الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

محمد فؤاد يكتب: وقائع رقابية (3).. ملحوظات حول الموازنة الجديدة

الرئيس نيوز

تحتل الموازنة العامة للدولة، أهمية عظمى، كونها تمثل خطة التنمية والدعم الاجتماعي التي تسعى الحكومة لإقرارهما خلال عام كامل، وكذلك تحصيل الإيرادات والموارد في سبيل تحقيق ذلك.. هذا في الظروف العادية فما بالك من الأهمية الإضافية التي اكتسبتها الموازنة للعام المالي المقبل كونها تتزامن مع جائحة فيروس كورونا والأعباء الكارثية التي فرضتها على الصحة والاقتصاد وغيره.

وفي ضوء ذلك، استحوذت مناقشات الموازنة العامة للدولة 2020-2021 في اللجان البرلمانية النوعية، على كامل اهتمامي خلال الأسبوع المنصرم، حتى أضمن تكييفها مع الأزمة التي تمر بها الدولة، وأيضا إعطاء القطاعات المختلفة ما تستحقه من دعم واهتمام حتى تقوم بالدور المنوط بها.

دعنا نتفق في البداية، على الاستفادة التي تعود على فاتورة الدعم التي تتكبدها الموازنة سنويا، جراء انخفاض أسعار البترول عالميا، في ظل أننا دولة مستوردة من المستوى الأول للمواد البترولية، ومع هذا فالأعباء التي فرضتها أزمة الفيروس، أضرت بموارد الدولة الأخرى من قطاعات السياحة والطيران والضرائب وغيره، بما يؤكد صعوبة وضع موازنة هذه المرة طالما لا نعرف موعد محدد لانتهاء الفيروس.

هناك العديد من السلبيات التي تضمنتها الموازنة المقترحة، خاصة وأنها لم تتناسب قط مع كارثية الموقف الذي سببه فيروس كورونا، والسبب في ذلك هو أن وزارة المالية لم تكن على قدر صعوبة الموقف، فهي لم تضع دراسات أو سيناريوهات تعتمد على تطور الموقف فيما يخص الفيروس وأعباؤه، وكذلك لم تعطي القطاعات التي تعاني بسببه مستحقات كافية.

وكذلك اثير اللغط حول مقترحات أراها سوف تسبب أزمة أيضا، منها اقتطاع الـ1% من مرتبات العاملين بالقطاع العام لمدة سنة، خاصة وأن هناك كلفة اجتماعية لهذا القرار تفوق فائدته المادية، في حين أن هناك حلولا أخرى قد توفر المليارات من بينها تطوير قدرات الجهاز الضريبي و التوسع في الشمول المالي وغيره الكثير.

ولكني من خلال فريق العمل المعاون، وضعت تصور وتعليقات من خلال أوراق بحثية على الموازنة العامة الجديدة، وحرصت على مناقشتها في اللجان المعنية حتى نعدّل كبرلمان ما يمكن حرصا على الصالح العام، وجاء ملخص هذه التعليقات كالتالي:

- جاءت أزمة الفيروس لتضع تحدي كبير أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ليس فقط بشأن شكاوى بعض الطلبة من عدم وجود مقررات إلكترونية لبعض الكليات ولكن أيضا بشأن دور البحث العلمي في التعامل مع التحديات التي تواجه مصر.

ناهيك عن انخفاض عدد الجامعات في مصر لأقل من 50% عن المعدل العالمي، وضعف البنية التكنولوجية للجامعات المصرية وعدم وجود استراتيجية واضحة للتعليم عن بعد، وضرورة زيادة الاستثمارات في الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية.

- وكذلك الحال مع موازنة التعليم، حيث أظهرت أزمة الفيروس أوجه الضعف المؤسسي المسيطر على أداء منظومة التعليم، وأثر ضعف البنية التكنولوجية لقطاع التعليم خاصة في المناطق الريفية والنائية في تفاقم المشكلة. 

وبالتالي فهناك ضرورة لقيام مشروع الموازنة بترجمة رؤية عملية للتحويل الرقمي والتعليم عن بعد، من خلال توفير متطلبات الإنفاق عليها بتوفير بنية تكنولوجية قادرة على استيعاب أعداد الطلاب والوصول بكثافة الفصول إلى المعدل العالمي لتحسين مناخ التعليم في مصر. 

- موازنة الاتصالات شهدت نقصا بحوالي 14 مليار جنيه عن موازنة السنة الماضية، بما لا يعكس الدور المتنامٍ لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الاقتصاد المصري والاحتياج الشديد لتطوير البنية التكنلوجية في مجالات كثيرة أهمها التعليم.

- أما عن موازنة التموين، فانخفض قيمة الدعم في مشروع الموازنة الحالي ليصبح 84 مليار جنيه، رغم أنه بلغ العام الماضي 89 مليارا، وذلك بالتضاد تماما مع تصريحات وزير التموين، وبما يطرح تساؤلات عدة عن كيفية تحمل هذا المبلغ لفاتورة الدعم التمويني وآلية تحقيق الأمن الغذائي وأيضا خطة التحول إلى الدعم النقدي.

- وبالرغم من الأعباء التي فرضتها الأزمة على نسبة كبيرة من المواطنين، وضرورة إطلاع وزارة التضامن على دورها في هذا الأمور بزيادة برامج الدعم الاجتماعي وتوسيع مظلتها، وأيضا على الرغم من عدم التوسع في فاتورة الدعم السلعي نجد أن موازنة التضامن تقريبا لم تزيد عن العام الماضي، بل على العكس هناك انخفاض في المبالغ المدرجة للمزايا الاجتماعية وإغفال تام لكيفية تطبيق قانون الأشخاص ذوي الإعاقة الذي طال انتظار بشائره.

- الكارثة الكبرى جاءت مع موازنة الصحة، التي تتطلب زيادة في ضوء تبعات أزمة انتشار فيروس كورونا، ففي الوقت الذي نجد فيه الإنفاق على الصحة عالميا يستحوذ على نسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي و20% من إجمالي الإنفاق الحكومي، نجد أن مصر لا يتجاوز فيها الإنفاق على الصحة 2% من الناتج المحلي الإجمالي و5% من الإنفاق الحكومي، وهو ما يوضح أن الحكومة عليها دور مهم في زيادة الإنفاق على الصحة بما يتواكب مع المعدلات العالمية وبصورة تعود بمزيد من المؤشرات الإيجابية للقطاع.

وإذا كان من الصعب الوصول بمعدلات الإنفاق في مصر للمعدلات العالمية، فليس أقل من أن يكون هناك ترشيد وحسن استخدام للموارد المتاحة لوزارة الصحة خاصة مع العديد من علامات الاستفهام حول بعد الزيادات في الإنفاق لأبواب الموازنة العامة لوزارة الصحة.

لقد كشفت الأزمة عن أوجه الضعف في قطاع الصحة وضرورة وجود تصور عام لوضع قطاع الصحة في مصر أمر يفرضه الواقع لتلبية احتياجات المواطنين في الحصول على خدمات صحية جيدة، ومعاملة طبية تراعي المرضى من أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقة، وإن يكون مشروع الموازنة لقطاع الصحة معبرا عن هذا التصور وهو ما لم نجده في مشروع الموازنة الحالي.

- أما أجور الموظفين والتعويضات، لم يوضح مشروع الموازنة أي أثر لعملية التدريب التحويلي في تحقيق قيمة مضافة سواء بتوفير الكوادر اللازمة لبعض الوظائف أو بتخفيض قيمة الأجور وتعويضات العاملين، والكارثة الأكبر، أنه لم يضع حدا لمأساة العاملين بالصناديق والحسابات الخاصة "العقود بكافة أشكالها والعمالة المؤقتة".

ولا تزال مناقشات الموازنة مستمرة.