الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

أحمد منسي.. "الملحمة أخلد من التماثيل" (بروفايل)

إبراهيم الرفاعي-
إبراهيم الرفاعي- أحمد منسي- محمد عبيد

سلسلة الشهداء ممتدة، حلقاتها صلبة لا تنفلت. مشدودة على امتداد أرض الوطن، وكأنها تطوِّق مصر وتحميها من أي عدو.

من بين حلقات هذه السلسلة، تبرز عدة حلقات مميزة، فولاذية الروح، تحافظ على قوة السلسلة الأم، وتشد من قوة باقي الحلقات الأصغر.

الشهيد أركان حرب أحمد منسي، قاد الكتيبة 103 صاعقة، والذي استشهد مع معظم رجاله دفاعًا عن كمين البرث، بمدينة العريش في سيناء، واحد من هؤلاء.

ما الذي يجعل "منسي" مميزًا إلى هذا الحد؟ لماذا أصبح رمزًا للمقاتل المصري في الألفية الثالثة؟

ضمن الصور الكثيرة المُلتقطة للشهيد، نراه واقفًا وسط رجاله، على وجهه ابتسامة عريضة، ولحيته نابتة، في دليل واضح على أنه يعيش في حالة حرب دائمة.

سر "المنسي" الذي جعل منه أسطورة حية ، ينبع من تلك الصورة التي تجسد كيف تكون قائدًا ملهما لرجالك، في آخرهم وقت الراحة، وأولهم وقت المعركة.

في قصيدته البديعة "أسامينا في الشهدا"، التي كتبها عن بطل أحداث الثورة العرابية، الأميرالاي الشهيد محمد عبيد، يقول الشاعر فؤاد حداد: "الفارس المصري الشهم.. زارق من الدوامة زي السهم.. وجبينه صاحب همّ بيفكر.. ويغازل النور اللى يتفجَّر".

"عبيد" هو بطل موقعة التل الكبير، استشهد في الأول من فبراير 1881، انصهر جسده وهو صامد على مدفعه ضد نيران الاحتلال الإنجليزي.

بعد نحو 90 سنة من سقوط محمد عبيد، كان بطل آخر يدافع بجسارة استثنائية عن أرض الوطن المحتلة، هو الشهيد العميد إبراهيم الرفاعي، بطل الصاعقة في حربي الاستنزاف و6 أكتوبر.

"الرفاعي" الذي كان قدوة لـ"منسي"، هو حلقة أخرى مميزة في سلسلة الشهداء الممتدة. كان رأس حربة للجيش المصري ضد العدو الإسرائيلي، في معركة مغايرة للتي خاصها "منسي" ضد الجماعات المسلحة.

سقط "الرفاعي" في 19 أكتوبر 1973، بينما كان يصد بجسده هو ورجاله تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى غرب القناة، كان مصمما على أنهم إذا مروا فسيكون على جسده أولًا.

في وصف بديع آخر يقدمه الكاتب جمال الغيطاني عن إبراهيم الرفاعي، وكأنه يصف كل بطل حقيقي، يقول: "كان يقاتل كي يؤمن النظرة الهادئة في العيون".

معنى آخر مشابه لما يقوله "حداد" عن محمد عبيد: "وجبينه صاحب همّ بيفكر".

كان أحمد منسي من هؤلاء الذين يحملون "همّ الوطن" في قلبه، يفكر كيف يموت كي يحيا الآخرون في أمان، كي ينعمون بنظرة هادئة في عيونهم، وفي 7 يوليو 2017 تصدى بجسده لعدو آخر ونفذ عهدًا قطعه على نفسه.

في النشيد الحماسي لقوات الصاعقة "قالوا إيه علينا دولا"، تخليدًا لأحمد منسي وأبطال ملحمة البرث، أصبح الشهيد أكبر من شخصه، أصبحت سيرته ملكًا للوطن كله: "منسي بقى اسمه الأسطورة.. من أسوان للمعمورة".

يموت الشهيد وتظل سيرته مثل آبائه من المقاتلين الذين سبقوه، بالضبط مثلما يقول فؤاد حداد: "يفضل على طول الزمن منصور. وما يتقلعشي من السلاح والمهر. ولا من شبابه لحد نفخ السور".

محمد عبيد.. إبراهيم الرفاعي.. أحمد منسي، أزمنة مختلفة، أحداث مختلفة، لكن الروح واحدة، تلك الروح الفولاذية التي تتصل بقناة خفية مع روح الشعب، ومن هنا يأتي تخليدهم.

يقول فؤاد حداد في وصف آخر للشهيد: "الملحمة أخلد من التماثيل.. كان حي ما له في الشجاعة مثيل"، ثم يدعونا إلى الاحتفاء بهم قائلا: "عظم شهيدك كل دم يسيل.. على أرض مصرية عظيم الجاه".

لكن الأهم ما يختم به الشاعر في أن نتهجى أسماء هؤلاء على ألسنتنا في كل الأزمة، أن نمد سيرتهم إلى أطول مما عاشوا في الحياة.

يوصي فؤاد حداد قائلًا: "الأولة غني الأمل وجهاده.. والتانية واصل غنوة استشهاده.. والتالتة علِّمها الولاد يتهادوا". وهكذا على الدوام حتى لا تنقطع سلسلة الشهداء، أو سيرتهم الخالدة.