الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

الخطة فشلت.. قصة مبايعة الملك فاروق خليفة للمسلمين

الرئيس نيوز

الملك الشاب صلّى إماما بثلاثة أمراء عرب.. و"روز اليوسف" هلّلت قائلة: "الإسلام يُبعث من جديد"

رئيس الوزراء: إذا تعدت إيران على الصين لن يستطيع الخليفة التدخل لأن "آخرنا العريش"

 بدايةً من أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، ظهر على الملك فاروق توجه "إسلامي" في المظهر والتصرفات، بل وفي بعض التحركات السياسية. فشهدت تلك الفترة إطلاقه اللحية والإكثار من الظهور في المساجد وموالد أولياء الله.

كان "فاروق" شابا لا يزال، متمتعا بشعبية وسط الجماهير التي راحت تهتف بحياة "المليك المُفدى"، وتقدر تصرفاته الدينية، وإقامته للموائد في شهر رمضان، وإغداقه الأموال لتجديد المساجد، واهتمامه بالأزهر.

غير أن هذه التحركات لم تكن تحدث صدفة، فحسبما تشرح المؤرخة الدكتورة لطيفة سالم في كتابها "فاروق وسقوط الملكية في مصر"، أن رجال البلاط الملكي ممن ربوا "فاروق" وهيأوه لحكم مصر، وضعوا له خطة لكسب العالم الإسلامي، من خلال الملك الشاب، معتمدين على شعبيته ثم على مركز مصر كبلد الأزهر، ووصلت التخطيط إلى ذروته بترويج أن الملك هو "خليفة المسلمين" المقبل.

وبعد أن تسرد "سالم" خطوات هذه الخطة، تتوقف عند حادث بارز وقع في يوم 20 يناير 1939، عندما أمّ الملك فاروق عددا من الأمراء العرب في الصلاة بمسجد قيسون في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة.

وكان الأميران السعوديان فيصل وخالد، والأمير اليمني سيف الإسلام، قد مكثوا في مصر فترة قبل سفرهم لحضور مؤتمر الدائرة المستديرة في لندن، فصحبهم "فاروق" ومعه كبار رجال الدولة والجيش إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة.

وتروي المؤلفة المشهد قائلة: "كانت المفاجأة عندما ترك فاروق الصف الأول وتقدم إلى المحراب، ووقف على إثر الانتهاء من الخطبة وتهيأ ليؤم المصلين، وصلى بهم، وبعد أن فرغ من الصلاة ارتفعت هتافات المصلين: الله أكبر الله أكبر يحيا إمام المسلمين يحيا الملك الصالح"".

تقول "سالم" إن الأمراء الضيوف صافحوا الملك بعد انتهاء الصلاة، وقال أمير اليمن لمجاوريه: "هذا يوم عظيم حقا، فقد ضم بين يوم الجمعة وبين شهر الحج وبين أول مرة يؤم فيها الملك فاروق صلاة الجمعة".

وسريعا، هللت الصحافة الموالية للقصر لما حدث، ومنها "روز اليوسف"، التي بالغت في وصف ما حدث قائلة: "حامت في أفق الجامع أرواح الخلفاء الراشدين ترفرف حول المليك الشاب وتستمع إلى نشوة دونها كل نشوة، وكأنما أطربها أن يبعث الإسلام من جديد على يد مليك مصر المفدى، فيرفع بيده يد الإسلام الذي عاش في ظله عمر بن الخطاب".

وانتشر الخبر سريعا في أرجاء العالم، وراحت الدول تستفسر من القنصليات والسفارات المصرية في الخارج عن صحة ما حدث، فأسرعت الخارجية المصرية بنفي أي تفكير من جانب الملك في مسألة خلافة المسلمين.

كما صرحت مصادر "مسئولة" لمكتب جريدة "التايمز" في القاهرة بأن فاروقا لا يطمح إلى الخلافة، موضحة "أنه إذا كان أمّ المصلين فقد أراد أن يحيي أمراء العرب وليس لهذا العمل مغزى خاص، وأن الهتافات له كخليفة للمسلمين كثيرة منذ توليه العرش".

وادعت المصادر "أن مسألة الخلافة تجد هوى في نفوس بعض طلبة الأزهر وبعض المحافظين، ولكن رجال السياسة يرفضون مثل هذه الأماني لأنهم يرونها عبئا على مصر أو سابقة كثيرا لأوانها".

 ليس ذلك فقط، بل خرج علي ماهر باشا، رئيس الوزراء، في تصريحات رسمية نشرتها مجلة "آخر ساعة" المصورة، ليصلح الأمر فزاد التكهنات أكثر.

وحسب ما نقلته المؤلفة فإن "ماهر" قال نصا "إن الملك لا يفكر في مسألة الخلافة قبل خمسة عشر عاما، لأن لها التزامات تفوق مزاياها، ولا تستطيع مصر أن تنهض بها في الوقت الذي تمر به، وبيّن أن واجبات الخلافة أن تنشر ظلها على الأمم الإسلامية ولا تميز واحدة منها على الأخرى إلا بتقوى الله".

وضرب رئيس الوزارة مثالا ليوضح كلامه قائلا إنه "إذا اعتدت الصين على إيران أو العكس وجب على موطن الخلافة أن يرسل رئيس هيئة أركان الحرب لتأديب المعتدية وحماية المعتدي عليها".

وأردف قائلا إنه لما كان اللواء محمود شكري باشا لا يستطيع الآن أن يتخطى العريش بحال من الأحوال، فإن الحديث عن الخلافة سابق لأوانه بعشرين سنة على الأقل.

وزعم علي ماهر إلى أن هذه السنوات المطلوبة هي المدة التي حددتها معاهدة 1936 لجلاء الجنود الإنجليز عن مصر وترك البلاد في حماية أبنائها، خاتما كلامه بوضوح قائلا: "ومن هنا إلى عام 1957 تكون مصر قد هيأت نفسها لزعامة الشرق وخلافة المسملين"، ما يعنى أنه لم ينف الفكرة لكنه أعلن تأجيل تنفيذها.

لكن الأحداث لم تمهل رئيس الحكومة أو الملك من استكمال الخطة، من ناحية بسبب تخلي "فاروق" عن نزعته الإسلامية وتدني تصرفاته، ومن ناحية أخرى قياة ثورة 23 يوليو 1952، أي قبل الموعد المتوقع بخمس سنوات.