الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

بعد التلويح بإجراءات صارمة ومؤلمة.. ماذا يحدث في اقتصاد السعودية؟

الرئيس نيوز

بدا أن المملكة السعودية في انتظار شهور عجاف خلال الفترة المقبلة، مع تراجع اقتصادها على وقع تفشي فيروس "كوفيد-19" المعروف بـ"كورونا"، من ناحية، وتراجع إيرادات النفط من جهة ثانية، وتراجع عوائد السياحة الدينية، من جهة ثالثة، وقال وزير المالية محمد الجدعان إن المرحلة المُقبلة ستشهد إلإجراءات تقشفية أكثر صرامة؛ خاصة أن المملكة قررت الإنفاق فقط على الأمور الأساسية. 
الأوضاع الاقتصادية الخانقة تجلت في أكثر من مشهد بينها عجز الموازنة العامة، وتوجه المملكة إلى المؤسسات الدولية للاقتراض نحو 60 مليار دولار. وبحسب وزير المالية السعودي فإن بلاده استخدمت أكثر من تريليون ريال (266.7 مليار دولار أميركي) من الاحتياطات خلال الأربع سنوات الماضية، لكنه لم يوضح فيما تم إنفاق هذه الأموال.


بيانات وأرقام

وزارة المالية السعودية، أعلنت الأربعاء الماضي، أن البلاد حقّقت إيرادات بلغت 192 مليار ريال سعودي (51.2 مليار دولار أميركي) في الربع الأول من العام الحالي، فيما ارتفع الإنفاق الحكومي خلال الأشهر الثلاثة الأولى إلى 226.1 مليار ‏ريال (60 مليار دولار)، وبذلك بلغ عجز الميزانية 34.12 مليار ريال (9.07 مليار دولار) خلال الربع الأول من عام 2020.
ووفقاً للتقرير، تراجعت الإيرادات غير النفطية في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 17 في المئة لتصل إلى 63.3 مليار ريال (16.8 مليار دولار) من 76.32 مليار ريال (20.35 مليار دولار). كما تراجعت إيرادات النفط خلال الربع الأول من هذا العام 24 في المئة لتصل إلى 128.771 مليار ريال (34.3 مليار دولار) من 169.1 مليار ريال (45.1 مليار دولار) في الفترة ذاتها من العام الماضي.
الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتحديدًا انهيار أسعار النفط عالميًا ربمال تلقي بظلالها الوخيمة على خطط الإصلاح الاقتصادي التي ينوي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تنفيذها خلال المرحلة المقبلة.


إجراءات صارمة

بحسب ما هو معلن فتستعد السعودية للتعامل مع التداعيات الاقتصادية التي سببها تفشي فيروس "كورونا" المستجد على بنود الإنفاق العام والإيرادات، عبر إجراءات صارمة تستهدف منها تخطي الأزمة بسلام، بحسب ما صرح به الوزير جدعانم لفضائية العربية.
فيقول الوزير إن تراجع أسعار النفط العالمية، إلى جانب تداعيات فيروس كورونا، كانا عاملان ضغط على الاقتصاد السعودي، في الوقت الذي شهدت الميزانية الربعية، زيادة بمستويات الإنفاق الحكومي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.
ولوح الوزير إلى أن بلاده ستتخذ إجراءات صارمة جداً، وإن هذه الإجراءات قد تكون مؤلمة. وقال الجدعان: "السعودية لم تواجه أزمة كهذه منذ عقود طويلة، لا بد من الحد من النفقات وتوجيه جزء منها للرعاية الصحية، الحكومة تنظر لخيارات كثيرة وما تم اتخاذه من خطوات لكبح النفقات غير كاف".
أكد الوزير أن جميع الخيارات للتعامل مع الأزمة مفتوحة حالياً، وأنه يجب تخفيض مصروفات الميزانية بشدة، موضحاً أن حزم التحفيز استهدفت المحافظة على وظائف المواطنين في القطاع الخاص واستمرار تقديم الخدمات الأساسية.
وحول الإجراءات التي اتخذتها المملكة يقول الجدعان: "كانت إجراءات حازمة وسريعة جداً، وأن الأثر الحقيقي لجائحة كورونا سيظهر غالباً في الربع الثاني وما بعده... ولم تظهر أرقام الميزانية للربع الأول أثر كورونا بشكل كبير، وأن السعودية ملتزمة باستدامة المالية العامة وبتوفير ما يلزم لمواجهة الجائحة".

تغير الأنشطة الاقتصادية 

المثير للدهشة أن مقولة العالم ما بعد كورونا لن يعود إلى ما قبله، بدا أنه بات يتم ترديدها على لسان المستويات الرسمية، فيقول الوزير جدعان: "إن العالم والمملكة لن يعودا لما كانا عليه بعد كورونا لتغير الأنشطة الاقتصادية، في ظل انخفاض الإيرادات بشكل كبير سواء النفطية أو غير النفطية منذ مطلع العام، والحكومة تنظر في مجموعة كبيرة جداً من الخيارات".
وأشار إلى أن قيمة حزم دعم الاقتصاد المعتمدة حتى الآن في السعودية بلغت قيمتها 180 مليار ريال (47.9 مليار دولار أميركي)، وهي تشكل 8 في المئة من الناتج المحلي غير النفطي.
لفت وزير المالية بأن الحكومة تقوم باتخاذ إجراءات للحد من النفقات مع الانخفاض القوي في الإيرادات، الذي من المتوقع استمراره حتى العام المالي المقبل. ولفت إلى أن الحكومة قررت الاستدانة بشكل أكبر من الأسواق العالمية ولكن ذلك وحده لا يكفي، وعليها النظر إلى قائمة النفقات في الميزانية وتوفير الأقل ضرراً على المواطنين.
أضاف: : "بعض المشاريع ستمدد بطبيعتها وسط الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، إضافة إلى أن بعض النفقات مثل تلك المتعلقة بالسفر والانتدابات ستنخفض بشكل طبيعي، وسنرفع التوصيات قريباً بخصوص النفقات التي يجب إعادة النظر فيها، استدامة المالية العامة تتطلب اتخاذ إجراءات صارمة قد تكون مؤلمة، حتى الآن يصعب التنبؤ بمدة الجائحة ولا بد من الاستعداد لها جيداً".

موازنة تقشفية

الخبير الاقتصادي، الدكتور وائل النحاس، قال لـ"الرئيس نيوز" إن تراجع أسعار النفط عاليمًا وفقدان المملكة لعوائد السياحة الدينية وهما المصدران الأساسيان للدخل تسببا في هزة عنيفة في الاقتصاد السعودي القائم في أساسه على ميزانية توسعية يتخللها الترف. وتابع: "لتداعيات الناجمة أيضًا عن تفشي الكورونا، ضاعف أيضًا من الأزمة في المملكة". 
أوضح النحاس أن المملكة كانت قد قطعت خطوات في خطط الإصلاح الاقتصادي، بناء على توصيات صندوق النقد العالمي، وبالفعل فرضت الضرائب على الدخل وعلى بعض القطاعات، وترفع من الدعم تدريجيًا، إلا أن المسار لايزال طويلًا في خطط الإصلاح، ولا يمكن الحكم على نجاحه من عدمه حاليًا. 

لفت الخبير الاقتصادي، إلى أن الخطأ الكبير الذي وقعت فيه المملكة هو طرح أكبر شركة لديها (أرمكو) في البورصة؛ وهي التي تمثل نحو (90 %) من الناتج المحلي السعودي، ما تسبب في هزة عنيفة في الاقتصاد السعودي، خاصة أن الشركة تم تسعيرها وقت الطرح بسعر مرتفع، أما حاليًا ومع انخفاض أسعار النفط تعرض السعر السوقي للشركة لهزة عنيفة مما كان له أثار سلبية على بنية الاقتصاد، وقال النحاس: "للأسف السعودية بطرح الشركة وتسعيرها كشفت عما تملكه من أوراق قوة وضغط، وأصبح جميع كروت اللعب لديها مكشوفة للجميع". 
رجح الخبير الاقتصادي أن تكون الإجراءات الصارمة والمؤلمة التي يتحدث عنها الوزير السعودي، هو تعويد الريال السعودي (العملة المحلية)، وهذا سيكون له أثار مجتمعية كبيرة، خاصة ان أسعار السلع والمنتجات ستتضاعف، مثلما حدث لدينا في مصر حينما قررنا تعويم العملية. 
تابع النحاس: "المملكة في انتظار موازنة تقشفية خلال العام المالي المقبل، وربما هذا سيوضح ما يقصده الوزير السعودي بالغجراءات التقشفية والمؤلمة"، اختتم اللنحاس حديثه بالقول: "السعودية دولة محورية في المنطقة وأي هزات اقتصادية لديها سيكون له أثار سلبية على الدول المحيطة بها بينها (البحرين – اليمن – الأردن – المغرب)".


ضبط المصروفات

يصف المستشار النفطي الدولي محمد الصبان، الذي تحدث مع "اندبندنت"  حديث وزير المالية بالجيد ففيه تمهيد لما يمكن أن تتبناه الحكومة لضبط المصروفات وتحسين الإيرادات، لتهيئة الأجواء لاتخاذ إجراءات صارمة قد تكون مؤلمة، من دون أن يوضح الوزير ماهية هذه الإجراءات إلا أن الإعلان هيأ المواطنين لتقبل الإجراءات أياً كانت حتى تمر هذه الأزمة بسلام.
لفت إلى أن الإجراءات قد تشهد تأجيل بعض المشروعات الصغيرة والكبيرة، مع الحفاظ على مستوى معين من الخدمات الأساسية وعدم المساس بها، وعلى الجانب الآخر مطلوب المزيد من تحسين كفاءة الإنفاق العام، وستصدر تباعاً قرارات في شأن تخفيض المصروفات وما يمكن أن يزيد من إيرادات الحكومة بعد دراسات مستفيضة".
شدد الصبان على أن المملكة سيكون عليها ترتيب أولويات الإنفاق العام، ولا بد من النظر في قائمة طويلة من بنود الإنفاق، مضيفاً "نبرة صوت الوزير السعودي أثناء حديثه تشير إلى أن الأزمة كبيرة وصعبة". ‏وأشار إلى أن الاقتراض من الخارج مطروح في ظل الجودة الائتمانية للسعودية وقدرة اقتصادها على النفاذ إلى الأسواق العالمية وطرح سندات دولية من حين لآخر، إذ يرتفع الاقتراض المتوقع بنهاية العام الحالي لنحو 220 مليار ريال (58.7 مليار دولار).
وتوقع الصبان أن يتم غض النظر عن الإنفاق على الترفيه وبعض إنفاق قطاع الرياضة، كما يفترض أن تتوقف المملكة عن المساهمة المالية للخارج في ظل هذه الظروف.