الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"ما تفرطش فيها تاني".. كيف أنقذ عبد الناصر تسجيلات محمد عبد الوهاب؟

الرئيس نيوز

"موسيقار الأجيال".. من هذا اللقب الذي أُطلق عليه، تستطيع أن تُخمِّن أن محمد عبد الوهاب - بجانب أنه موسيقي بارع - كان رجلا مُعمرا، مرت عليه أجيال عدة من الفنانين.
90 سنة عاشها محمد عبد الوهاب الذي تحل اليوم ذكرى وفاته في 4 مايو 1991، إذ ولد في بداية القرن العشرين، وتحديدا في 13 مارس 1901، ليكون شاهدًا ثم مشاركًا في صناعة التاريخ الموسيقي الحديث لمصر.
تاريخيا، وُلد "عبد الوهاب" في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، وعاصر مصر في زمن السلطنة ثم الملكية، ومن بعدها الجمهورية. وعايش في الحقبة الأخيرة 4 رؤساء، بداية من محمد نجيب مرورا بجمال عبد الناصر وأنور السادات، وانتهاء بحسني مبارك، الذي عيّن "موسيقار الأجيال" في مجلس الشورى، ولما توفي الموسيقار كان "مبارك" في عامه العاشر من الحكم.
ولم يرتبط "عبد الوهاب" بكل هؤلاء الحكام بحكم الزمن فقط، بل إنه بسبب شهرته الفنية وبراعته كملحن، اقترب من بعضهم، واحتك بآخرين في عدة مواقف، وعُين بقرار رئاسي عضوا في مجلس الشورى في الثمانينيات.
ومن بين مواقفه مع حكام مصر، نسرد هذه القصة لمحمد عبد الوهاب مع الرئيس جمال عبد الناصر.
يروي سامي شرف، الذي كان سكرتير "عبد الناصر" للمعلمومات، أن محمد عبد الوهاب اتصل به هاتفيا في أحد أيام صيف عام 1963، طالبا لقائه، مُصرا على القدوم إلى مكتب سكرتير الرئيس رغم أن الأخير عرض عليه أن يزوره بنفسه في منزله.
ويحكي "شرف" في كتابه "سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر"، الجزء الأول، أن "عبد الوهاب" جاء إليه وبدأ يتحدث بصوت خفيض، وهو في حيرة وقلق، عن "مسألة تعرض لها قبل ثلاثة شهور، ولا يعرف كيف يقوم بحلها لحساسيتها وعدم رغبته في خلق مشاكل يرى أنه هو ونحن في غنى عنها"، مشددًا على أن كل ما يريده هو "أن يكون الرئيس على علم بالموضوع فقط".
ألحّ سامي شرف على "عبد الوهاب" أن يحكي تفاصيل ما حدث، فروى أن مسئولا – ذكره بالاسم- زاره في منزله دون موعد سابق، وطلب منه أن يستمع لما لديه من تسجيلات نادرة بصوته لم يُذعها من قبل.
قال "عبد الوهاب" للمسئول: "بالطبع وبكل سرور.. اتفضل اسمعها".، لكن الزائر باغته بطلب: "لا.. أنا عايز آخدها وأسمعها في بيتي"، فرضخ الموسيقار لطبه وأعطاه أشرطة عليها تسجيلات نادرة.
وانتظر "عبد الوهاب"، الذي عُرف عنه عدم تفريطه في تسجيلاته، يومًا بعد يوم، وأسبوعا بعد الآخر، حتى مرت ثلاثة أشهر دون أي يعيد "المسئول" الأشرطة.
توقف "عبد الوهاب" عن الحكي، وكرر على سامي شرف ما ذكره من دقائق: "كل ما أريده أن تكونوا على علم بما حدث فقط"، وهو طلب متواضع للغاية، ربما سببه عدم علمه بمدى نفوذ المسئول عند الرئيس.
يُكمل سكرتير "عبد الناصر" القصة قائلا: "وعدت الرجل خيرا، ولم أتردد في إبلاغ الرئيس جمال عبد التاصر بتفاصيل ما دار في هذه المقابلة.. وكان رد فعل الرئيس هو الغضب".
وفقًا لسامي شرف، استدعى "عبد الناصر" المسئول واستفسر منه عن الواقعة التي روها محمد عبد الوهاب، ولما لم ينكرها، طلب منه "عبد الناصر" أن يذهب على الفور ليحضر التسجيلات التي أخذها من "عبد الوهاب".
أحضر المسئول الأشرطة توًّا وعادت سريعًا إلى "موسيقار الأجيال".
يختم سامي شرف القصة قائلا: "سلمني الرئيس التسجيلات وكلفني بأن أزور عبد الوهاب لأعيدها إليه، مع نصيحة من الرئيس بألا يفرط في مثل هذه الثروة القومية مرة أخرى".