الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

ماذا تريد تركيا من تونس؟.. قراءة في اجتماع أردوغان المفاجئ بقيس سعيد

الرئيس نيوز

وضعت الزيارة المفاجئة للرئيس التركي رجب أردوغان إلى تونس، الأربعاء، بعض النقاط على الحروف التي ربما تساعد في فهم التحالفات التي تتشكل في المنطقة على وقع المعارك التي تشهدها الدولة الليبية التي تنزف منذ نحو 9 سنوات دول حلول تلوح في الأفق.

ففي حين يسعى أردوغان إلى تكوين تكتل إقليمي يسعى لضم تونس إحدى دول الجوار الليبي؛ لدعم حلفائه في طرابلس (فائز السراج ورجاله)، كشف الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي لم يمر على ولايته إلا شهرين، عن بعض مواقفه من الأزمة الليبية، التي تتماهى بشكل أو بآخر مع مواقف "حركة النهضة" ذات الأيديولوجية الإخوانية، التي تعتبر أنقرة في الوقت الحالي الملاذ الآمن لرجالات التنظيم الدولي للإخوان.

قيس سعيد الذي بدا مرتبكًا بشكل أو بآخر خلال بعض فترات المؤتمر الصحفي (نحو 26 دقيقة) الذي عقده مع نظيره التركي، لم يكن في وضع يحسد عليه؛ إذ من المؤكد أن رجل القانون الذي أعلن منذ اللحظات الأولى لتولية المسؤولية في تونس أنه سيقف على الحياد تجاه جميع أزمات المنطقة، لم يكن يتمنى أن يكون في ذلك الوضع، أو أن تكون أول زيارة لمسؤول أجنبي هي لأردوغان الذي بات يعادي العديد من الأنظمة سواء العربية أو الأوروبية. 

وعلى الرغم من أن أردوغان (صديق تونس على حد وصف قيس سعيد) تجنب التلاسن والإساءة الذي دأب عليهما خلال مؤتمراته الصحفية التي بات يستغلها في الهجوم على خصومه من سواء من الأنظمه العربية (مصر – السعودية – الإمارات)  أو الأوروبية (فرنسا – إيطاليا – ألمانيا)؛ لتفادي إحراج الرئيس التونسي، إلا أنه لم يفوت الفرصة وأساء إلى الجيش الليبي.

أردوغان وصف الجيش الليبي بغير الشرعي والرامي إلى السيطرة والاستحواذ على البلاد، فيما صمت الرئيس قيس سعيد على تلك النعوت، في إشارة منه على الموافقة عليها، فيما حاول الترويج لمبادرته للسلام في ليبيا التي من المفترض أن تعترف بمكانة جميع فرقاء المشهد الليبي، وليس السماح بالتطاول على أي منها إن كان يبغي الوساطة حقًا.

وأعلن الجيش الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، المدعوم من البرلمان الشرعي للبلاد، عملية "الكرامة" التي تستهدف دخول العاصمة الليبية طرابلس، في أبريل 2019؛ لتحريرها من الميليشات الإرهابية التي تتحكم في مقدراتها. فيما رد السراج بعد نحو 7 أشهر من العملية يتوقيع مذكرتي تفاهم مع أردوغان للتعاون (الأمني – العسكري)، وأخرى لترسيم الحدود البحرية في مياه المتوسط بين طرابلس وأنقرة. الأمر الذي رفضته العديد من الدول العربية والأوروبية.  

تحديد موقف
اعترف قيس سعيد بمذكرتي التفاهم التي وقعهما (أردوغان وفائز السراج"، المتعلقتان بالتعاون "الأمني – العسكري" و"ترسيم الحدود البحرية"، وقال إنهما لا يمسان تونس في شيء، وأنه وقعتهما دولتان ذات سيادة، متجاهلًا الأسانيد القانونية الباطلة التي استندت إليها عملية التوقيع؛ فما تسمى "حكومة الوفاق" التي من المقرر أن يقودها فائز السراج، فاقدة الأهلية إذ أنها لم تحصل على موافقة برلمان طبرق، كما أن اتفاق الصخيرات لم يعط أحد طرفي النزاع الليبي الحق في توقيع المعاهدات والاتفاقات الدولية وأن ذلك من اختصاص الحكومات المنتخبة.

أكد الرئيس التونسي أن لقاءه مع الرئيس أردوغان، ركز على الأزمة الليبية، وكيفية إنهائها، وأنه ناقش مبادرته التي تقدم بها منذ أيام، لدعوة أطراف النزاع الليبي للحوار، موضحًا أن زعماء القبائل (لم يسم أحد منهم) أكدوا أنهم مستعدون لطي صفحة الماضي، لافتًا إلى أن نظيره التركي يدعمه في تلك المبادرة، التي لم يوضح بنودها أو ما إذا تم طرحها على طرفي النزاع أم لا، وما هي القبائل التي طرح عليها تلك المبادرة ووافقت عليها.

ومع تصاعد رود الفعل عن الزيارة، حاولت الرئاسة التونسية التخفيف من وطأتها، فبحسب بيان صادر من الرئاسة التونسية، حصل "الرئيس نيوز" على نسخة منه، فإن اللقاء الذي جميع قيس بأردوغان، لم يكن بحثاً عن الشرعية ولا لاستبدال شرعية بأخرى في ليبيا، وأن اللقاء بحث حل الأزمة الليبية عبر حوار الليبيين أنفسهم، الذين يرفضون أن يكونوا تحت وصاية أي كان.
وقالت الرئاسة التونسية: إن هذا الاجتماع يلتئم "على أثر تفويض لرئيس الدولة (سعيّد) من المجلس الأعلى (الليبي) للتدخل العاجل لحقن الدماء ولمّ الشمل بين أبناء الوطن الواحد"، وفق البيان.

حدود طويلة 
وتتصل تونس مع ليبيا بحدود برية طويلة (نحو 500 كيلومترًا)، ويوجد عليها منفذان بريان جنوبي تونس: منفذ "رأس جدير" في مدينة بنقردان بمحافظة مدنين، ومعبر "ذهيبة وازن" بمدينة ذهيبة في محافظة تطاوين، وما يقابلهما من منافذ بليبيا.
ولذلك تهتم السلطات التونسية بوجود استقرار دائم في ليبيا؛ لمنع عمليات التهريب والهجرة وتسلل أي مسلحين، بالإضافة إلى أن هدوء الأوضاع يؤدي إلى نشاط اقتصادي كبير مؤثر على تونس من ناحية إعادة الإعمار وتقليص نسبة البطالة ونشاط حركة المعابر التجارية.

مؤتمر برلين ومزاعم أردوغان
يبدو أن تجاهل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل دعوة (تركيا وقطر والجزائر وتونس) لحضور مؤتمر برلين للتباحث حول الأزمة الليبية، يغضب أردوغان، إذ كشف خلال المؤتمر الصحفي عن تواصله مع المستشارة ميركل، وتسجيل رغبته في حضور بلاده وتلك الدول مؤتمر برلين، وأنها وعدته ببحث الأمر. ولفت أيضًا إلى أنه ناقش الأمر ذاته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء البريطاني، يوريس جونسون، وأنه أكد لهما ضرورة حضور تلك الأطراف للمؤتمر. 
أراد الرئيس التركي أيضًا التظاهر بالدهشة من الرفض اليوناني لمذكرة التفاهم بشأن ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، وزعم أن أثينا ليس لها "جروف قارية" ولا هي جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة بين تركيا وليبيا، حتى ترفض الاتفاق. موضحًا أن الأمر يتعلق فقط بشمال وجنوب قبرص. ويتناسى الرئيس التركي أنه يكرس انفصال الشمال القبرصي، ويرفض الوحده بين شطري الجزيرة؛ حتى يتمكن من الاستيلاء على ثروات المتوسط في تلك المنطقة. 
وفي مؤشر على توتر العلاقات بين تركيا والسودان منذ انهيار نظام عمر البشير، زعم الرئيس التركي أن قوات شرق ليبيا تستعين بقوات سودانية وروسية في حربها على العاصمة طرابلس. وادعى وجود (5000 سوداني إلى جانب قوات فاغنر الروسية) تقاتل مع قوات شرق ليبيا. 
المثير للدهشة أن المجلس العسكري السوداني قرر منذ أيام سحب جزء من الجنود السودانيين المشاركين في التحالف العربي، فكيف يعقل أنه يتخذ قرارًا بسحب تلك القوات من اليمن، في حين يقرر إرسالهم إلى ليبيا!. كما أن موسكو نفت لمرات عديدة وجود أي قوات لها في ليبيا. 
وأعرب أردوغان عن ثقته بأنه ستكون لتونس إسهامات قيمة وبنّاءة في جهود تحقيق الاستقرار بليبيا، ولفت إلى أنه بحث مع الجانب التونسي الخطوات التي يمكن أن يقدمها والتعاون الذي يمكن القيام به لضمان وقف إطلاق النار في ليبيا والعودة للعملية السياسية. 
وفيما يخص إرسال تركيا قوات عسكرية إلى ليبيا، قال أردوغان: "حتى اليوم لم نذهب إلى أي مكان دون دعوة، وإذا تلقينا دعوة من ليبيا بالطبع فسنقيّمها".

اعتراضات تونسية
وفقاً لما أوردته النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بيان لها يحمل عنوان: “تواصل سياسة التعتيم في رئاسة الجمهورية”، أمس الأربعاء، فإنه تم منع ممثّلي وسائل الإعلام الأجنبية من دخول قصر الرئاسة بقرطاج لمواكبة النقطة الإعلامية لرئيس الجمهورية قيس سعيد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان الذي يؤدّي زيارة غير معلنة إلى تونس بتعلة وجود قائمة محدّدة للصحفيين المسموح لهم بالدخول لتغطية النقطة الإعلامية التي تم بثّها مباشرة على القناة “الوطنية الأولى”.
علّلت مستشارة رئيس الجمهورية المكلفة بالاعلام والاتصال رشيدة النيفر منع الصحفيين من تغطية اللقاء بأن الزيارة غير معلنة وأنّه تمّ استقبال القائمة الأولى التي التحقت بالقصر الرئاسي، وأنّه لا يمكن تمكين كلّ الصحفيين من الدخول لما يتطلبه الأمر من إجراءات أمنية مسبقة.
ولم تكن زيارة أردوغان إلى تونس مجدولة أو معلنة من قبلُ، أي من الجانبين التونسي أو التركي. وأجرى أردوغان زيارة مفاجئة وسريعة (أقل من يوم واحد) لتونس.
ضم الوفد التركي وزيرَي الخارجية مولود تشاووش أوغلو، والدفاع خلوصي آكار، بالإضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات حقان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالن.
في الختام.. فإن تونس الجديدة الممثلة في شخص الرئيس قيس سعيد، عبرت عن موقفها من الأزمة الليبية، وأنها انحازت إلى المواقف التركية، بقبولها مذكرات التفاهم الأخيرة (غير القانونية)، كما أن صمتها على وصف الجيش الليبي بغير الشرعي يكرس ذلك التوجه. لذلك من المؤكد أن تونس ستكون خلال الفترة المقبلة منطقة ترانزيت للدعم التركي والقطري المقرر وصوله إلى حكومة السراج المدعوم من الميليشا الإخوانية.