الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"مستحيل!".. لماذا اعترضت أمريكا على رئاسة "مبارك" للحكومة عام 1978؟

حسني مبارك- جيمي
حسني مبارك- جيمي كارتر

بعد أقل من سنتين من مشاركته في حرب أكتوبر قائدا لسلاح الطيران، بدأ التاريخ "السياسي" للرئيس الأسبق حسني مبارك، عندما اختاره الرئيس أنور السادات نائبا له، في قرار فاجأ الجميع، بمن فيهم "مبارك" نفسه.

قرار "السادات" دفع بـ"مبارك" إلى أن يصبح الرجل الثاني في مصر، خلال الفترة من 16 أبريل 1975 إلى 14 أكتوبر 1981، وهو المنصب الذي أتى به إلى الرئاسة بعد اغتيال "السادت".

لكن، هل تعلم أن "مبارك" كان سيتولى منصبًا رفيعًا آخر إلى جانب كونه نائبا للرئيس، بل وصدر تكليف رئاسي بذلك بالفعل، لكن الأمور تطورت وتبدلت الحسابات سريعا؟

حدث ذلك بالفعل، وبالتحديد في سبتمبر عام 1978، إذ كلف الرئيس أنور السادات نائبه "مبارك" بتشكيل الحكومة، حسبما كشفه الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في كتابه "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل"، الجزء الثاني، والصادر عام 1996.

بدأت القصة بعد عودة الرئيس "السادات" من اجتماعات "كامب ديفيد" بالولايات المتحدة، والتي وقع خلالها اتفاقية إطارية للسلام مع إسرائيل برعاية الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر.

كانت الظروف تقتضي وفق رؤية "السادات" بعد "كامب ديفيد" تشكيل وزارة جديدة في مصر، خلفا لوزارة ممدوح سالم الخامسة، والتي بدأت مهامها في 9 مايو 1978. وحدد "السادات" في ذهنه مهمتين للوزارة الجديدة التي يريدها، الأولى: "التفاوض من أجل وضع التفاصيل في الإطار العام لـ"كامب ديفيد".

وبحسب ما ذكره "هيكل"، فإن الرئيس أنور السادات كان "لا يريد أن يقوم بهذه المهمة نفسه، ويكفيه ما توصل له في المفاوضات مع إسرائيل من لحظة المبادرة بزيارة القدس إلى لحظة التوقيع على كامب ديفيد".

أما المهمة الثانية التي كان يردها "السادات" فكانت "تنشيط العمل في الداخل بما يجعل فوائد السلام تصل إلى الناس وتقنعهم بحكمة سياسته، وبأنهم وحدهم وباستدعاء الوطنية المصرية- يستطيعون صنع حياة جديدة بعيدا عن مشكلات العالم العربي وتعقيداتها".

في اليوم التالي لعودته من "كامب ديفيد" إلى القاهرة، استدعى "السادات" نائبه حسني مبارك وكلفه بتشكيل الوزارة جديدة.


يكشف لنا "هيكل" أن "مبارك" سمع التكليف وراح على الفور يجري اتصالات لتشكيل هذه الوزارة، وفي اليوم الذي كان قد اتصل فيه بـ11 وزيرا مرشحا، حدثت تطور غريب.

يروي "هيكل" أن السفير الأمريكي في القاهرة هيرمان آيلتس بمجرد أن عاد إلى مصر وسمع بما حدث، طلب موعدا عاجلا مع الرئيس "السادات".

سأل السفير الأمريكي، الرئيس المصري عن صحة ما سمعه عن تكليف "نائبه" بتشكيل الوزارة، فرد "السادات" بأن ذلك صحيح، وهنا أبدى "آيلتس" اعتراضه على القرار، من منطقل "صداقته" للرئيس وللنائب، بحسب تعبيره.

تعجب الرئيس "السادات" من موقف سفير الولايات المتحدة، الذي راح كان رأيه أن تكليف حسني مبارك برئاسة الوزراة في هذه الظروف "مجازفة لا داعي لها".


ثم شرح رأيه للرئيس "السادات"، قائلا إن وضع نائب رئيس الجمهورية لا يجب تعريضه لمشاكل العمل التنفيذي لأنها قد تؤثر على مصداقيته، ناصحا الرئيس بالحفاظ على مستقبل نائبه لأن يعتبر "الاحتياطي الضروري" له في أي وقت.

 وبحسب ما يكشفه ِ"هيكل" فإن السفير الأمريكي قال نصا: "تعريض النائب لمسئولية رئاسة الوزارة تعني حرقه- إلا إذا كان في نية الرئيس أن يعين نائبا آخر لرئيس الجمهورية. فمن المستحيل في تقديره أن يحصل الجمع بين المنصبين: رئيس الوزراء، ونائب رئيس الجمهورية".

بدت على الرئيس "السادات" علامات الحيرة بعد أن فاجأة السفير الأمريكي بهذه "المعضلة"، لأنه "منذ عاد من كامب ديفيد وفكره مستقر على تكليف حسني مبارك برئاسة الوزارة، ولم يفكر في غيره".


أربك السفير الأمريكي حسابات "السادات" إذن، بل وأخذ يلح في الكلام قائلا إنه "لا يزال ينصح بالبحث عن مرشح آخر مارس المسئولية التنفيذية من قبل، ويكون قابلا للتغيير في أي وقت عندما تقتضي ذلك ظروف سياسية".

وهكذا، تراجع "السادات" عن القرار في نفس يوم المقابلة مع السفير، إذ أنه استدعى على الفور الدكتور مصطفى خليل في استراحة "القناطر"، وأبلغه أنه قرر – بعد إطالة تفكير- إسناد الوزارة إليه، وطالبه بأن يجري مشاوراته وأن يقدم له التشكيل الجديد في ظرف ثمان وأربعين ساعة.

كان نبأ تكليف "مبارك" بتشكيل الوزارة بات معروفا على الأقل في الأوساط السياسية، لذلك فإن الدهشة ملأت وجه مصطفى خليل، وصارح الرئيس بما يعرفه، لكن "السادات" قاطعه بهدوء قائلا: ""مالكش دعوة".

ولما ألح مصطفى خليل في كلامه أكثر منوها الرئيس بأن النائب حسني مبارك اتصل ببعض المرشحين للوزارة بالفعل، قاطعه "السادات" مرة أخرى قائلا: "يا أخي هذا شغلي أنا".


وفي 2 أكتوبر 1978 تولى مصطفى خليل رئاسة الحكومة رسميا، بدلا من حسني مبارك الذي ربما لم يخطر في باله أنه سيكون على موعد مع منصب أكبر بعد ثلاث سنوات بالضبط، ليصبح رئيسا خلفا لـ"السادات"، بل ويشكل حكومة برئاسته، وفقا لطبيعة الظرف الحساس الذي كانت تمر به مصر آنذاك.