السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

أحمد الطنطاوي يكتب: الحد الفاصل بين معارضة السلطة ومناهضة الدولة

الرئيس نيوز

على مدار السنوات الماضية، وبينما كانت هناك أغلبية واضحة - فيما أعتقد - تُثمن ما قمنا به وتقدر ما تحملناه كمعارضة وطنية أدت واجبها تجاه الوطن والمواطنين ملتزمة بالضوابط القانونية، حتى في أصعب الظروف وأخطر المواقف، أو في الحد الأدنى فقد تفهمت شرائح من تلك الأغلبية دوافعنا ومنطلقاتنا وإن اختلفت معنا.. إلا أن الأمر لم يخل من أصوات على طرفي نقيض: الأولى تتهمنا بأداء دور المعارضة المصطنعة أو المستأنسة، والثانية ترى فيما نقوم به إضرار بالدولة وتهديد لها.
وبعيدًا عن حديث النوايا أو الدخول في الضمائر، ومع الاحترام الكامل لكل صاحب رأي، فإن تكرار تلك التفسيرات من قبل بعض السادة المواطنين يلزم معه نقاشًا بعقل مفتوح.
وبالنسبة للفريق الأول فإنه يكون محقًا عندما تقبل المعارضة أن تتحرك في هامش محدود ولأداء دور مرسوم لها، ولا تشتبك مع الواقع ولا تواجه مشكلاته وتقترح لها الحلول بجرأة وصراحة وإن تناقضت مع الطرح الذي تتبناه السلطة، وفي ذات الوقت عندما لا تمتلك برنامجًا متكاملًا تحاول أن تصل به للناخبين وتسعى لكسب ثقتهم من خلال الاستحقاقات الانتخابية حتى تضعه موضع التنفيذ، وعندها يكون الاختبار الحقيقي.. بمعنى أن المعارضة الحقيقية هي التي تقدم نفسها كبديل للسلطة لا كتابع لها. 
وأما الفريق الثاني فقد يكون مفيدًا أن يتذكر أنصاره المادة الخامسة من الدستور والتي تنص على: "يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسؤلية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، على الوجه المبين في الدستور."
ولذلك فإن الرأي الآخر والرؤية البديلة ليست فقط غير مضرة، وإنما هي مفيدة للدولة، وفي الوقت ذاته هي علامة صحة للنظام السياسي بحيث يجد المواطنون غير الراضين عن أداء السلطة اختيارات أخرى أمامهم تجنبهم البحث خارج الإطار الدستوري، وهو الأمر الذي يشكل خطورة على الدولة أو يكلفها في الحد الأدنى دفع فاتورة ليس هناك ضرورة لها، كما يمكن تجنبها فقط باحترام وتفعيل الماده المشار إليها سابقًا من الدستور.
وإذا كان الحديث يطول عن أهمية المعارضة للقيام بدور الرقابة والمحاسبة والتقويم فضلًا عن تقديم البدائل الآمنة أمام المواطنين إذا ما قرروا التغيير، فإن قدرة تلك المعارضة على أداء دورها لا يرتبط فقط بمدى استعدادها وقوتها الذاتية، وإنما تتأثر بشكل مباشر بطبيعة النظام السياسي سواء من حيث بنيته أو مدى التزامه بتطبيق معايير أصبحت من قبيل القواعد المستقرة أو المسلمات في النظم الديموقراطية، وفي مقدمتها احترام دولة القانون، وضمان نزاهة الاستفتاءات والانتخابات، وصيانة الحق في التعددية، واستقلال السلطة القضائية، وحرية الرأي والتعبير من خلال وسائل إعلام مستقلة ومهنية، وعدم استخدام مؤسسات الدولة لتكريس سلطة هي بطبيعة الحال متغيرة، ولو بعد حين.
ويبقى السؤال الأهم عن الحد الفاصل بين معارضة السلطة (وهو حق) ومناهضة الدولة (وهي جريمة)، وإذا جاز التماس بعض الأعذار لرجل الشارع في الخلط ما بين السلطة والدولة لعدم استقرار الفصل بينهما في الواقع الذي نعيشه اليوم، والذي تعود عليه الشعب المصري لعقود طويلة، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لكل شخص يشغل موقع المسؤلية سواء أكان في صفوف الحكم أو المعارضة، إذ أن التفريق في هذه الحالة يكون واجبًا، كما أن الخلط قد يوقع في المحظور أو حتى المحرم وطنيًا.
وإذا كان من حق المعارضة دائمًا - بل ومن واجبها أحيانًا - أن تقدم نفسها أمام الناخبين بديلًا للسلطة، فإن عليها الانضباط الدائم والصارم بأحكام الدستور والقانون، حتى إذا ما واجهت انتهاكات من قبل الطرف الآخر، حيث إن الرد على الخطأ بخطأ وعلى المخالفة بمخالفة يقودنا في النهاية إلى حالة من الفوضي والاحتكام إلى منطق الغابة عوضًا عن الالتزام بأحكام القانون.
كذلك فإن المعارضة الوطنية هي التي تلتزم السلمية والعلانية، وتجتهد في تقديم نفسها للمواطنين، لكنها لا تسعي لإكراه السلطة أو المجتمع على قبول رأيها أو تبني رؤيتها، كما أنها لا تقر الآخرين على ذلك من قبيل المناكفة السياسية أو الرغبة في إفشال السلطة وإظهارها بموقف العاجز، والأهم أنها تسمو في المواقف الوطنية فوق مستوى التجاذبات السياسية والحزبية إعلاءً للمصلحة الوطنية.
وأخيرًا؛ فإذا كان التزام المعارضة بالقواعد الدستورية والقانونية فرضًا محتمًا، فإنه يستحب لها ألا تتمني الفشل لمن هم في موقع السلطة، بل وحتي في سعيها لأن تحل مكانهم من خلال صناديق الاقتراع فإنها – إلى أن يأتي هذا الأجل - تعينهم علي النجاح إذا أتيح لها ذلك، ليس حبًا في السلطة ولا تملقًا لها، ولكن حرصًا على صالح الوطن ومصالح المواطنين الذين يدفعون فاتورة الفشل، أو يجنون ثمار النجاح.