الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

الأهالي أخفوا جثث الضحايا.. ماذا فعل وباء الكوليرا بقرية مصرية عام 1947؟

قرية القرين 1947
قرية القرين 1947

الوباء سلاح مدمر، ينتقل بخفة وشراسة ولا يعرف حدودا، قد يخرج من حي راق في أوروبا ليدخل حارة فقيرة في إفريقيا، يشتت الجميع ويوحدهم في نفس الوقت.

وعلى ذكر وباء فيروس كورونا الذي يهدد العالم حاليا، نستعيد قصة قرية مصرية ضربها وباء آخر في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي.

فى عام 1947، ضرب الكوليرا مصر، وكان حظ قرية صغيرة بمحافظة الشرقية اسمها القرين سيئا للغاية، لأنها كانت بؤرة المرض.

وفي تلك الأثناء، استطاع الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل دخول القرية، التي عُزلت تماما عن باقي البلاد للتمكن من حصار الوباء، وكتب قصة صحفية بعنوان "الحياة في قرية الموت".

ووصف هيكل ما يجري في القرية في جريدة أخبار اليوم قائلا: "علي رؤوس النخيل وبين الأكواخ المظلمة المتداعية وعلي شواطئ الترع والغدران وفي الوديان وفوق رمال الصحراء يسعي ميكروب الكوليرا في قرية القرين ويجر في أنيابه الموت أينما ذهب".

لكن هيكل ينقل أن الأهالي كانوا يتعاملون مع الخطر بروح عالية تتحدى الموت وتختار الحياة: "ينشر الوباء دخانه القائم الخانق علي القرية الصغيرة لتنهض الحياة لتبدد بسماتها المشرقة هذا الدخان وتظل تقاومه وتقاومه.. وقد تختفي الابتسامة المشرقة أحيانا وتحل محلها الدموع ومع ذلك فان الحياة لا تستسلم أبدا ولا تزال تثبت في القرين أنها الأقوي".

بحسب هيكل، كان وباء الكوليرا قد دخل القرية من خلال الغرباء، من هؤلاء العاملين الذين كانوا يعملون في معسكر للجيش بمدينة التل الكبير.

يروي الصحفي الراحل: "أصبحت هذه القرية التي كان تعدادها 15 الف نسمة تضم 25 ألف دون أن يزيد علي مبانيها بيت واحد.. وربما كان أهل القرين دون غيرهم من سكان قري مصر قد أخذوا بنظام البنسيونات.. فكل فلاح كان له بيت وكل بيت كان صاحبه يوفر من حجراته حجرة أو حجرتين يؤجرها لغريب من العمال الذين يعملون في القرين".

ويضيف: "حين تفشي وباء الكوليرا انتشر بادئ الأمر بين عمال الجيش الغرباء وكان الفلاحون من أصحاب البيوت يخافون التبليغ عن الإصابات خيفة أن يعزلوا هم الآخرون.. ويموت الغريب وليس هناك من يسأل عنه.. ويحمله أهل البيت إلي الجبل فيدفنونه ويعودون فإذا سئلوا عنه في الغد قالوا: لقد فر من القرين.. متي؟.. قبل الوباء".

ويلفت إلى التضامن الإنساني من السكان في عز الأزمة قائلا: "حدث أن فاحت من الجبل روائح خبيثة وذهب بعض المستطلعين وعادوا يقولون أن هناك جثثا.. ويظهر أن الذين قاموا بدفنها كانوا في عجلة من أمرهم فدفنوها علي بعد قريب من سطح الأرض.. وأعلن ُعمد القرية – وفي القرين أكثر من عمدة- أنهم يتبرعون لإقامة مقابر للغرباء وحدهم.. هؤلاء الذين لا أهل لهم ولا أحباب يبكون عليهم ويحزنون لأجلهم".

ويتابع: "وفي اليوم التالي بدأت إجراءات الحفر والبناء.. وخرج عدد كبير من أصحاب القرين يساهمون في بناء المقابر للغرباء وكان بين العاملين رجل اسمه رفاعي فقد أباه وزوجته وابنا له صغيرا.. افترسهم جميعا ميكروب الكوليرا وبقي رفاعي علي قيد الحياة.. ولقد حفر بنفسه ثلاث مقابر لأبيه وزوجته وابنه.. ومع ذلك فإن هذا لم يمنعه من الاشتراك في حفر المقابر.. للغرباء".