الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

طارق العوضي يكتب: «رحلتي من الزنزانة إلى روب المحاماة» (2)

الرئيس نيوز


وفجأة ينفتح الباب ويسرع مَن يحملني بالخروج وسط صفين من الأمن المركزى ليلقي بي داخل سيارة مصفحة، وحيداً اللهم من ضابط مباحث أمن الدولة.

كانت المرة الأولى في حياتي التي تجاوزت آنذاك التاسعة عشر من عمري التي أجدني فيها رهن الاعتقال دون ثمة خبرات عملية أو حتى نظرية، فلم أكن قرأت حتى ذلك اليوم ثمّة كتب أو مقالات عن السجون والقبض والاعتقال.

فوجئت بضابط أمن الدولة يصرخ في وجهي: «اسمك إيه يلا؟» فأجبته بسرعة شديدة «اسمي طارق محمد العوضي»، «في كلية إيه؟»، «تانية حقوق».. وأخذ مني كارنيه الكلية.

صرخ في جنود الأمن المركزي الذين أتوا إلى السيارة: «محدش له دعوة بيه وخلّوا بالكم منه».
 
تحركت بي السيارة إلى قسم شرطة الوايلي، الذي يبعد دقائق قليلة عن جامعة عين شمس.. نزلوا بي محاطاً بعدد ضخم من جنود الأمن المركزي ودلفنا إلى داخل قسم الوايلي، وفي الطابق الأرضي هبطنا سلالم إلى بوابة حديدية (حجز قسم الوايلي) عليها قفل حديدي قام أحد الأمناء بفتحه وألقوا بي داخل الحجز لأجد بصحبتي 57 طالباً من طلاب الجامعة.
 
وما إن شاهدوني حتى صرخ بعضهم في وجهي «منك لله.. إنت السبب»، وجاء البعض يسألني عن ما سيتم معنا بعد ذلك، وهل سنذهب وراء الشمس كما نسمع؟ أم سيتم تعذيبنا وصعقنا بالكهرباء؟ ولا هيدونا كلمتين وقلمين ويمشونا؟.. وانزوى البعض يبكي مجهولاً ألم به.

في هذا التوقيت أدركت بفطرتي التي اكتشفتها فيما بعد أنني السند والظهر لكل هؤلاء وأنه مطلوب مني أن العب دور القائد دون اختيار مني ورغماً عني وأنني لا أملك رفاهية الرفض أو الانسحاب من هذا المشهد.

وقفت بكل شموخ وبصوت عال منادياً الجميع: «يا زملاء كله يسكت لو سمحتم» وبالفعل سكت الجميع في انتظار اي بارقة أمل فيما سيقوله هذا الذي أصبح فجاة وبدون مقدمات قائد بالصدفة.

وجدتني أذهب وسط هؤلاء الذين كانوا يبكون خوفاً من المجهول واضعاً يداي على أكتاف اثنين منهم وأوجه حديثي للجميع: «دلوقتي إحنا عاوزين أهم حاجة عاوزين أكل وشرب، ويلا نلم من بعض ونبعت العسكري يجيب لنا أكل وشرب، ولو حد عاوز سجاير كمان»، يبدو أنهم اعتقدوا أن هذه تعليمات من القائد وأن عليهم أن ينفذوا فوراً فقام الجميع بإخراج ما في جيوبهم من جنيهات أو عشرات القروش القليلة وسلموها لي.. وهنا كان الاختبار الأول للقائد: هل سيتجيب لي العسكرى الحارس على باب الحجز أم لا ولم يكن أمامي من اختيار سوى المحاولة.

ناديت على العسكري: «لو سمحت يا دفعة»، فوجئت به يرد عليّ «أيوة يا أستاذ»، «لو سمحت إحنا عاوزين أكل وسجاير وبيبسي وعاوزين مياه»، أجابني للمرة الثانية: «حاضر يا أستاذ هستأذن الباشا وأجبلك».

وبالفعل حضر أحد الضباط ومعه عسكري آخر وأخذوا مني النقود وأحضروا لنا كل ما طلبناه، وأثناء تناولنا الطعام والذي كان عبارة عن أكياس كشري وسندوتشات فول وطعمية وكانت الساعة قد جاوزت التاسعة مساء وجدنا باب الحجز يفتح ويتم النداء على مجموعه من الطلاب ليخرجوا دون عودة، ومن بعدهم مجموعة أخرى بلا عودة.. وهكذا.

علمنا من أحد العاملين بالقسم أن أمن الدولة في القسم وأنهم بيحققوا معاهم وإن اللي مش بيثبت عليه حاجة بيروح.

انتظرت دوري في النداء للتحقيق وطال الانتظار إلى أن أصبحنا 9 طلاب فقط لم يتم النداء علينا وهدأت الأمور تماماً داخل القسم، في إشارة إلى أنه لن يتم النداء على طلاب جدد.

جاءنا أحد الأمناء بعدد جريدة «الأخبار» لصباح اليوم الثاني مردداً بفرحة كبيرة «شفت يا ابني أنت وهو الجرايد كاتبه عنكم.. دا أنتم هتروحوا ورا الشمس كده خلاص».

أخذت منه جريدة «الأخبار» بلهفة شديدة لأجد مانشيت في الصفحة الأولى «القبض على 9 من متزعمي الشغب بجامعة عين شمس».