الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

طارق العوضي يكتب: رحلتي من الزنزانة إلى روب المحاماة «4»

الرئيس نيوز

أدخلوني ورفاقي الثمانية إلى داخل السجن، وكان في انتظارنا صفين من الجنود ممسكين بخرزانات وطلبوا منّا أن نجلس جميعا القرفصاء، في وجود مأمور السجن المقدم محمد عوض.

جلسنا مرتعدين وجميع من حولنا متجهمي الوجه، ونحن لا نعلم ماذا سيحل بنا ولا لماذا نجلس هكذا ولا سبب وقوف كل هؤلاء الجنود حولنا.

وبينما نحن كذلك أتى صوبنا ضابط فارع الطول برتبة نقيب، فابتسمنا جميعا وقفزنا إلى أعلى واتجهنا صوبه ونحن نحتضنه مرددين "كابتن فوزي.. كابتن فوزي".

كان الضابط الذي تسبب وجوده فجأة ورد فعلنا تجاهه في نجاتنا من حفلة استقبال معتادة آنذاك بواسطة الجنود.

هو لاعب النادي الأهلي آنذاك الكابتن (فوزى سكوتي)

اندهش الجميع من رد فعل هؤلاء الصبية الذين لا يدركون ما هم فيه ولا طبيعة هذا المكان المقبض، ويبدو أن إحساسا بالخجل والارتباك قد أصاب جميع الضباط والجنود بسجن استقبال طره.

قام المأمور بالنداء علينا "تعالا يا ابني إنت وهو.. إنتم بتوع إيه؟"، أجبته: "إحنا مش بتوع حاجة.. إحنا طلبة في جامعة عين شمس وتقريبا كان في مظاهرات فخدونا غلط بس إحنا ملناش في أي حاجة خالص".

وهنا تقدم نحونا النقيب فوزى سكوتي وطلب من المأمور أن يتعامل هو معنا وفعلا أذن له المأمور بذلك، حيث اصطحبنا التسعة إلى داخل السجن حيث كان يوجد بالطابق الأرضي عدد كبير من الزنازين الانفرادية متراصة، وشاهدنا من فتحات أبوابها الحديدية نظرات المعتقلين إلينا وبعضهم يردد حمدالله بالسلامة يا طلبة! ولم نعرف حينها كيف نما إلى علمهم أننا طلبة بالجامعة.

صعد بنا النقيب فوزي سكوتي إلى الطابق الثاني وفي آخر طرقات الزنازين وصلنا إلى زنزانة 31 / 2 حيث قام أحد الأفراد بفتح الباب المصفح بمفتاح كبير جدا وطلب من الشاويش إحضار نجار وكهربائي وسباك لترتيب الزنزانة كما طلب إحضار 36 بطانية بواقع 4 بطاطين لكل واحد منا.. ثم قام بطلب طعام لنا حيث أحضر لنا أحد الأفراد "جبنة وخس وعيش" علمنا فيما بعد أنها من إنتاج مزرعة طره.

تم عمل جميع الصيانات بالزنزانة وتسلمنا البطاطين وبدأنا في فرش نصفها كمراتب فوق البلاط وتركنا النصف غطاء لنا.. لم يتم تسليمنا أي ملابس فقد كان المتبع في تلك السنوات أن يرتدي المحبوسون احتياطيا والمعتقلين ملابسهم المدنية العادية.

دخلنا الزنزانة وتم إغلاق بابها المصفح علينا وسط صمت القبور الذي حل بنا فجأة.. نظرت حولي.. باب.. شباك بقضبان حديدية شديد الارتفاع.. 4 حيطان.. دورة مياه معلق عليها نصف بطانية حقيرة تستخدم كحاجب للرؤية عمن داخلها.

أخذنا ننظر إلى بعضنا البعض في صمت يحمل الكثير من الأسئلة والمعاني.. ساعات مضت دون أن ينطق أحدنا بكلمة.

وفجأة نسمع نداء علينا: "يا طلبة.. يا إخوة.. يا بتوع جامعة عين شمس.. أخذنا نتلفت حولنا في محاولة لمعرفة مصدر الصوت واستطعنا أن نتبين أنه من ناحية شباب الزنزانة المرتفع ذو القضبان الحديدية".

سألت رفاقي في الزنزانة: أرد؟ فأجابني أحدهم: رد شوف مين ده وعاوز إيه.. قمت بالرد على المنادي "أيوة"، طلب مني أن أصعد إلى شباك الزنزانة حتى نتمكن من سماع بعضنا.. فأجبته إزاي دي عالية أوي ومينفعش حد يشبك لي إيديه عشان هتوجعه.. قاللي اعمل بطانية زى المرجيحة كده واقف عليها.. سألته: إزاي؟".

أخذ المنادي يشرح لي كيفية عمل البطانية مثل المرجيحة واستخدامها للوقوف على الشباك للحديث مع الآخرين وأيضا في محاولة لشم بعض هواء خارج حدود الزنزانة أو مشاهدة اللاشئ في الفراغ الخارجي.

قمت بعمل البطانية بالفعل واكتشفت أنها سهلة للغاية وأنها بالفعل تمكنا من التواصل مع معتقلين آخرين ومشاهدة نقاط من الضوء غير المعتاد عليها داخل الزنزانة وشم بعض هواء مختلف عما بداخلها.. ودار بيننا الحوار التالي:

-        إنتم طلبة جامعة عين شمس؟

-        أيوه إحنا.

-        حمدالله بالسلامه يا أبطال.. المظاهرات بتاعتكم واصلة لغاية هنا.

-        إحنا اتاخدنا غلط ملناش في المظاهرات أساسا.

-        يا ابني متخفش إنت خلاص محبوس.. شوف عاوزين إيه أكل أو هدوم نبعتهالكم.

-        شكرا لحضرتك جدا إحنا معانا.

-        طب هبعت لكم شوية ملوخية حلوين هيعجبوكم.

سألت المنادي: هو حضرتك في زنزانة كام؟

-        أنا في التأديب!

-        عملت إيه بس عشان التأديب وإيه التأديب ده؟

-        دى زنزانة صغيرة جدا وبقعد فيها انفرادي لوحدي.. أنا واللي معايا في القضية ساكنين تأديب!

لم أفهم منه معنى الجملة السابقة فسألته: هو إنتم جايين هنا ليه؟

فأجابني: إحنا جماعة الناجون من النار.

أجبته: مش فاهم، يعني إيه الناجون من النار؟ فأجابني إحنا اللي قتلنا نبوي إسماعيل وحسن أبوباشا ومكرم محمد أحمد!

قال المنادي هذه الجملة فسقطت أرضا من فوق الشباك وصرخ رفاقي في الزنزانة "يا نهار إسود.. يا نهار إسود".

وللحديث بقية..