الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"شبهة الربا" أجلتها 30 سنة.. كيف تطورت فكرة بنك مصر من محمد على إلى طلعت حرب؟

الرئيس نيوز

قبل 100 سنة بالضبط، وتحديدا في 7 مايو 1920، اجتمع المساهمون في إنشاء بنك مصر لأول مرة، ليعلنوا أن المشروع الذي كان حلم تأسيس بنك وطني مستقل أصبح حقيقة.

وفي ذلك التاريخ، لم تكن فكرة بنك مصر جديدة تماما، لكنها كانت نتاج نحو 80 سنة من التطلعات والأفكار، بحسب كتاب "طلعت حرب.. بحث في العظمة"، للسياسي الراحل فتحي رضوان. 

يبدأ "رضوان" قائلا إن محمد علي والي مصر أصدر عام 1258 هـ، حوالي 1840 م، أمرا بإنشاء بنك "مثل بنوك الممالك المتحدة ويكون له امتياز وسلطة في تسعير العملة والأوزان وتسعير سائر أصناف الزراعة والتجارة".

حلم عرابي

وتأسس المشروع برأسمال قدره 700 ألف ريال، دفعت منها مصر 400 ألف، وتكفل بالباقي اثنين من رجال الأعمال الأجانب، لكن الفكرة ما لبثت أن انهارت سريعا بعد تراجع نفوذ محمد علي سياسيا، إثر تحجيم الدول الأوروبية لحملاته العسكرية، ثم مرضه ووفاته بعد ذلك.

ويلفت المؤلف إلى أن الزعيم الوطني أحمد عرابي كان عازما على إنشاء بنك تسليف زراعي للفلاحين، لولا أن الأحداث داهمته بعد ذلك فقضت على الحلم. 

ويشير فتحي رضوان إلى أن الفكرة عادت لتغازل خاطر المصريين مجددا بعد سنوات، وخصوصا بعد أن اشتدت أزمة الديون الخارجية في عهد الخديو إسماعيل.

ويؤكد "رضوان" إلى أن أول من دعا لفكرة بنك مصر بشكل صريح كان أمين شميل، وذلك في مقال نشره في 26 أبريل 1879 في جريدة "التجارة" التي كان يصدرها أديب إسحق.

شبهة تحريم البنوك

وبعد سلسلة من المقالات، اجتمع "شميل" مع عدد من أعيان مصر، وعلى رأسهم محمد سلطان باشا، وعمر لطفي باشا، وأصدروا بيانا دعوا فيه المصريين إلى إنشاء البنك الوطني المصري، قالوا فيه: "إذا نظرنا إلى حال كل مملكة من الممالك الأوروبية على حدتها نجد أن كلا منها مستقلة ببنوكها المهمة وأن أسعد تلك الممالك وأوسعها تجارة وأنجحها صناعة وأنفذها كلمة وأقدرها سلطانا هي أشدها استقلالا ببنوكها لأن المال أساس العمال".

ومن اللافت للنظر أن البيان دافع من البداية عن شبهة "تحريم البنوك"، نافيا أي وجود للربا أو ما نهى عنه الدين، لكن رجال الدين عارضوا الفكرة ولم يحاولوا إقناع المصريين بها.

وظلت الفكرة محل نقاش دون تنفيذ، وفي نوفمبر 1908 أعاد عمر لطفي عضو البنك الوطني ووكيل كلية الحقوق الحديث عن المشروع مجدددا ضمن محاضرات له في نادي المدارس العليا.

فوبيا الاصطدام بأفكار المسلمين 

ومما قاله عمر لطفي آنذاك أن "المشروع سابق لأوانه الآن وأن الأفكار لم تتهيأ بعد لقبوله، وأخشى أن المسلمين المصريين الذين هم أغلب سكان البلاد لا يقبلون عن طيب خاطر على أن يشتركوا عن طيب خاطر في مشروع أساسه الإقراض بالفائدة".

وبعد وفاة عمر لطفي، كانت الفكرة قد اختمرت ليتلقاها الاقتصادي طلعت حرب بكثير من الجدية، فناقش المشروع في اجتماع المؤتمر المصري الأول، وشعر بأن الظروف مهيأة للتنفيذ، خصوصا في السنوات التالية على اغتيال بطرس غالي رئيس الوزراء عام 1910.

أول جمعية عمومية للمساهمين في بنك مصر

وفي مثل هذا اليوم، 7 مايو، 1920، اجتمعت الجمعية العمومية للمساهمين في بنك مصر لأول مرة، واكتتب 126 مصريا بما قيمته 80 ألف جنيه ليعلنوا أن الحلم القديم أصبح حقيقة.

ووقف طلعت حرب يخطب في الحضور معترفا بأن الفكرة ليست حديثة، "بل فكرة قديمة أراد الله تحقيقها الآن في أنسب الأوقات وأوفق الظروف، داعيا المصريين إلى أن "نشمر عن ساعد الجد والإخلاص للسير به إلى الأمام، ففي البلاد أموال عظيمة بعضها مخزون معطل، وبعضها في بنوك أجنبية".