الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

فرج فودة.. رأس حربة في مواجهة طيور الظلام

المفكر الراحل فرج
المفكر الراحل فرج فودة

- دافع عن مدنية الدولة.. هاجم فتاوى التكفير وأعمال العنف وشركات توظيف الأموال.. ومناظرة فكرية أدت لاغتياله

من قاعة المحاضرات إلى قاعات الندوات، ومن قلم كان يكتب به أبحاثه ودراساته إلى القلم الذي أصبح سلاحه الوحيد عبر صفحات الجرائد ليدافع به عن آرائه في الحرية والتنوير.

هكذا تحول الدكتور فرج فودة من أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة عين شمس، إلى واحد من أشهر الكتاب في الثمانينيات والتسعينينات في القرن الماضي.

فرج فودة، الاسم البارز في حركة التنوير المصرية، عاد للظهور مجددا رغم مرور أكثر من ربع قرن على اغتياله، بسبب استعادة منشورات للممثل أحمد الرافعي الذي لعب دور شخصية تكفيرية في مسلسل "الاختيار" الذي يُعرض حاليا.

حصل "فودة"، المولد بقرية الزرقا بمحافظة دمياط، على بكالوريس الاقتصاد الزراعي في يونيو 1967، ثم عمل معيدا بكلية الزراعة جامعة عيم شمس، وحصل على درجة الماجستير ثم الدكتوراه في عام 1981.

أستاذ الزراعة الذي توفي في السابعة والأربعين من عمره، كانت للتواريخ دلالات مهمة في حياته، ففي نفس العام الذي تخرج فيه، 1967، وقعت نكسة 5 يونيو، التي راح فيها شقيقه "محيي الدين"، إذ استشهد بعد 3 أيام فقط من تخرجه في الكلية الحربية.

في ذلك العام الكارثي على مصر، بدأ عقل "فرج" يراقب الأمور ويحللها، ليتشكل فكره الخاص الذي سينضج فيما بعد وسيكلفه حياته، إذ رأى أن مواجهة إسرائيل تتطلب مزيدا من التأقلم مع الحضارة الحديثة، واحترام العقل والعمل، والابتعاد عن الخرافات والتفسيرات الدينية للأمور.

بعد 14 سنة من ذلك التاريخ، عندما اُغتيل الرئيس أنور السادات، في 6 أكتوبر 1981، كان على "فودة" أن يشق لنفسه طريقا آخر، بعيدا عن العمل الأكاديمي والمحاضرات والأبحاث والطلاب، إذ قرر أن "حادث المنصة" بداية إعلان دموية عن تغلغل التيارات المتشددة في مصر.

بدأ فرج فودة في كتابة المقالات المناهضة لأفكار وتصرفات المتشددين، وأخذ يفند ويرد على حججهم، مطالبا بفصل الدين عن الدولة، وإن كان يرى أن الدين متأصل في المجتمع ولا يمكن معاداته.

أصدر "فودة" عدة مؤلفات كانت بمثابة طلقات فكر نارية في مواجهة طلقات الرصاص الحي التي كان يطلقها المتشددون على من يخالفهم في الرأي، فكتب "قبل السقوط"، "حوار حول العلمانية"، "النذير"، "المعلوب"، ومؤلفات أخرى.

في تلك الفترة، الثمانينيات وأوائل التسعينيات، شاعت في مصر أفكار وتصرفات ملأت الأجواء وأفسدت الهواء، مثل معاداة المسيحيين، وشركات توظيف الأموال ذات "الخلفية الإسلامية"، وفتاوى التكفير، وعمليات العنف من الجماعات الإسلامية والتي استهدفت شخصيات مسئولة وعامة مثل وزيري الداخلية السابقين حسن أبو باشا والبنوي إسماعيل.

تصدى فرج فودة لكل هذا، وراح يكتب المقال تلو الآخر بلا كلل، فيرد على كاتب إسلامي أو داعية متشدد، ويواجهه بالحقائق، بينما كانت تزداد ضده الضغائن من قبل التيار الآخر.

يقول في مقدمة كتابه: "قبل السقوط": "لا أبالي إن كنت في جانب والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول".

كان فرج فودة يؤكد أنه "يكتب للمستقبل قبل الحاضر"، مرددا مقولته "الله والوطن من وراء القصد".

في رأي "فودة" فإن الكتابة لا بد أن تكون مزعجة لا مريحة. يقول: "أنا كما تعرفوني أهوى المنطق وأعشق استخدام العقل"، لكن يبدو أن تصوراته كانت مثالية في تلك الأجواء.

ففي مناظرة شهيرة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب يوم 7 يناير 1992، جلس فرج فودة ليتناقش في مفهوم "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية"، أمام الشيخ محمد الغزالي ومرشد جماعة الإخوان مأمون الهضيبي والدكتور محمد عمارة، في لقاء حضره الآلاف آنذاك.

بعد المناظرة التي أبدى خلالها "فودة" قوة في الرد بالعقل والمنطق، مدافعا عن مدنية الدولة، ثارت أنصار التيار الإسلامي، وامتد صدى المناظرة إلى صفحات الجرائد، فأفتى عدد من الشيوخ، منهم "الغزالي" بما يفيد أهمية اغتيال فرج فودة دفاعا عن الإسلام.

التقط فتوى الاغتيال المبطنة ثلاثة من أنصار التيار المتشدد، فانتظروا الكاتب الأربعيني أسفل مقر الجمعية المصرية للتنوير التي أسسها "فودة" وأطلقوا الرصاص الحي على صدره.

كان ذلك في 8 يونيو من ذلك العام، وظل فرج فودة 6 ساعات يصارع الموت قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليخرج قادة المتشددين والجماعات الإسلامية فرحين بـ"نفوق رجل من أعداء الدين".

في المقابل، كان فرج فودة مؤمنا بالاختلاف في الراي، ومواجهة الكلمة بالكلمة، وأنه ليس بالضرورة أن تتفق مع كل ما يقول، لكنه من الواجب حمايته حقه في التعبير عن ذلك، ومبشرا بأن كل هذا "غمة ستنزاح.. ومأزق تاريخي سوف نعبره.. وردة حضارية سوف نتجاوزها".