الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

موقف لا ينسى في إثيوبيا.. وصايا ميلاد حنا للتعامل مع إفريقيا قبل 30 عامًا

د. ميلاد حنا- الرئيس
د. ميلاد حنا- الرئيس جمال عبد الناصر

- اعتبر القارة السمراء "مستقبل مصر".. طالب بإعداء استراتيجية كاملة.. وأوصى باستثمار العقول المصرية هناك

رغم تخصصه في الهندسة الإنشائية، فإنه برز كواحد من الكتاب والمفكرين المصريين، وتشهد على ذلك كتاباته ورؤاه للواقع وللمستقبل، والتي كانت تدور حول مصر التي كان من أبنائها المخلصين.

إنه الدكتور ميلاد حنا، الذي يوافق اليوم، 24 يونيو، ذكرى ميلاده عام 1924، والذي كان موضع تكريم منذ فترة قريبة، عندما اختار منتدى شباب العالم، 2018، كتابه "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" ليكون محورا رئيسيا للمناقشات، بعد 30 سنة على كتابته، وبعد 6 سنوات على رحيل المؤلف.


وفي ذكرى ميلاده، وفي وقت تتأزم فيه مشكلة قارية لمصر بمشروع سد النهضة الإثيوبي، يجدُر بنا العودة إلى هذا الكتاب الذي كتبه "حنا" قبل أكثر من 30 سنة، في عام 1989، واستهله بعبارة بليغة من التراث الديني اختارها من سفر الأمثال: "الحكمة بنت لها بيتًا.. شيدته على أعمدة سبعة"، ثم راح يشيد رؤيته للأعمدة الرئيسية التي تقوم عليها نهضة الوطن.

عدّد ميلاد حنا أعمدة مصر السبعة كالتالي: الفرعوني واليوناني، ويمثلان التاريخ والماضي. القبطي والإسلامي، يمثلان التعايش المستمر. العربي، وهو صاحب أثر في الماضي وفي الحاضر. البحر المتوسط، واعتبره خافت التأثير ولا يفرض نفسه.

وعندما وصل المؤلف إلى العمود السابع وهو انتماء مصر إلى إفريقيا، اعتبر أنه المستقبل بالنسبة لمصر.

ويشرح "حنا" رؤيته موضحا في البداية أن لمصر وضع خاص في أغلب دول أفريقيا السوداء من منطلق العرفان بالجميل للمساعدات الهائلة (عسكريا وسياسيا وماديا) لحركات التحرر الوطني إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر ومن خلال وزيره الهُمام محمد فائق والذي كان قد عهد إليه بقضايا أفريقيا.

ثم يروي موقفا لشخصيا ثابت في ذاكرته يدلل على ذلك، قائلا إنه دُعي في عام 1987 لتمثيل مصر في مؤتمر الدول غير المنحازة لمناسبة المشاركة في أعياد واحتفالات الرئيس الإثيوبي مانجستو هيلا مريام بالعيد الرابع لثورة أثيوبيا.

ويكشف ميلاد حنا أنه عندما كان يلقي كلمة مصر في الاحتفال وذكر اسم جمال عبد الناصر دوت القاعة في مبنى منظمة الوحدة الأفريقية في أديس أبابا كلها بالتصفيق، بينما كان ينظر ويشير بإصبعه إلى لوحة مرسومة في القاعة بها "عبد الناصر" ضمن زعماء أفريقيا الذين أسسوا المنظمة في الستينيات.


ولم ينس "حنا" أن يلفت النظر إلى أن تأثير مصر على أفريقيا، وخصوصا إثيوبيا، تجسد في أن التقويم في أثيوبيا مطابق لتقويم الشهداء القبطي منذ أن كانت "أديس أبابا" تابعة من الناحية الدينية للكنيسة القبطية المصرية.

بعد ذلك يوضح رؤيته قائلا بالنص أن "الانتماء الأفريقي لمصر هو انتماء للمستقبل ينبع من أن زيادة عدد السكان في مصر تقفز بمعدلات خرافية"، مبرزا التوقعات التي كانت تنشر في أواخر الثمانينيات عن أن تعداد مصر عام 2000 سيصل إلى 70 مليون وفي عام 2030 سيتجاوز المائة مليون.

والمفارقة أن تعداد مصر حاليا في 2020 زاد عما كان يتوقعه الخبراء له في 2030، لكن على أي حال، كما يستكمل "حنا"، فإنه "لا سبيل لشعب مصر لكي يستمر في توفير عمل لكل سكانه ولاستمرار الحضارة في أرضه إلا من خلال الانتشار إلى كل من العالم العربي والأفريقي وإلى كل بقاع الأرض لو أمكن".


ويشدد على أن الدافع إلى ذلك هي الخبرة التي تتمتع بها مصر التي سبقت الآخرين في التعليم الجامعي وفي وجود قاعدة من الحرفيين والمهارات اليدوية المطلوبة.

ثم يضع ميلاد حنا ما يشبه الخطوط العريضة لاستراتيجية مصرية للتعامل مع إفريقيا، مطالبا بالبدء في إعدادها من الآن (أي عام 1989)، ويلخصها في النقاط التالية:

-      لتكن نقطة البداية بأن نطور مناهج التعليم والثقافة والإعلام لكي نعرف أفريقيا، بشكل أعمق.

-       على وزارة الخارجية المصرية أن تجهز خططا وأفكارا لكي تهيئ المناخ الدبلوماسي والسياسي... وأن تخلق قنوات اتصال مع أغلب دول أفريقيا وسيكون ذلك هو التمهيد الأساسي للمستقبل.

-       على وزارة التعليم العالي أن تمهد من الآن – وكما مهدت للانتماء العربي – أن تتوسع في عدد البعثات للدارسين في جامعات مصر من كل بلدان أفريقيا على تباين مواقعها.

وفي النهاية، يشدد ميلاد حنا على أن أفريقيا هي "مخزون العالم في التوسع الزراعي وفي اكتشاف كنوز الثروة المعدنية والغابات ومصادر الطاقة المائية والمسماة بالجديدة والمتجددة".

ويوصي بأن هذا "يحتاج إلى استثمارات هائلة"، ثم يضيف داعيا مصر إلى أخذ المبادرة بأن تستمثر في عقولها الممثلة في مهندسين وزراعيين وبيطريين وأطباء وإداريين وغيرهم...، ويد عاملة في كافة مجالات الزراعة والتشييد والصناعة والطرق والمواصلات والخدمات وغيرها".