الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

د. طارق فهمي يكتب: القرار الوطني وتطورات ملف سد النهضة

الرئيس نيوز

تدرك إثيوبيا جيدا حدود وقدرات الدولة المصرية وحساباتها الشاملة وأن مصر دولة كبري في نطاقها الإقليمي ولا تنافسها قوى أخرى على أي مستوى وبالتالي عندما تتعامل في ملف مفاوضات سد النهضة فإنها تحتكم لحسابات دقيقة مخطط لها جيدا حتى قبل وصول أبي أحمد رئيس الوزراء للسلطة في إثيوبيا، ومن ثم فإن قبولها بالدخول في مفاوضات واشنطن كان مخططا جيدا ومدروسا في ظل إدراك مسبق بأن مصر قادرة على حماية حقوقها كاملة بالقانون وبأساليب أخرى  تدركها إثيوبيا جيدا ونقلت جيدا عبر وسطاء دوليين وإقليميين بأن مصر لن تتنازل عن نقطة مياه واحدة وأن هذا التوجه لن يتغير أبدا  في ظل تمسك مصر بحقها التاريخي والقانوني.

ومن ثم فإن استمرارها في المفاوضات الثلاثية بدعم الولايات المتحدة والبنك الدولي قبل الانسحاب الإثيوبي الأخير كان يؤكد أن إثيوبيا غير جادة جادة في مسارها للتوصل إلى اتفاق وهي تخطط على عكس ذلك اعتمادا على مواقف مراوغة وغير جادة أثبتها المفاوض الإثيوبي أثناء وقبل قراره بالتوقف تكتيكيا عن التوقيع على الاتفاق انتظارا لخطة الوصول إلى التشغيل التجريبي للسد ووقتها سيكون الأمر تم وحسم وفي موقف أفضل بصرف النظر عن تقديرهم الصحيح أو الخطأ بأن مصر لن تقبل الأمر الواقع وستتعامل معه في كل الأحوال وفق خياراتها السياسية والاستراتيجية التي يمكن التأكيد عليها وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن مصر لن تقبل تشغيل السد وفقا لسياسة الأمر الواقع وفرض الخيارات على مصر وأن الأمر أكده مؤخرا بيان أمريكي رسمي بصرف النظر عن ما توصلت إليه الأطراف المعنية وهي مصر والسودان والبنك الدولي ووزارة الخزانة.

إن المشهد الراهن للتفاوض بعد الانسحاب الإثيوبي لن يتغير كثيرا خاصة أن الأمر وصل إلى منتهاه ولم يعد أمام إثيوبيا إما التوقيع أو الانسحاب النهائي أو التكتيكي وهو ما قد يكون مطروحا في الفترة المقبلة إذا تمت الضغوط الأمريكية على إثيوبيا والتي تملك كثيرا من الأساليب والأنماط لدفع إثيوبيا للقبول بالعودة للاتفاق مرة أخرى وربما تحسين بعض بنوده المقدمة وهو ما قد يلبي بعض المتطلبات الإثيوبية والتي سبق وأن طرحت في جلسات التفاوض وكان يمكن الارتكان إليها وطرحها لكن المفاوض الإثيوبي راوغ واعتمد على زحزحة الوقت والانتقال من الطرح إلى القبول ثم الرفض وهو أسلوب تفاوضي معلوم وسبق وأن استخدمه الإسرائيليلون والإيرانيون مرارا في تاريخ التفاوض الدولي.

إن الرئيس السيسي سبق ونقل رسائل إيجابية إلى الجانب الإثيوبي والتي كان آخرها استقباله للمبعوث الإثيوبي في القاهرة والذي سبق الإعلان الإثيوبي بعدم توقيعها على الاتفاق بصورته الراهنة والمؤكد أن إثيوبيا كانت قد أبدت ملاحظات جديدة أغلبها فني وليس سياسي وكان يمكنها أن تطرحها في جلسات التفاوض لكن تم تأجيلها والمتوقع أن يستمر المشهد الإثيوبي على ما هو عليه وأمام مصر مسارات سبق وأن طرحت والاشكالية الكبرى ليست في تدويل الملف والانتقال من الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن إذ أن هذا الأمر سيعطي إثيوبيا الفرصة لمزيد من العمل على عنصر الوقت وتحقيق مكاسب حقيقية في الاتجاه إلى خطة تشغيل السد حيث لن يعد الخلاف حول سنوات التشغيل أو العمل أو التخزين وإنما أيضا لتبني مواقف سياسية وإعادة الخطاب الإثيوبي المكرر مرة أخرى.

مصر قادرة على حماية حقوقها وقيادتها الوطنية الكبيرة تتعامل بمنطق الدول المسئولة والتي تتفهم متطلبات إثيوبيا وغيرها وهو ما دفعها بالفعل إلى الانتقال إلى دعم  قدرات دول حوض النيل بل وبناء السدود  لتنزانيا وإقامة علاقات ممتدة وتبادل الخبرات مع أوغندا والكونغو وجنوب السودان، والرسالة أن مصر مع تنمية الدول الإفريقية ودعمها بكل الامكانيات من خلال القدرات المصرية الكبيرة حيث عرضت مصر إتمام سلسلة من المشروعات الثنائية الكبيرة لخدمة الشعبين المصري والإثيوبي.. ما تزال مصر تمد يدها إلى اثيوبيا وما تزال مصر تتعامل بمنطق الدولة الكبيرة وهذه رسالة مهمة وبليغة للجانب الإثيوبي خاصة بعد الاجتماع المهم للرئيس السيسي وقيادات القوات المسلحة.