عقل إلى أن الرئيس أراد تكريم زميله القديم في المجلس العسكري، ووزيره الحالي الذي يعمل بجد على مشروع التصنيع الحربي، حتى لو خلع "العصار" البذلة العسكرية وارتدى أخرى مدنية.


بخلاف ذلك، وجَّه "السيسي"، بإطلاق اسم "الفريق محمد العصار"، على محور مروري بشرق القاهرة.

هذه العلاقة بين الرجلين تجسدت في كلمات الرثاء التي نعا بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، "العصار"، اليوم، قائلًا في تقدير بالغ: "كان الفقيد من أخلص الرجال الذين خاضوا غمار التحدي من أجل وطننا العظيم، ولم يدخر من أجله جهدا، بل كان دائماً فى صدارة رجال مصر المدافعين عنها في لحظات فارقة ودقيقة من تاريخها".