الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"بدأ ببلدية الإسكندرية عام 1890".. التطور التاريخي لنظام الإدارة المحلية في مصر

الرئيس نيوز


يستعرض "الرئيس نيوز" التطور التاريخي والتشريعي لنظام الإدارة المحلية في مصر، مع بدء مجلس النواب، برئاسة د. علي عبد العال، الأحد المقبل، مناقشة تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الإدارة المحلية ومكتبي لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية، والخطة والموازنة برئاسة المهندس أحمد السجنيى، عن مشروع قانون مُقدم من الحكومة بشأن إصدار قانون نظام الإدارة المحلية، وثلاثة مشروعات قوانين مُقدمة من النواب: الدكتور محمد عطية الفيومي و63 عضوًا آخرين، والمهندس أحمد السجيني والدكتـور محمـد فؤاد و85 عضوًا آخـــرين، وعبد الحميد كمال و59 عضوًا آخرين (أكثر من عُشر عدد أعضاء المجلس)، واقتراح بقانون مُقدم من النائب عبد المنعم العليمي في ذات الموضوع.

يرتبط  تطور النظام المحلي في مصر بحقائق جغرافية عدة، فرضت على المصريين التجمع في وادي النيل ودلتاه منذ القدم في قرى متجاورة مكونة وحدات إقليمية محددة لكل منها عاصمتها وشارتها الخاصة وزعيمها السياسي، وقد اقتضت الظروف الاقتصادية والجغرافية في وقت لاحق أن تندمج تلك الوحدات في أقاليم، وفي عام 3200 قبل الميلاد نجح الملك مينا في توحيد القطرين ليضع أسس الدولة المصرية كدولة بسيطة واحدة، لكن هذا لم يمنع من تقسيم البلاد الي وحدات على أساس جغرافي في إطار الدولة الموحدة وتحت السيطرة المباشرة للحكومة المركزية منذ العصر الفرعوني، وهكذا يمكن القول بأن النظام المحلي في مصر قديم قدم نشأة الدولة المصرية ذاتها.

تُعد مصر من أعرق الدول التي عرفت الإدارة المحلية منذ تقسيم أرض الدلتا إلى قسمين رئيسيين هما الريف والحضر في أعقاب فتح مصر من قبل جيوش الفاتح العربي عام 641 ميلادية، ويمكن القول إن البدايات الأولى للنظام المحلي الحديث تعود إلى عهد الحملة الفرنسية، حيث قام نابليون بونابرت بإنشاء ديوان القاهرة ثم قام بتعميم الدواوين في جميع مديريات القطر المصري وفقاً للأمر الصادر في 27 يوليو 1798 مقسماً البلاد إلى 16 مديرية ومع تولي محمد علي الحكم قام بتقسيم البلاد إلى 14 مديرية وقسم المديريات إلى مراكز.

دستور 1923

طبقت مصر أول نظام للإدارة المحلية بمقتضى القانون في مايو 1883، حيث أنشئت مجالس المديريات كفروع للإدارة المركزية وإن كانت هذه المجالس لم تتمتع بالشخصية المعنوية، فضلاً عن أن اختصاصاتها كانت استشارية، ثم عرفت مصر نظام المجالس البلدية ـ لأول مرة ـ عندما تأسست بلدية الإسكندرية، ومنحت الشخصية المعنوية في 5 يناير 1890، الأمر الذي جعل لها شبه استقلال عن شخصية الحكومة ولها ميزانية مستقلة، وتطور تشكيل المحليات عام 1909 حيث تم الاعتراف للمحليات بالشخصية المعنوية وكانت تشكل من كبار الملاك (المنتخبين) وكبار الموظفين (المعينين) وكان الأجانب يمثلون جزءاً من المجالس البلدية المعينة والمنتخبة، ثم صدر قرار مجلس النظار بالتوسع في إنشاء مجالس بلدية أخرى حيث بلغ عددها (13) مجلساً بلدياً في عام 1919.

جاء أول اعتراف دستوري بالنظام المحلي المصري في المادتين 132و133 من دستور عام 1923 والذي نص على أن يتم تشكيل جميع المجالس "بلديات- مديريات" عن طريق الانتخاب، كما منح الدستور هذه المجالس اختصاصات تتعلق بتنفيذ السياسة العامة محلياً، وألزمها بنشر ميزانياتها وأن تكون جلساتها مفتوحة للمواطنين، ثم صدر دستور 1930 بنفس التوجه والصياغة التي صدر بها دستور 1923، وقد صدر القانون رقم 24 لسنة 1934 بإعادة تنظيم مجالس المديريات من حيث تشكيلها وحقوقها واختصاصاتها وذلك فيما يتعلق بوظائفها المختلفة من تعليم وزراعة وري ومواصلات وأملاك عامة وشئون إدارية ومالية وغيرها، ثم صدر القانون رقم 68 لسنة 1936 الخاص بانتخاب أعضاء مجالس المديريات.

صدرت عدة قوانين بإنشاء المجالس البلدية مثل: مجلس بلدي مدينة القاهرة بالقانون رقم 145 لسنة 1949 ومجلس بلدي مدينة الإسكندرية بالقانون رقم 98 لسنة 1950، ومجلس بلدي مدينة بورسعيد بالقانون رقم 148 لسنة 1950، ومجلس بلدي مصيف رأس البر بالقانون رقم 496 لسنة 1954، ثم صدر القانونان 66 لسنة 1955 بنظام المجالس البلدية، و6 لسنة 1956 في شأن الوحدات المجمعة ثم صدر دستور1956 متضمناً عشرة مواد خاصة بأحكام الوحدات الإدارية تاركاً للقانون تفاصيل جواز منحها الشخصية الاعتبارية وقد صدر تنفيذاً لمواد هذا الدستور القانون رقم 124 لسنة 1960 بإصدار قانون نظام الإدارة المحلية بنظام المجلس الواحد والذي قسم البلاد إلى 26 محافظة ومدينة واحدة (الأقصر) وقسم المحافظات الحضرية إلى مستويين هما( المحافظات والأحياء) وقسم المحافظات الريفية إلى خمسة مستويات هي (المحافظة – المراكز – المدن - الأحياء- القرى) كما حدد التشكيل المختلف لعضوية المجالس المحلية من أعضاء منتخبين وأعضاء معينين بحكم وظائفهم وأعضاء مختارين من ذوى الكفاءات.

تضمنت إنشاء لجنة مركزية للإدارة المحلية تتولى وضع برامج لتنفيذ أحكام هذا القانون بالتدرج خلال خمس سنوات، إعارة ثم نقل الموظفين اللازمين للعمل في الإدارة المحلية، ونقل الاختصاصات التي تباشرها الوزارات إلى الإدارة المحلية، تدبير الاعتمادات اللازمة للسلطات المحلية ونقلها لميزانياتها، إنشاء مجالس للمحافظات، مجالس للمدن ومجالس للقري، وأن يتم تشكيل مجلس المحافظة برئاسة المحافظ وأعضاء بحكم وظائفهم يمثلون المصالح الحكومية وعدد من العاملين بالاتحاد القومي (التنظيم السياسي الوحيد) لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد على خمسة، بالإضافة إلى أربعة أعضاء من كل مركز أو قسم إداري من المنتخبين انتخاباً مباشراً لعضوية اللجان التنفيذية للاتحاد القومي بالمحافظة ويتولى مجلس المحافظة وظيفة تنفيذية ورقابية في آن واحد، وكذلك مجلس المدينة ومجلس القرية، وقد حدثت تغيرات كثيرة على هذا القانون.

مبادئ الحكم المحلي

ثم صدر دستور 1964 مقلصاً عدد المواد الخاصة بالإدارة المحلية إلى مادتين فقط تناولت المادة الأولى تقسيم الجمهورية إلى وحدات إدارية مع جواز منحها أو بعضها الشخصية الاعتبارية بينما تحدثت المادة الثانية عن اختصاصات المحليات.

 ثم جاء دستور 1971 والذي يقوم عليه النظام الحالي للإدارة المحلية، حيث نصَّت أحكامه في الفرع الثالث من الفصل الثالث (السلطة التنفيذية) المواد من (161 إلى 163) على مبادئ الحكم المحلي بالنسبة لطريقة تشكيل المجالس الشعبية المحلية وطرق انتخابها واختصاصاتها.

ثم صدر القانون رقم 57 لسنة 1971 بشأن الحكم المحلي "وإلغاء القانون رقم 124 لسنة 1960" وذلك بنظام المجلسين لأول مرة أحدهما شعبي برئاسة أمين لجنة الاتحاد الاشتراكي في المحافظة والأخر تنفيذي برئاسة المحافظ، وتم بموجب هذا القانون تشكيل مجلس شعبي للمحافظة مكون من أعضاء لجنة الاتحاد الاشتراكي بالمحافظة وأمناء المراكز والاقسام لتشكيلات الاتحاد الاشتراكي بالإضافة إلى اثنين من الشباب وممثلتين من المرأة من تشكيلات الاتحاد الاشتراكي، بالإضافة إلى خمسة أعضاء من أعضاء المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي ويصدر بتشكيل هذا المجلس قرار من رئيس الجمهورية.

وأعطى هذا القانون الحق في تقرير مسئولية المحافظ عن أمر معين وقع منه بموافقة ثلثي الأعضاء ليقرر رئيس الجمهورية ما يراه في شأن المحافظ وكذلك فيما يتعلق بمسئولية أحد رؤساء المصالح بأغلبية أعضائه ليتخذ رئيس مجلس الوزراء ما يراه في شأن رئيس المصلحة.....وشكل هذا القانون مجلساً تنفيذياً في كل محافظة برئاسة المحافظ وعضوية سكرتير عام المحافظة وممثلي المصالح الحكومية على مستوى المحافظة ويختص باتخاذ الإجراءات التنفيذية التي تكفل تحقيق الخطط والبرامج الخاصة ببرنامج العمل الوطني في نطاق المحافظة وكذلك تنفيذ خطط الدفاع الوطني والقومي في نطاق المحافظة، وبموجب هذا القانون تمت تشكيل مجالس شعبية وأخرى تنفيذية في المدن والقرى.

وصدر القانون رقم 52 لسنة 1975 بنظام الحكم المحلي "بنظام المجلسين" متضمناً خطوة إلى الأمام في سبيل دعم المحليات متضمناً تشكيل لجنة وزارية للحكم المحلي، ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 5 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 52 لسنة 1975 متضمناً منح وحدات الإدارة المحلية إنشاء وإدارة جميع المرافق الداخلية في نطاقها وتولي المحافظين جميع السلطات التنفيذية المقررة للوزراء بوصفها سلطات أصيلة للمحافظين وليس على سبيل التفويض.

وفي ضوء هذا كان من الضروري إعادة النظر في القانون رقم 52 لسنة 1975، فصدر قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 43 لسنة 1979 بإصدار قانون نظام الحكم المحلي المعمول به حتى الآن، حيث ألغيت "اللجنة الوزارية للحكم المحلي" واستبدل بها "مجلس المحافظين" برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزير المختص بالحكم المحلي وجميع المحافظين، ومن أهم اختصاصات مجلس المحافظين تقييم أداء المحافظات لأعمالها ومدى تحقيقها للأهداف المقررة، والتنسيق بين المحافظات والوزارات المعنية، وكذلك الموافقة على مشروعات موازنات الأقاليم الاقتصادية بالمحافظات، والموافقة على اقتراح فرض الضرائب المحلية وتعديلها أو تقصير أجل سريانها أو الإعفاء منها أو إلغائها، والموافقة على التصرف بالمجان في أموال الوحدات المحلية فيما يجاوز اختصاصها، تجاوز النسبة المقررة قانوناً لحدود المديونية والقروض التي تجريها الوحدات المحلية، وتحديد سعر الضريبة الإضافية على ضريبة القيم المنقولة وعلى الأرباح التجارية والصناعية فيما يزيد على النسبة المقررة قانوناً للوحدات المحلية.

تم تقسيم الدولة إلى أقاليم اقتصادية بموجب هذا القانون تضم في عضويتها محافظة أو أكثر وينشأ بها هيئة للتخطيط الإقليمي تتبع وزير التخطيط، ولجنة عليا للتخطيط الإقليمي برئاسة محافظ عاصمة الإقليم وعضوية محافظي المحافظات المكونة للإقليم، ورؤساء المجالس الشعبية لمحافظات الإقليم.

ثم صدر القانون رقم 50 لسنة 1981 والخاص بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 بإصدار قانون نظام الحكم المحلي وتضمن تشكيل المجالس الشعبية بالانتخاب بالقوائم الحزبية بدلاً من الانتخاب الفردي الذي كان سائداً قبل ذلك، وتشكيل مجلس أعلى للحكم المحلي بدلاً من مجلس المحافظين بذات تشكيل مجلس المحافظين إلا أنه أضاف إلى عضويته رؤساء المجالس الشعبية للمحافظات، وتدعيم سلطة المحافظ بالنص على منحه بعض السلطات على العاملين المدنيين بفروع الوزارأت والجهات التي لم تنقل اختصاصها إلى الوحدات المحلية فيما عداً الهيئات القضائية، منح المجالس الشعبية المحلية حق تقديم الاستجواب إلى المحافظ ورؤساء المصالح ورؤساء الوحدات المحلية، الموافقة على تحديد نطاق المناطق الصناعية وعلى إنشاء لجان الخدمات بها.

الإدارة المحلية

كما صدر القانون رقم 168 لسنة 1981 حيث أجاز هذا القانون تعيين نائب أو أكثر للمحافظ، والقانون رقم 26 لسنة 1982 لم يتضمن سوى عدم جواز أن يكون المحافظ أو نائبه أعضاء بمجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية، والقانون رقم 145 لسنة 1988 استبدل مسمى "الحكم المحلي" بمسمى "الإدارة المحلية"، واعتبر المحافظ ممثلاً للسلطة التنفيذية بالمحافظة بدلاً من تمثيله لرئيس الجمهورية، ويصدر باختيار محافظ الإقليم قرار من رئيس الجمهورية من بين محافظي المحافظات المكونة للإقليم، وتعديل نظام الانتخابات لاختيار أعضاء المجالس الشعبية المحلية، فجمع بين الانتخاب بالقائمة الحزبية والانتخاب الفردي، وإلغاء التمثيل الوجوبي للعنصر النسائي في تشكيل المجالس الشعبية المحلية، وإلغاء حق الاستجواب المقرر لأعضاء المجالس الشعبية المحلية.

ثم صدر القانون رقم 145 لسنة 1988 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الحكم المحلي متضمناً تغيير مصطلح "الحكم المحلي"، "الوزير المختص بالحكم المحلي" إلى" تنمية الإدارة المحلية"، " الوزير المختص بالإدارة المحلية"، وصدر القانون رقم 84 لسنة 1996 حيث ألغى نظام القوائم وجعل انتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية بالنظام الفردي تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة رقم 47 من قانون الإدارة المحلية بما تضمنته من انتخاب عضو واحد من كل المجالس الشعبية المحلية بطريق الانتخاب الفردي وانتخاب بعض الأعضاء عن طريق القوائم الحزبية.

وصدر القانون رقم 96 لسنة 2003 بتعديل المادة 10 من قانون الإدارة المحلية بإضافة مادتين بشأن تشكيل مجلس محلي شعبي لمدينة الأقصر كمدينة ذات طابع خاص، وحتى عام 1975 كان المجلس المحلي هو الذي يقوم بإعداد مشروع الموازنة وكان يتم اعتماده من المحافظة ثم رئيس الجمهورية، ومنذ عام 1975 أصبح إعداد مشروعات المراكز والمدن والاحياء يتم عن طريق المجالس التنفيذية لكل مستوى ثم تعرض على المجالس الشعبية المحلية المنتخبة التي من حقها أن توافق عليها أو أن ترفضها جملة لتلحق بعد ذلك بمشروع قانون الموازنة العامة للدولة لاعتمادها من مجلس الشعب.

ويتبين من كل هذه التعديلات التي أجريت على القانون رقم 43 لسنة 1979 بإصدار قانون نظام الإدارة المحلية أنه أصبح غير ملائم للواقع العملي وتعالت الأصوات المطالبة بضرورة إصدار قانون جديد للإدارة المحلية يسهم بشكل فعال في بناء الدولة الديمقراطية ويسعى إلى تطبيق اللامركزية.

الجدير بالذكر أن الإعلانات الدستورية التي صدرت عن المجلس العسكري سنة 2011 لم تتضمن أي أحكام للإدارة المحلية، ثم صدر دستور 2012 متضمناً فصل مستقلاً بباب السلطات العامة في عشرة مواد تنظم الإدارة المحلية.