الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

الابن سر أبيه | رسالة من خالد عبد الناصر للزعيم: "أكثر مرة أشعر أنك والدي"

جمال عبد الناصر ونجله
جمال عبد الناصر ونجله الأكبر "خالد"

إذا كانت الأم هي النبع الفطري للحنو والرعاية، فإن الأب هو السند الهائل الذي يؤمِّن الحياة، ويضمن القدر الكافي من الأمان، ويصلب عود الصغار إلى أن يكبروا ويعتمدون على أنفسهم.

ومع حلول "عيد الأب" الذي يوافق 21 يونيو من كل عام، يتسابق الأبناء للاحتفال بآبائهم، لكننا في هذه المناسبة، نكشف عن جانب من علاقة من نوع خاص بين أب وابن، إنهما ليسا شخصين عاديين، فالأب هو رجل تزعم الوطن العربي في ذروة ثورات التحرر من الاستعمار، والابن هو شخص نبيل كان امتدادا روحيا للأب، وإن لم يكن قد سار في نفس الطريق.

نتحدث عن جمال عبد الناصر ونجله الأكبر "خالد". وما يجعل العلاقة استثنائية أن الأب وضع ابنه في الإطار الطبيعي كشاب مصري لا تكمن قيمته في أنه ابن رئيس الجمهورية، ولكن قيمته في نفسه. مثال على ذلك أنه وضع عليه قيودا لمنع استغلال اسمه ضد الآخرين، وخطط لإلزامه بأداء الخدمة العسكرية مثل باقي المصريين.


في كتاب "رسائل لها تاريخ"، للكاتب أيمن الحكيم، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2019، يكشف لنا المؤلف لأول مرة عن رسالة شخصية أرسلها الابن "خالد" إلى الأب "جمال" في لحظة نادرة للعلاقة بينهما.

وقبل أن نستعرض الرسالة، نوضح في البداية أجواءها، إذ أرسلها خالد عبد الناصر من لبنان إلى أبيه في القاهرة.

يشرح أيمن الحكيم أن "خالد" في سنوات الصبا كان متيما بالرياضة، وساعده على ذلك قوة بنيانه، وطوله اللافت الذي وصل إلى 1.88 سنتيمترا، مضيفًا أن نجل الرئيس الراحل مارس رياضات بدنية مختلفة، منها الجودو والكاراتيه، كما حاول في المدرسة الإعدادية أن يمارس كرة القدم.


وبعد سنوات، وجد "خالد" نفسه في كرة اليد، وبرع في هذه الرياضة ليلتحق بفريق نادي هليوبوليس، وأصبح لاعبا مميزا في الفريق، وذلك خلال سنوات دراسته بكلية الهندسة جامعة القاهرة والتي تخرج فيها عام 1971.

وفي عام 1969، سافر "خالد" مع فريق "هليوبوليس" لكرة اليد للمشاركة في دورة رياضية بالشام، وفي تلك الأثناء أرسل إلى والده رسالة، بتاريخ 1 أكتوبر، بعث بها في البريد العادي، ليحكي له ما حدث في تلك الرحلة.

يفتتح "خالد" الرسالة كالتالي: "والدي العزيز.. بعد التحية. إن شاء الله تكون في أحسن صحة وأحسن حال، وكل ما أطلبه من الله أن يبعد عنك جميع الأضرار".

ولأن هذه كانت أول مرة يبعث فيها "خالد" برسالة إلى أبيه، فلم يكن يعرف ماذا سيقول بالضبط، فتنجرف مشاعره تجاه والده قائلا له: "لكنك والدي وهذه أكثر مرة أشعر فيها أنك والدي، لقد وحشتني جدا وأتمنى أن أرجع إلى مصر حتى أراك".


ويبعث "خالد" بسلامات إلى والدته وإخوته، ويبدو متشوقا للغاية للعودة إلى مصر، "حتى أني أحسد بقية الفريق لأنه راجع مصر قبلي، ولا زال  أمامي حوالي ثلاثة أيام في لبنان غير زيارة سوريا".

بعد ذلك نصل إلى تفاصيل ما شاهده "خالد" في لبنان، ليحكي لأبيه بالتفاصيل انطباعاته ومشاهداته التي تتركز في أغلبها حول الأب "الزعيم".

يقول الابن: "هناك نسبة كبيرة من أهل البلد يحبون مصر ويحبونك بالذات، وعندما أذهب إلى أي محل يسألني الناس عنك وعن صحتك، وكنت أقول لهم أنك في أتم صحة، وقد احتفى بنا اللبنانيون وأفراد الفريق بالذات وزرنا جميع المناطق في لبنان، وفي كل مكان كنا نذهب إليه كان سكان المدينة التي نزورها والمدن المجاورة يكونون في استقبالنا وكلهم يسألون عنك ويقولون متى يحضر الرئيس إلى لبنان منتصرا إن شاء الله".


ويتابع خالد جمال عبد الناصر واصفا محبة اللبنانيين له ولأبيه: "كلهم يريدون أن أبلغ سلامهم إليك ويصرون أن يبوسوني ويقولون (هذه لبيّك) أي أبيك".

ويشير إلى أن الناس هناك احتفوا به لدرجة أنهم كانوا يطلبون منه أن يترجل من الأتوبيس ليرفعونه على الأكتاف لأنه "نجل الرئيس"، لافتا إلى توافد الأهالي إلى كل مكان يذهب إليه، ففي بعلبك "قطع الأتوبيس مسافة 2 كيلو في حوالي ثلاث ساعات من زحام الناس".

ويواصل "خالد" في خطابه: "تكررت هذه الاستقبالات في أكثر من مكان، في صيدا وفي طرابلس وفي مدن صغيرة كثيرة، كما قابلني كثير من الشخصيات اللبنانية كما وصلتكم أخبارهم، وكانت اللوكاندة مركز تجمع للصحفيين وكثير من الشعب اللبناني، كما زارني أفراد من منظمة فتح وطلبوا مني زيارتهم".

ثم يكتب "خالد" عبارة تعبر عن مدى انحيازه المعروفة للشعب الفلسطيني وعداءه للاحتلال الإسرائيلي، والذي تبلور في شكل آخر بعد سنوات من خلال دوره في تنظيم "ثورة مصر" في الثمانينيات لمقاومة الوجود الإسرائيلي في مصر.

 

يقول "خالد" لأبيه عن مشهد أحزنه في لبنان: "يمكن من أكثر المناظر التي أثرت في نفسي منظر معسكر اللاجئين في بعلبك، لكن إن شاء الله يرجع جميع اللاجئين إلى فلسطين قريبا".

وأخيرا، يختم "خالد" الرسالة داعيا الله أن يبعد عن "عبد الناصر" المرض ويمتعه بأحسن صحة، ثم يرجو أبيه أن يبلغ سلامي إلى والدته وإلى الجميع، وبعد ذلك يوقِّع: "ابنك المخلص خالد".

وفي سبتمبر 1970، بعد أقل من عام على خطاب الابن الذي امتلأ بالدعوات، رحل الأب عن الدنيا بعد ساعات قضاها في مجهودات شاقة لوقف الاقتتتال العربي العربي في أحداث "أيلول الأسود"، في خبر صادم للجميع في مصر والوطن العربي، وعلى رأسهم الابن الأكبر.