الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

ما قبل "كوفيد- 19".. الملكة نازلي غاضبة: "خدوا الكورونا دي من على راسي!"

صورة نازلي التي أغضبت
صورة "نازلي" التي أغضبت الملك فاروق

من زمن إلى آخر، قد تتحور كلمة ما لتأخذ معنى آخر مغاير تمامًا لما كان يشير إليه، وبعد أن كانت تعطي معنى لطيفا فإنها قد تصبح بعد ذلك مرادفًا لشيء مكروه.

هكذا، تحولت كلمة "كورونا" من معنى "تاج" يتزين به الملوك والملكات، إلى اسم منتج "شيكولاتة" ذي مذاق حلو، إلى أن أصبحت في هذه الأيام مصطلحا لـ"وباء" عالمي قاتل، هو "كوفيد- 19"، نسبة إلى أن شكل الفيروس القاتل يأخذ هيئة تاج أو هالة تحت الميكروسكوب.

في السطور التالية، لدينا هذه الحكاية، التي رواها الكاتب الصحفي اللامع في النصف الأول من القرن العشرين، محمد التابعي، في كتابه "من أسرار الساسة والسياسة"، دار الهلال، 1970، والتي وردت فيها كلمة "كورونا" بمعنى قديم ينتمي لذلك، لتكشف لنا المطابقة الطريفة في المصطلحات عن كواليس الأسرة الملكية في مصر، في تلك الفترة الفاصلة بين وفاة الملك فؤاد وبين تولى ابنه فاروق الحكم فعليا.

نروي الحكاية من البداية. في أواخر فبراير عام 1937، وخلال الأشهر التي كان فيها تحت ولاية كمجلس وصاية، خرج الملك فاروق في رحلة أوروبية طويلة، رأى رجال الساسة آنذاك، أنها قد تثقل تجاربة وتوسع من مداركه قبل أن يتولى السلطة فعليًا.


في تلك الرحلة، اصطحب الملك الشاب من أسرته، أمه الملكة "نازلي"، وشقيقاته الأربع: فوزية، فايزة، فايقة، وفتحية. وإلى جانبهن كان لا بُدّ من وجود عدد من الوصيفات.

وفيما يخص حاشية "فاروق" نفسه، فقد ترأسها رائد الملك أحمد محمد حسنين، وسافر أيضا ياور الملك الخاص عمر فتحي.

رست الباخرة الملكية في أول محطة لها، وكانت بلدة سان موريتز السويسرية، والتي كانت مُغطاة في شتاء ذلك من العام بطبقات الثلوج الكثيفة.

واستغلالا لهذا الظرف، يبدو أنه كان من ضمن البرنامج الترفيهي للأسرة المالكة، تعلم التزلج على الجليد، أو كما يسيمها محمد التابعي "الزحلقة بالقبقاب".

وهكذا، نزلت الأميرات شقيقات "فاروق" ليتعلمن "الزحلقة" في ساحة الفندق الذي كانت تقيم فيه الأسرة، والتي كانت مُغطاة بالجليد تمامًا. ما تظهره صور نادرة لتلك الرحلة في المدينة السويسرية.


إلى الآن لم تكن ثمّة مشكلة، إلى أن جاء يوم قررت فيه الملك الأم "نازلي" أن تجرب اللعبة، فنزلت تتعلم التزلج أيضا، على يد مدرب كان موجودًا لهذا الغرض.

كانت تصرفات الملكة "نازلي" من وفاة زوجها الملك فؤاد مثيرة للضيق لكل من حولها، إذ عاشت "شبه أسيرة" في القصر الملكي طوال سبعة عشر سنة، وسط حصار اجتماعي وإنساني فرضه عليها الملك الراحل.

ويصف التابعي المشهد قائلا: "أمسك المدرب بذراعها وأحاط خصرها بيده، وراح يعلمها كيف تنقل قدميها والقبقاب فوق الجليد. وصاحبة الجلالة تتثنى وتتمايل، والمصورون يلتقطون لها الصور في هذه الأوضاع!".

في تلك الأثناء، كان أحمد حسنين، الذي ارتبط بعلاقة غرامية شهيرة مع الملكة الأم، واقفًا على درج سلم خشبي يصل بين الشرفة وساحة "الزحلقة"، وهو في حالة غضب.

وراحت "نازلي" تتجاوب مع تعليمات المدرب وهي تضحك وتتمايل، إلى أن انتهت وعادت إلى مدخل الفندق، فقابلها "حسنين" منفجرًا، وإن كان لم يرفع طبقة صوته عليها.

وينقل محمد التابعي ما قاله "حسنين" للملكة الأم كالتالي: "لا.. لا.. مش كده يا ست! مش كده أبدا.. بكره راح نسمع كلام فارغ كتير بسببك!".


كان الموقف حساسًا للغاية، وترقب الجميع ما سيحدث، لكن "نازلي" حاولت احتواء ثورة "حسنين" بابتسامة، ثم أمسكت بذراعه قائلة: "طيب خلاص.. مرة وفاتت!".

ويسجل التابعي ردة فعله على ذلك بقوله: "عجبت لهذه اللهجة التي يخاطب بها موظف القصر صاحبة الجلالة الملكة وأم ملك مصر! وعجبت أكثر وأكثر لخضوع صاحبة الجلالة! فهي لم تغضب.. بل اعتذرت.. وتابت!".

وبعد ساعات، وقع ما كان يخشاه أحمد حسنين، عندما نشرت صحف مصرية صور الملكة الأم وهي تتزحلق على الجليد، وتطور الأمر في القاهرة إلى درجة أن "قامت مظاهرة من طلبة الأزهر الشريف وتعالت فيها أصوات الاحتجاج" على مشاهد "نازلي" في سويسرا.

وتوالت ردود الفعل على مستوى القصر، إذ أرسل الأمير محمد علي توفيق، رئيس مجلس الوصاية، خطابًا شديد اللهجة إلى أحمد حسنين، وبّخه فيه بقسوة على "سماحه للمصورين بالتقاط هذه الصور، وعلى سماحه لملكة مصر بالزحلقة على الجليد".

في المقابل كان رد فعل الملك الذي لم يبلغ بعد السابعة عشر، أن "هزّ كتفيه وقهقه ضاحكًا".


وصلت أنباء الغضب إلى الملكة نازلي، فردت من ناحيتها بثورة غضب مقابلة بسبب خطاب الأمير محمد علي، بل إنها "انطلقت تسب الأزهر والأزهريين وتدعو الله أن يصيب "البرنس" محمد علي بكذا وكذا وكيت".

وبحسب ما يرويه محمد التابعي فإن الملكة قالت بالنص أيضا: "كفاية بقى.. كفاية سبعتاشر سنة وأنا محبوسة! خدوا الكورونا من على راسي.. مش عاوزاها".

ولم ينس محمد التابعي أن يوضح أن كلمة "كورونا" معناها التاج. وفيما يبدو أن المعنى لم يكن شائعا خارج الأوساط الملكية.

وكتعبير عن الغضب: "لزمت صاحبة الجلالة جناحها الخاص بالفندق يومين غاضبة.. وانقطعت عن تلقي دروسها في الزحلقة على الجليد... وشكا جميع من كانوا معها من عصبيتها وحدة لسانها".

على مستوى موازٍ، يكشف "التابعي" أنه تلقى "أمرا ملكيا" من الملك فاروق أن يكتب إلى زملائه الصحفيين في القاهرة، يطلب منهم أن "يكفوا عن نشر أية صور لجلالة الملكة نازلي.. اللهم إلا الصور التي تظهر فيها مع جلالة الملك فاروق".


ويحكي محمد التابعي أنه نفذ الأمر الملكي وكتب بذلك خطابات خاصة إلى أصحاب جرائد "الأهرام والمقطم والمصري ودار الهلال واللطائف المصورة"، وغيرها.

وفي حين استجاب "الزملاء" لرجائه وتعهدوا بعدم نشر صور للملكة مستقبلا، بل ولم يشيروا إلى خطاب "التابعي"، فإن إسكندر مكاريوس صاحب مجلة "اللطائف المصورة" فضح الأمر بالكامل.

يحكي "التابعي" أن إسكندر مكاريوس "نشر على صفحة كاملة من مجلته خلاصة لخطابي الخاص وتعليقا له قال فيه: إن الصحافة حرة، في حدود القانون، وإننا في القرن العشرين وعصر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإن "صاحبة الجلالة" الصحافة حرة في نشر ما يحلو لها من صور أصحاب وصاحبات الجلالة.. ولتفعل بنا القوة ما تشاء!".

ويعقب "التابعي" على ذلك قائلا: "ومن يومها حرمت "اللطائف المصورة" وصاحبها من العطف الملكي السامي!".

ومن المفارقات اللاحقة، بحسب "التابعي"، أنه ذات صباح تلقى الملك فاروق برقية من مصر تفيد بأن الأمير محمد علي أصيب بذبحة صدرية وأن حالته خطرة.

ويسجل التابعي أنه "هنا عادت الابتسامة إلى شفتي الملكة نازلي وقالت لمن حولها: "أبواب السما كانت مفتوحة لما دعيت عليه! دنا دعاي ما ينزلش الأرض!".