الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

عباس شراقي يكتب: مفاوضات سد النهضة.. محلك سر

الرئيس نيوز

انتهت الجولة الفنية الرابعة والأخيرة بعد اجتماع واشنطن دون الوصول إلى اتفاق في أي من نقاط الخلاف الخاصة بطرق الملء والتشغيل، تناولت الدول الثلاث تصريحات إيجابية خاصة في شبه اتفاق على طريقة الملء، إلا أن النتائج النهائية كانت مخيبة للآمال.

استمرار التعنت الإثيوبي طوال السنوات التسع الماضية

التعنت الإثيوبى في مفاوضات سد النهضة يترجم فى الداخل إلى قوة للدولة الإثيوبية فى ملف سد النهضة، ما يزيد من التحام الشعب الإثيوبي حول مشروع قومى وحول قيادته، وهو المكون من حوالى 80 مجموعة عرقية مختلفة في اللغة والدين والعادات وعادة ماينشأ بينهم القتال، ونجحت الحكومة الإثيوبية فى شحن الشعب نحو هذا الهدف، وربما تؤجل إثيوبيا قرارها النهائي لإعلانه فى واشنطن الأسبوع المقبل، وقد يمتد إلى ما قبل بدأ المرحلة الأولى من تشغيل سد النهضة فى يوليو 2020.

 

اللقاء الأخير لوزراء الخارجية فى واشنطن 13 يناير 2020

 

اللقاء الثاني والأخير لوزراء الخارجية في واشنطن قد يشهد إعلانا عن توافق فى قواعد الملء ولكن هناك صعوبة فى الوصول إلى آلية واضحة للتعاون المشترك في مراحل التشغيل مما تطلب مد أمد المفاوضات لعدة أسابيع.

هناك ضرورة ملحة للاتفاق على الأقل حول الملء نظراً لضيق الوقت قبل التشغيل الأولى، وقد يتسع الوقت لمناقشة التعاون فى التشغيل خلال العامين القادمين.

- إذا استمر التعثر فإنه من المتوقع أن تستمر المفاوضات فى مرحلة جديدة فى وجود وسيط وليس مراقب هذه المرة، وقد تكون الولايات المتحدة والبنك الدولي هما الوسيطان لحل قضية سد النهضة خلال الشهرين المقبلين.

 

إذا رفضت إثيوبيا مبدأ الوسيط فهذا يعتبر خرقاً جديداً ليس للاتفاقيات السابقة ولكن أيضا لإعلان مبادئ سد النهضة الموقع في مارس 2015 والذى ينص فى بنده الخامس على التعاون فى الملء الأول وإدارة السد، وبنده العاشر الذى ينص على طلب التوفيق، الوساطة فى حالة استمرار الخلاف، وفى هذه الحالة يمكن اللجوء إلى مجلس الأمن للتدخل من أجل وقف الاعتداءت الإثيوبية وحينئذ تظهر مصر ماليها من أسانيد:

الاتفاقيات الدولية السابقة (1881، 1902، 1993، 2015).

تقرير لجنة الخبراء الدوليين 2013 والذى يدين إثيوبيا لعدم وجود دراسات هندسية دقيقة لسد النهضة.

عرض مرونة الموقف المصرى طوال المفاوضات فى مقابل التعنت الإثيوبي المستمر.

 

المرونة المصرية طوال المفاوضات

اتسم الموقف المصرى منذ بداية مفاوضات سد النهضة بالمرونة التي عرضت الحكومة المصرية أحيانا للانتقاد من المواطنيين منها:

قبول المفاوضات فى حين بناء مستمر والتصريحات الإثيوبية المستمرة بأنه لن يتوقف دقيقة واحدة.

عدم التمسك بالاتفاقيات السابقة التي تمنع إنشاء مشروعات مائية على النيل قبل التشاور، وعدم الضرر الجسيم وهذا مالم تلتزم به إثيوبيا.

الموافقة على تشكيل لجنة وطنية وليست دولية لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء.

الموافقة على عمل دراسات هيدرولوجية، وبيئية واجتماعية واقتصادية فقط دون الدراسات الهندسية الخاصة بالتصميم وأمان السد وهى التي كانت تهم مصر ومن خلالها كان يمكن أن تنخفض مواصفات السد.

الموافقة على المكتب الفرنسي الذي رشحته إثيوبيا للقيام بالدراسات المائية والذي لم يجد الفرصة لعمل أى من هذه الدراسات نظراً للتعنت الإثيوبي.

الموافقة على التقرير الاستهلالي من المكتب الفرنسي رغم التحفظات المصرية عليه فى بادئ الأمر، ثم رفض إثيوبيا له رغم أنها هي التي أصرت على وجود هذا المكتب الذى له سابق أعمال في إثيوبيا.

الموافقة على انسحاب المكتب الهولندى الذي رشحته مصر واختيار فرنسي آخر بدلا منه.

 

أضرار تعثر المفاوضات

تتمثل فوائد سد النهضة لإثيوبيا في إنتاج كهرباء تقدر بحوالى 6150 ميجاوات، معظمها للتصدير للدول المجاورة. استمرار تعثر المفاوضات قد يحرم إثيوبيا من الربط الكهربائي مع مصر الذى يمثل لها الباب الرئيسى لتصدير كهرباء السد للدول العربية والأوروبية. وإذا لم تصدر إثيوبيا هذه الكهرباء فإن سد النهضة سوف يكون مشروعاً بلا فوائد للأسباب الآتية:

أولا:  تحتاج اثيوبيا إلى 5 سدود بحجم سد النهضة لكي تغطى احتياجاتها الداخلية من الكهرباء حيث إنها تنتج حالياً حوالى 4000 ميجاوت فقط لحوالى 110 مليون نسمة، إلا أنها لن تستطيع استخدام كهرباء سد النهضة بالداخل لعدم وجود شبكة كهربائية داخلية فى مساحة المليون كيلومتر مربع والموزع بها سكان إثيوبيا، وللتكلفة الباهظة فى حالة إنشائها، ولظروفها الطبيعية الصعبة من الطبيعة الجبلية والأودية والفياضانات السنوية الجارفة من القمم المرتفعة وعدم وجود شبكة طرق.

وفى حالة تصديرها لدول الجوار فإن التصدير سيكون محدوداً لا يتعدى 15% من كهربة السد لضعف القدرة الصناعية والوضع الاقتصادى للسودان وجنوب السودان وأوغندا وكينيا والصومال وجيبوتى وإرتريا. إذاً من المستخدم لكهرباء السد؟

ثانياً: يقع سد النهضة أسفل الهضبة الإثيوبية عند مستوى 500 إلى 650 متر فوق سطح البحر على بعد حوالى 15 كيلومتر من الحدود السودانية ولن يستطيع الشعب الإثيوبي الذى يعيش أكثر من 80% منه على ارتفاعات أكثر من 2000 متر فوق سطح البحر، ومئات الكيلومترات من سد النهضة من الحصول على المياه من سد النهضة رغم أنه فى أمس الحاجة لها خاصة بعد انتهاء موسم الأمطار الذى يستمر 3 أشهر (يوليو - سبتمبر).

ثالثاً: عدم جدوى مياه سد النهضة فى أغراض الزراعة المروية بإثيوبيا لعدم وجود أراض مستوية حول السد وخزانه.

 

جدوى سد النهضة لإثيوبيا

تقوم الحكومة الإثيوبية منذ الإعلان عن سد النهضة فى فبراير 2011 فى تضليل الشعب الإثيوبي عن طريق إقناعه بأهمية السد في أنه مشروع قومي يهدف إلى تنمية الاقتصاد الاثيوبى والانتقال به إلى مرتبة الاقتصاديات المتوسطة وانتشال إثيوبيا من قائمة أفقر دول العالم، ومواجهة التحدي الخارجي ويقصد هنا مصر، وسوف يكتشف الشعب الإثيوبي ادعاءات حكومته بمجرد تشغيل سد النهضة وعدم وجود أي فائدة تعود عليه من مياه شرب أو زراعة أو حتى كهرباء، رغم تكريس كل جهود الدولة خلال السنوات السابقة لبناء سد النهضة.

 

السد العالى فى مواجهة سد النهضة

يمثل السد العالى الحصن المنيع لحماية الأمن المائى المصرى ضد أخطار الفيضانات أو الجفاف أو المشروعات المائية التي تنشأ في ظل عدم التوافق مثل بناء سد النهضة. وقد قام السد العالى بدوره على أكمل وجه خلال الخمسين عاماً الماضية بطريقة أذهلت المتخصصين، حيث أنه حمى مصر خلال فترة الجفاف فى الثمانينات (1981-1987)، وخلال فترة الفيضان بنهاية التسعينات (1998-2001)، وساهم فى زيادة الرقعة الزراعية، والتعمير على ضفاف النهر وداخله من خلال الجزر النهرية العديدة، وتوليد الكهرباء التى كانت تشكل مايقرب من 90% فى بدايته، والآن يحتوى على احتياطى مائى نتمنى ألا نلجأ إليه إلا بنسب قليلة للتغلب على آثار سد النهضة والحفاظ عليه تحسبا لأى سنوات جفاف قد تطرأ فى المستقبل خاصة وأن النيل يشهد أمطاراً تعتبر مرتفعة حيث أنها تراوحت من حول المتوسط طوال الثلاثين عاماً الماضية.

انتهت إثيوبيا من إنشاء السد المكمل بطول 5 كيلومترات وارتفاع 50 مترا، وينتظر انتهاء غلق الجزء الأوسط الذى لايزال مفتوحا حتى اليوم طبقا للصور الفضائية، ولن تبدأ المرحلة الأولى إلا بعد غلقه بارتفاع 90 متراً على الأقل.

عملت مصر منذ منتصف القرن التاسع عشر على حماية ايرادتها المائية واستغلالها بانشاء المشروعات الكبرى ابتداء من القناطر الخيرية 1861، مروراً بسد أسوان 1902، سد جبل الأولياء بالسودن 1937، والسد العالى 1971 وأخير قناطر أسيوط الجديدة 2018. وسوف يقوم السد العالى بدوره فى حماية المشروعات الزراعية المصرية من الأخطار الخارجية والتقلبات المناخية.

 

أ.د. عباس شراقى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية - جامعة القاهرة