الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

نُفي للخارج 3 مرات.. قصة "فتوة" الدرب الأحمر حائز الحصانة الدبلوماسية

الرئيس نيوز

محمود الحكيم سيطر على "الكحكيين".. ثم طمع في نزع الفتونة عن زعماء الحارات المجاورة
قتل فتوة "سوق السلاح".. فتح "غُرزة حشيش" في منزله.. ومات منفيا في المغرب
الفتوات.. كلمة تحمل الكثير من معاني الجدعنة والشهامة والشجاعة، وفي نفس الوقت تنطوي على تصرفات من البطش والظلم والخروج عن القانون. ومؤخرا، أعاد مسلسل "الفتوة" الذي يُعرض حاليا، الحديث مرة أخرى عن عصر "الفتوات" في مصر، باستعراضه لأحداث درامية في القاهرة عام 1850، عندما كانت كل حارة في القاهرة تخضع لسيطرة أحد أفرادها الأقوياء. 
وفي كتاب "تاريخ فتوات مصر.. ومعاركهم الدامية"، لمؤلفه سيد صديق عبد الفتاح، والصادر عن مكتبة مدبولي عام 1995، يرصد قصصا لهؤلاء في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. 
أحد هؤلاء الفتوات كان محمود الحكيم، وهو بحسب الكتاب كان فتوة حي "الكحكيين"، بمنطقة الدرب الأحمر، والتي كانت معروفة منذ العصر الفاطمي بصناعة الكعك والحلويات، ومن هنا جاء اسم الحارة. قصة محمود الحكيم تقول إنه تربى على يد أبيه الذي علمه أصول "الفتونة"، فاستطاع إخضاع الحي لإرادته، لكنه طمع بعد ذلك في أن "ينتزع ألقاب البطولة من جيرانه فتوات الأحياء، فأدى ذلك إلى معارك عنيفة أزهقت الأرواح وأسالت الدماء". 

الفتوة يتمتع بحماية فرنسية

كان لمحمود الحكيم عداوات مع فتوات الحارات المجاورة، ففي صباح يوم عيد كان يسير ناحية شارع "تحت الربع" فرأى المعلم عبد الغني فتوة سوق السلاح. ولما كان بين الاثنين ضغائن، سار "محمود" وراء "عبد الغني" إلى باب الوزير حيث دخلا قهوة هناك. 
يقول المؤلف: "لما شعر "عبد الغني" بأن محمود الحكيم يتبعه أخذ يشتمه، وتناول مقعدا ضربه به على رأسه، فوثب محمود الحكيم وانتزع المقعد منه وضربه به ضرب أطارت بها رشده، فسقط على الأرض لا حراك به، فتركه وانصرف هانئا بفوزه". 
غرق المعلم "عبد الغني" في دمه، وجاء رجال البوليس فنقلوه إلى القسم فتوفي هناك، فقدمت والدته بلاغا للنيابة اتهمت فيه محمود الحكيم بقتل ولدها. من الطبيعي في هذه الحالة، أن تلقي قوات البوليس القبض على "الحكيم" بعد استخراج إذن من النيابة، لكن في حالة هذا الفتوة، كان على النيابة أن تستصدر ترخيصا من قنصلية فرنسا للقبض على الفتوة القاتل، لأنه كان يتمتع بحمايتها. 
ولم يوضح المؤلف ظروف منح قنصلية فرنسا الحماية لـ"الحكيم"، لكن الملاحظ أن موقفها من تصرفاته كانت شديدة، إذ تدخل القنصل في القضية فأمرت النيابة باستخراج جثة القتيل من قبره، وكلفت الطبيب الشرعي بفحصها. لكن الغريب أن الطبي قال في تقريره بأن الوفائة ناشئة من تناول كمية كبيرة من الخمر، فأخلي سبيل محمود الحكيم على الفور. 

غرزة في بيت الفتوة

حادث آخر وقع بعد أن أبلغ مأمور قسم الدرب الأحمر أن محمود الحكيم يدير محلا لبيع الحشيش في منزله في "الكحكيين"، وبالطبع قبل ضبطه استصدر إذنا من قنصلية فرنسا، فانتدبت الأخيرة وكيلها للذهاب مع قوة البوليس. وبمجرد وصول المأمور ووكيل القنصلية ومعهما 15 ضابطا وجنديا لمهاجمة "الغُرزة"، قاومهما "محمود" وأخوه "عبده" ودارت معركة أصيب فيها المأمور ووكيل قنصلية فرنسا، بخلاف عدد من العساكر. 
قُبض على "الحكيم"، وفي هذه المرة حاكمته القنصلية، وقضت بنفيه إلى الخارج فاختار بيروت، لكنه عاد إلى مصر متخفيا بعد سنتين، لكن القنصلية عثرت عليه، وبعد وساطات سُمح له بالبقاء في مصر بعد التعهد باحترام القانون. لكن محمود الحكيم لم يلتزم بتعهداته على ما يبدو، فبعد فترة قتل فتوة الخليج المصري محمود الفلكي بداخل حانة بالأزبكية اعتاد الأخير السهر بها. 
وبعد أن قبض البوليس عليعه، أرسله لقنصلية فرنسا التي أخذت في محاكمته، لكن لم يستطع البوليس إيجاد شاهد واحد ضده، فقضت المحكمة ببراءته بعد 5 أشهر في السجن طوال التحقيق، ارتاح الجميع فيها من شروره. المعركة الكبرى كانت عام 1922، عندما اشتبك محمود الحكيم مع عدد من الصعايدة في منطقته على هامش زفّة لأحدهم. 
يحكي المؤلف: "جاءت قوة من البوليس من أقسام الجمالية والدرب الأحمر والمحافظة ونقلت عربات الإسعاف عشرات المصابين من الطرفين، ولم تخمد نار المعركة إلا في المساء وأغلق أصحاب الحوانيت محلاتهم لينجوا بأنفسهم". وبعد وفاة أحد الصعايدة، قُبض على "محمود" وشقيقه "عبده" ووضعا في سجن قرة ميدان على ذمة التحقيق. 
ووفقا للمؤلف، فإن "حكمدار بوليس مصر وقف هذه المرة موقفا جديا تجاه ذلك الشرير وشقيقه، فأصر لدى القنصلية الفرنسية على نفيهما.. فنفاهما إلى بيروت". وبعد 6 أعوام، هرب الشقيقان من بيروت، ودخلا مصر متنكرين في زي أعرابيين، ووبعد أن مكثا خمسة عشر يوما في منزل زوج شقيقتهما بحدائق القبة، أبلغ شخص مجهول حكمدارية العاصمة خبر دخولهما مصر". 
ويشير المؤلف إلى أن حكمدراية القاهرة أبلغت وزارة الخارجية المصرية فطلبت الأخيرة من قنصلية فرنسا إبعاده الشقيقين، ولما قُبض عليهما، قررا التنازل عن رعوية فرنسا. غير أن القنصلية لم تقبل بخيارهما، و"أرسلتهما إلى الإسكندرية حيث أقلعت بهما باخرة إلى مرسيليا ومنها إلى مدينة فاس بناء على طلبهما". 
وفي المغرب، عاش "محمود" و"عبده" تسعة أشهر، مرض خلالها فتوة "الكحكيين" مرضا خطيرا، ومات قبل أن يصل إلى الستين.