الثلاثاء 16 أبريل 2024 الموافق 07 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"قضبان وأسلاك شائكة".. قصة وضع فرقة نجيب الريحاني في الحجر الصحي باليونان

الفنان الراحل نجيب
الفنان الراحل نجيب الريحاني

عندما يُذكر تاريخ المسرح والسينما العربية فإن اسم نجيب الريحاني يلمع كواحد من الذين أخلصوا للفن وأعطوه دفعة قوية، وملأوا بالبهجة أنفس الملايين.

في مثل هذا اليوم، 8 يونيو، عام 1949، رحل عملاق الكوميديا نجيب الريحاني، متأثرا بمرضه بداء التيفود، تاركا ورائه العشرات من الروايات للمسرح وعشرة أفلام مميزة في مشوار السينما.


وفي هذه المناسبة، وارتباطا بالظروف الحالية لانتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19"، نستعيد هذه القصة من سيرة نجيب الريحاني، والتي رواها في مذكراته، الصادرة عن دار "الهلال" 2017.

في بداية الثلاثينيات، مرّ "الريحاني" بفترة يطلق عليها النقاد "الفوضى الفنية"، حيث تراجعت قيمة ورواج مسرحياته، وتبع ذلك تدهور الحالة المالية للفنان الراحل.

لذلك، انتهز "الريحاني" فكرة للسفر إلى بلاد المغرب العربي، في شتاء عام 1931، لعرض عدد من رواياته على المسارح هناك. فراح يشكل فرقة مسرحية خاصة به من جديد، بناء على اقتراح متعهد اسمه علي يوسف.

كانت الرحلة الفنية لفرقة نجيب الريحاني تبدأ من تونس، وسريعا رتب متعهد الفرقة السفر لنجوم وأعضاء الفرقة، على أن يلتقوا في مارسيليا الفرنسية ومنها إلى بلاد المغرب.

في البداية، سبقتنا طليقته بديعة مصابني، التي عادت إلى فرقته، إلى فرنسا لإنجاز عمال سينمائية خاصة بها، على أن تلتقي بهم في مرسيليا.

ثم ركب "نجيب" بعد أيام باخرة فرنسية إلى مارسيليا، أما أفراد الفرقة، البالغ عددهم 40 فردا، منهم المؤلف البارز بديع خيري، فرتب لهم المتعهد، من باب التوفير، السفر على متن باخرة متواضعة المستوى، تخرج من الإسكندرية إلى بورسعيد ثم إلى بيروت وبعد ذلك إلى أثينا ومنها إلى مارسيليا، حيث مكان التجمع.

 ويبدو أن "الريحاني" كان لديه إحساس بما سيحدث، فكتب في مذكراته عن هذه الباخرة التي تقل فرقته أنها إن وصلت فستصل إلى مرسيليا "بعد عمر طويل! هذا إذا وصلت في سنتها".

وصل "الريحاني" إلى مارسيليا، وهناك انتظر فرقته يوما، ويومين، ثم طال الانتظار أسبوعًا وأسبوعين، فتأكد لـ"نجيب" أن شيئا قد حدث للباخرة.


يقول: "فقدت الأمل في لقاء أعزائي وأصدقائي الذين شاركوني في حلو الحياة ومرها. فلعنت علي يوسف، ولعنت الساعة التي أشار فيها بهذه الباخرة المقصوفة الرقبة! ولقيت بديعة مصابني فحملت معي نصيبا من البحث".

تواصل "الريحاني" مع شركة البواخر التابعة لها الباخرة، وبعد انتظار مرير جاء الخبر بأن هناك شخص أصيب بالطاعون كان على متن الباخرة في أثينا، فحجزت السلطات جميع من كان على متنها في حجر صحي "كارنتينا"، وهو السر الذي أدى لتأخر لحاقهم بنجيب الريحاني إلى مرسيليا.

وبعد انتهاء فترة الحجر استأنف أعضاء الفرقة سفرهم إلى مرسيليا، ففرح "الريحاني" بوصولهم للغاية، وهناك حكوا لهم ما حدث لهم في فترة محنة "الكارنتينا".

يروي نجيب الريحاني أن أعضاء فرقته ذكروا له "أن الأطباء كانوا يجرون الكشف عليهم يوميا، وكانوا يأمرونهم بخلع كل ما عليهم من ملابس".

ثم يكشف لنا جانبا آخر من إجراءات الحجر الصحي فيقول: "أما في مواعيد تناول وجبات الطعام فقد كانوا يلقون إليهم بالأكل من بين قضبان حديدية، بحيث لا تلمس أيديهم يد أحد من نزلاء "الكارنتينا" أو "الكردون" الذي كان محاطا من جميع نواحيه بالأسلاك الشائكة وخلفها هذه القضبان الحديدية".

الأمر اللافت حسبما يحكي "الريحاني" أن فترة الحجر الصحي تلك كبدته خسائر فيما بعد، إذ أن متعهد الفرقة كان قد استأجر مسرح البلدية في تونس لمدة 12 ليلة كانت متاحة فقط، لكن بسبب "الطاعون" والتأخر في الوصول، أضاع عليهم 4 ليالي من المسرح، لأنهم وصلوا متأخرين أربعة أيام عن موعد حجز المسرح.


مشكلة أخرى يرويها "الريحاني" بحس ساخر رغم صعوبة ما ترتب عليها، إذ أن المتعهد أيضا كان قد استدان قبل وصول الفرقة 1200 جنيه في تونس لزوم مصروفات الدعاية للفرقة والمعيشة.

ويعلق نجيب الريحاني على ما حدث بعد ذلك بقوله: "وقبل أن نبدأ العمل بوغتنا بحضرات السادة الدائنين وقد شرّفوا قبل وصول أي زبون، شرّفوا لا للفرجة كغيرهم لا سمح الله، بل للحجز على إيراد الشباك سدادا لديونهم المستحقة بس!".

ثم يختم بأسلوب ساخر: "والله عال.. يعني جايين من مصر مخصوص، وشايفين الويل وويل الويل في البر والبحر وفي الطاعون وأثينا علشان نسدد الديون!".